مقدمة

توفر شروط ومواصفات البناء المعايير القياسية والقواعد الأساسية اللازمة للتحكم في جودة البناء ودقة تنفيذ الأعمال التقنية للمباني وذلك لتوفير الأمان والراحة لمستخدميه. ولكي يوفر المبنى الأمان ويكون مناسب من الناحية التقنية يتعين عليه أن يحمى مستخدميه من عوامل البيئة الطبيعية المختلفة. والتركيز على الأمان والحماية يؤكد أساس التكامل السطحي لطبقات البناء. فبالرغم من أن البناء قد يبدأ بوحدات بنائية صغيرة مثل قوالب الطوب أو الوحدات البنائية الجاهزة أو العناصر سابقة التجهيز إلا أن الحماية النهائية تنتج من التغطية الكاملة لجميع الحيزات الفراغية التي يحتويها المبنى. و لذلك يجب فهم أهمية كل طبقة من طبقات الحماية المتعددة للبناء لأنها هي أساس الوصول إلى تصميم بناء جيد من خلال مواصفات و شروط البناء. فهناك العديد من المخاطر والعوامل الغير مرغوب فيها التي يتم تصميم المبنى لحماية سكانه منها وهذه العوامل يتم تحديد نوعها وكميتها من خلال مواصفات وشروط البناء في كل دولة وحسب درجة خطورة وتأثير كل منها على راحة الإنسان ويتم تحديد طريقة معالجة السطح الخارجي لتوفير الحماية اللازمة. فالهيكل الإنشائي للمبني يتم تغطيته ليتعامل مع العوامل و المخاطر المتوقعة على المبنى.

1- الحماية من الحريق

يمكن تعريف المبنى بأنه: "أي منشأ يستخدمه الإنسان في الإيواء أو العمل أو المعيشة". وتعتبر الحماية من مخاطر الحريق أهم واجبات الحماية التي يجب أن يوفرها المبنى لسكانه ويتضمن ذلك مخاطر الحريق خارج وداخل المبنى. ولتحقيق هذا يتم فصل أجزاء المبنى بعضها عن بعض بحوائط مقاومة للحريق تمنع انتقال الحريق من مكان إلى آخر. ويعتبر كل جزء من المبنى قائم بذاته ومنفصل عن الآخرين. ويشير هذا التعريف إلى أن حدود المبنى هي المحدد المادي للحماية من الحريق مهما تغير الشكل الخارجي لها.

يتم تحديد زمن مقاومة الحريق للحائط المقاوم للحريق ويتراوح بين واحد إلى خمس ساعات وهى المدة المتوقع أن يتحملها الحائط في حالة حدوث الحريق. ويؤثر السمك والكثافة على مقاومة مادة الحائط للحريق فالمواد المصمتة غالبا ما تكون ذات مقاومة اكبر للحريق سواء كان ذلك بسبب طبيعة صناعتهم أو وصلاتهم البنائية. يجب على الطبقات المشكلة للغلاف الحاوي أن تصل إلى مقاومة مناسبة للحريق.

لكل مبنى معامل مقاومة للحريق fire rating وهذا المعامل يصمم كنطاق zone تستطيع حدوده أن تحوى أو تقاوم الحريق لمدة زمنية محددة. الحوائط والأرضيات وتركيبات الأسقف أو التغطيات يجب أن تعمل معا في تجانس وتكامل لحماية المبنى من الحرائق. ويجب التأكيد  على إغلاق المناطق التي تتقابل فيها الحوائط مع الأسقف أو التغطيات للحصول على عازل متصل حيث أن مناطق الوصلات اضعف في مقاومة الحريق. وهناك العديد من الأماكن التي يمكن أن يتسرب من خلالها الحريق ومنها الوصلات بين الحوائط لذا يجب إعطائها أهمية خاصة عند تحديد مواصفات البناء لكي تساعد على عدم انتشار الحريق. ويتم إعطاء أولوية كبيرة لجعل المواد المختلفة تتصل معا وكأنها غلاف أو جسم واحد متصل مقاوم للحريق. ومن هذا يمكن النظر للمبنى على انه محتوى واحد a container مغطى بطبقة كاملة مستمرة ومقاومة للحريق. ويجب عند عمل فتحات في المبنى مثل الأبواب والشبابيك أن يراعى معامل مقاومة الحريق لها مثل الحوائط والأرضيات. فالنطاق المغلق تماما يوفر حماية اكبر من الحريق لذلك تتحسن مقاومة المبنى للحريق كلما قلت الفتحات. وخلال استعمال الناس يقومون باختراق الغلاف المقاوم للحريق من خلال عبورهم من مكان إلى مكان ولكنهم يكونوا في حماية هذا الغلاف أثناء وجودهم داخله.

وهناك العديد من العناصر بخلاف الناس التي تحتاج إلى الدخول والخروج من هذا المحتوى مثل الهواء الساخن والبارد والغازات والكهرباء والمياه وخلافه. وهذه الاختراقات الميكانيكية تعتبر فتحات في غطاء الحماية ولعمل تلك الفتحات قواعد ونظم للمحافظة على مستوى الحماية من الحريق  وعلى سبيل المثال عند تقابل قناة تهوية مع حائط يجب وضع موقف للحريق fire damper ويعمل ذلك الصمام على إغلاق الفتحة أثناء الحريق. الدهان ضد الحريق يتم معالجته باستخدام نسيج متجانس مع وضع اعتبارات خاصة عند الفتحات في الفراغ. فالحماية من الحريق تشمل المبنى مثل الغلاف المستمر للفراغ. فالمواد والوحدات المتعددة لمراحل البناء تصنع لكي تعمل كغلاف واحد. أن صعوبة التعامل مع الحماية من الحريق من خلال مواصفات البناء هي تكمن في انفصال المكونات ومحاولة تكييفهم كسطح واحد متجانس.

2- الحماية من الماء

من الوظائف الهامة الأخرى للمبنى هو حماية سكانه ومحتوياته من مخاطر الماء. وتفرق شروط ومواصفات البناء بين الماء القادم من الأرض (المياه الجوفية والرطوبة) والماء القادم من السماء (المطر والثلج) وتحدد طرق الحماية من كل منها. تقف المباني على الأرض والماء الأرضي يمكن أن يتخلل المبنى إذا لم يتم منعه. وتقدم مواصفات البناء طرق حماية المبنى من الماء والرطوبة ضد الماء الأرضي. فقواعد الحوائط والأرضيات يجب عملها خالية من الفتحات والانكسارات. وهناك العديد من طرق تغطيتها ودهانها فور الانتهاء من عملها ملساء (بقدر الإمكان) للوصول إلى طبقة غير قابلة للاختراق. والعزل ضد الماء waterproofing يتكون من تركيبات لدهانات الأسطح بمواد سائلة أو تغليف الأسطح بمواد تغطية. وأساس هذا الإجراء هو تكوين غطاء مطاطي (مثل حذاء المطر) محكم الإغلاق تماما حول الأساسات يقف أعلى سطح الأرض حيث لا يمثل الماء خطورة.

بالنسبة للماء القادم من السماء (المطر والثلج) فيجب أن تقوم الحوائط بحماية الفراغ الداخلي من البلل. وتوفر مواصفات البناء قائمة من التغطيات المناخية مع الأسماك اللازمة لكل منها. وهذه الأسطح (مثل شرائح الألومونيوم وألواح الاسبستوس وألواح الخشب المعالج والواجهات الحجرية وخلافة) يتم تحديدها من اجل الحماية من ماء المطر والثلوج. وبالرغم من أن تلك المواد تتكون من قطع صغيرة منفصلة إلا انه من خلال التطابق والالتصاق والأحكام يمكن جعلها تعمل كوحدة واحدة. ويتم تحديد طرق تركيب ووضع طبقات كل قطعة حتى نتمكن من الوصول إلى العزل المائي التام. وإذا احتوى الحائط الخارجي على مناطق يمكن أن يتجمع بها الماء فانه يجب إغلاق أو ملء هذه المناطق حتى نتمكن من الوصول إلى سطح أملس. ومثل المظلة أو غطاء المطر فان السقف يصمم لمقاومة الماء ويماثله في ذلك الغطاء الأخير للمبنى.

وكحماية إضافية ضد الأبخرة يتم إضافة عازل للأبخرة للفراغات الداخلية للحوائط والأسقف. وغالبا ما تكون عبارة عن مادة بلاستيكية تمنع بخار الماء الذي يحمله الهواء من الوصول إلى الداخل. وهى توفر غطاء مستمر حول الفراغ والمبنى وتكمل الحماية بين الماء الأرضي وماء السماء. وبذلك يحمى المبنى نفسه من الماء باستخدام ثلاث أغطية. الغطاء الأول هو مانع البخار الذي يحيط بكل النهايات والإضافات والغطاء الثاني هو الغطاء المطاطي حول أساسات المنشأ والغطاء الثالث هو الغطاء المشكل لمظلة الحماية على القمة. وسواء بدأت تلك الطبقات كوحدات صغيرة أو كألواح تغطية فأنها يجب أن تصل في النهاية إلى شكل الغطاء المتجانس. وبتوفير الحماية من الماء تتغير طبيعة مكونات المبنى من اجل العمل على المحافظة على جفاف الفراغ الداخلي.

3- الحماية من الحرارة

من المفترض أن يقوم المبنى بحماية مستخدميه ومحتوياته من حرارة الأجواء الساخنة والباردة. ومن خلال استخدام مواد العزل الحراري insulation materials والوسائل الميكانيكية والآلات يتم التحكم في درجة الحرارة داخل المبنى بحيث توفر مستوى الراحة المطلوب لشاغليه.

وتقدم شروط ومواصفات البناء المعدلات اللازمة لتصميم نظم التدفئة والتبريد. يتم احتساب الاكتساب والفقد الحراري  heat gain or loss للمبنى بالنسبة إلى غلاف المبنى. وفكرة غلاف المبنى أو السطح الخارجي للمبنى تعنى انه عند مقابلة درجة حرارة الهواء يجب أن تعمل جميع الأسطح الخارجية كغطاء متجانس. ويتم دراسة الأنواع المختلفة لمسطحات الأسطح وحساب الفروق الحرارية بين أسطح الحائط.

وبناء على خواص المواد المستخدمة يتم تطبيق معدلات التوصيل الحراري transmittance values  للحرارة والبرودة. ومن اجل جعل المبنى محمى بدرجة اكبر من الحرارة يتم استخدام مواد عازلة متعددة على الغلاف الخارجي. سواء بين طبقات مواد الحائط أو بتغليف المنشأ والسطح الخارجي للمواد الخارجية تكسب مواد العزل الحراري الفراغ الداخلي الألفة والراحة اللازمة. الطبقة المختفية التي تحيط بالمحتوى الفراغي يتم اختراقها للمرور إلى الفراغ الداخلي ومن خلال تلك الاختراقات الممثلة في الأبواب والشبابيك يتسرب الهواء ويتخلل داخل الفراغ. لذلك يتم استخدام المواد الحاشية  caulking  واللاصقة sealants لربط الوصلات بين المواد المختلفة في محاولة للحفاظ على استمرارية الطبقة العازلة للحرارة.

ولان البرودة والحرارة تحيط المبنى من جميع الجهات فإنها تبحث عن الفراغات والقطع والشقوق في الطبقات الخارجية والتحتية التي تتمكن من خلالها من التخلل إلى داخل الفراغ. وحماية الفراغ الداخلي من الظروف الجوية الخارجية. وتعمل الطبقة العازلة سواء لفافات أو قطع وكأنها طبقة متجانسة واحدة بين الخارج والداخل. ويجب أن تعمل الطبقة الحرارية على وجه الخصوص بطريقة منتظمة ومتجانسة، فوجود أي شرخ أو تشقق يتسبب في إضعاف العزل الحراري.

4- الحماية من قوة الرياح

تتطلب شروط ومواصفات البناء أن يتم تصميم المباني بحيث تقاوم القوة المدمرة للرياح الشديدة. ويتم اعتبار أن تلك الرياح تقوم بدفع المبنى والذي يفترض انه يقوم بالتالي بعملية الدفع العكسي في الاتجاه المضاد. لذلك يجب أن يتم تصميم الهيكل الإنشائي للمبنى والغلاف الخارجي لمقاومة تلك القوى الأفقية المتولدة lateral loads نتيجة قوة الرياح. الهيكل الإنشائي للمبنى والغلاف الخارجي تتحد للوقوف في وجه قوى الرياح المخيفة. وربما تختلف أساليب التعبير المادي عن هذه الحماية ولكنها تؤدى نفس الهدف في النهاية، سواء باستخدام الكمرات المتقاطعة cross-bracing أو الهيكل مقاوم الانحناء moment-resisting frame أو الحوائط الخرسانية shear walls يتم مقاومة قوة الرياح بنوع من أنواع الحماية التي تغطى المبنى كله أو التفاصيل التي تجعل الهيكل الإنشائي للمبنى كله فعال ضد قوى الرياح. واستخدام الوحدات القياسية يؤدى إلى توحيد القوى لتكون واجهة حماية مرنة.

5- الحماية من الضوضاء

تتطلب شروط ومواصفات البناء السيطرة على انتقال الصوت في المباني السكنية التي تحتوى على اكثر من وحدة سكنية واحدة. وتركز مواصفات البناء على الحماية من الضوضاء بالنسبة للإطار الخارجي لكل وحدة. وتتطلب المواصفات الحماية من الضوضاء التي تصل عن طريق الهواء airborne noise والصوت الذي يصل عن طريق المنشأ نفسه structure borne sound .فمكونات الحوائط والقوا طيع والأرضيات والأسقف والتي تشكل حدود الوحدة السكنية يجب أن يتم عزلها من الضوضاء. والمستويات الأفقية والراسية يتم ملئها بمواد تمنع مرور الضوضاء. ويجب العناية بمناطق الفتحات مثل الأبواب والشبابيك حيث انه يمكن مرور الصوت منها. الضوضاء توجد في كل مكان والحماية من الضوضاء يجب أن تكون على شكل غلاف يحيط بمحتوى المبنى بحيث يمنع الصوت من الوصول إلى داخل فراغ المبنى.

6- توفير الإضاءة الطبيعية

تشترط مواصفات البناء توفير الإضاءة الطبيعية natural light في جميع الغرف التي يتم سكنها أو المعيشة فيها. ويجب توفير مساحة زجاجية يتناسب مسطحها مع مسطح الغرفة المراد إضاءتها. ويتم التعامل مع كل غرفة على أساس أنها وحدة منفصلة. ويمكن أن يقع المسطح الزجاجي في أي من الواجهات الخارجية للغرفة. ويتم قياسها كمسطح حسب كمية ضوء الشمس sunlight الذي تسمح بمروره. ويتم التعامل مع الوحدات الداخلية للغرف وكأنها محاطة بأغلفة منفصلة حول حدودها والذي يمكن اختراقه بالضوء من اجل صحة وراحة السكان. ويمكن اعتبار الغرفة اصغر وحدة فراغية في المبنى محاطة بغلاف مادي. إن توفير الإضاءة الطبيعية يؤثر على الخصوصية التي توفرها الفواصل المصمتة، فكل إضافة للضوء تتسبب في تقليل المسطحات المصمتة وبالتالي تقليل الخصوصية. فالغرفة تحجب جزئيا سكانها وتوفر بعض التعرض لضوء الشمس مما يمكن من إضاءة محتوى الغرفة. و لتوفير الإضاءة الطبيعية، يتم التعامل مع كل غرفة على أنها محتوى منفصل يحدد العلاقة بين داخل وخارج الغرفة نفسها وهو المقياس المصغر لفكرة المبنى كمحتوى كامل.

الخلاصة

تختلف طبيعة كل عنصر من العناصر المؤثرة على المبنى فبعضها موجود في كل مكان وغير ملموس (مثل الحرارة والضوضاء) وبعضها الآخر قد لا يتعرض لها المبنى طوال وجوده (مثل الحريق والرياح المدمرة) وبعضها الآخر موجود بصفة دائمة (مثل الماء الحرارة والبرودة) ومن خلال التقنيات التي توفرها شروط ومواصفات البناء يمكن تحديد التأثير وبعد تحديد ذلك يمكن اختيار سطح الغلاف المناسب للتعامل معه. وهذه الأغلفة تتعامل مع المبنى (أو أجزاء من المبنى) وكأنها محتويات للفراغ الذي يضم الناس والأشياء. والهدف من الغلاف الخارجي للمبنى هو توفير حماية من العوامل الخارجية. وبالرغم من انه يمكن إنشاء المباني من خلال إنشاء وحدات بنائية مختلفة فان غلاف الحماية الناتج يجب أن يعمل وكأنه وحدة واحدة متجانسة ومستمرة في تحديد الداخل والخارج. تميل شروط ومواصفات البناء إلى التأكيد على تكامل السطح الخارجي و توجيه الاهتمام به أثناء التصميم. واهم الرسومات المعمارية التي تؤثر على تكامل عملية التصميم هو القطاع المعماري وهو تصور قطع الفراغ (أفقيا أو رأسيا) وتوضيح الفراغ الداخلي والطبقات المحيطة به والتي يعمل كل منها على تحقيق هدف محدد. ويقوم المعماري من خلال هذا التصور بالتعبير عن الشكل والمحتوى العام للفراغ. وبالإضافة إلى كل ذلك يتم تحديد الطبقات والمواد والمكونات والكميات. يجب فهم القطاع المعماري من قبل المنفذ كمواد لها أطوال وعروض محددة يتم تنفيذها بدقة عالية.