ازداد حجم العشوائيات نتيجة لضعف الامكانات المادية للدول النامية وعدم قدرتها على توفير فرص عمل فى مواطن الناس الاصلية وعدم قدرتها على توفير مساكن ومناطق سكنية مناسبة لكل من يرغب فى الانتقال والعمل فى المدينة. وبدء البعض فى استغلال المناطق المحيطة بالمدن والاستيلاء عليها وتقسيمها الى قطع صغيرة او البناء على اراضى الدولة الغير محمية او تقسيم اراضيهم الزراعية الصغيرة التى لا يكفى اننتاجها حاجاتهم المعيشية الى قطع صغيرة تصلح للبناء عليها. ويغيب التخطيط عن اغلب هذه المناطق وتغيب عنها ايضا المرافق العامة والخدمات الامنية والمرافق التعليمية والصحية والتجارية والمعيشية. وبالرغم من من عدم توافر اى من هذه المرافق فما زالت العشوائيات تمثل بيئة عمرانية جاذبة للناس للعيش فيها والانتقال اليها للبحث عن فرص عمل فى المدينة او فى العشوائيات نفسها.
ومع تسليمنا بكل السلبيات التى نراها جميعا فى المناطق العشوائية فان الجوانب الايجابية فى تلك العشوائيات تغيب عن نظر الكثيرين الذين ينظرون اليها كمشكلة ينبغى حلها والقضاء عليها. ادى النظر الى العشوائيات على انها مشكلة ينبغى التخلص منها الى اهمالها لفترات طويلة باعتبارها "غير موجود" او "غير شرعية" ولا يجب الاهتمام بها او توفير الخدمات لها الى تحولها الى ملجأ للتطرف والعنف. وبدأت المدينة تعانى من اهمالها لهذا الابن الغير شرعى وانعكست العشوائية على المدينة نفسها وعلى سكانها واصبحت المدينة نفسها عشوائية.
توفر العشوائيات مكان للسكن قريب من المدينة واماكن العمل والترفيه باسعار مناسبة للدخول المتدنية وتتناسب اسعار السلع بها مع تلك الدخول. توفر العشوائيات مجال اجتماعى يساعد الفرد على التكيف والتواصل مع من حوله. وتوفر ايضا بيئة حاضنة للفرد الذى ينتقل الى المدينة ومساعدته فى الحصول على عمل فى المدينة. يجد العديد من الشباب فيها الامل الوحيد لايجاد سكن لبدء حياتهم الاسرية بما يتناسب مع دخولهم. تسكن فى العشوائيات العديد من اصحاب المهن البسيطة والعمالة اليدوية التى تعتمد عليهم المدينة مثل الحرفيين وعاملات المنازل والبائعين وغيرهم. يتم تداول ثروة هائلة داخل العشوائيات من خلال التجارة اليومية والبناء والاعمال الصغيرة. تقع معظم العشوائيات فى اماكن قريبة من المدينة ومطلة على افضل مناظرها الطبيعية والتاريخية والعمرانية.
لن تستطيع اى مدينة فى المستقبل القريب او البعيد القضاء على العشوائيات. لذا يجب تغيير رؤية المدينة الى العشوائيات على انها مرض يجب التخلص منه الى انها ظاهرة يجب التعامل معها كواقع مستمر. كيف يمكن ان نتعامل مع العشوائيات كجزء من المدينة وكيف يمكن تطبيق مبدأ الاستدامة عليها. هلى يمكن ان نصل الى "العشوائيات المستدامة" التى توفر بيئة عمرانية صالحة لعيش الانسان واالاستفادة من امكاناتها الاجتماعية والبيئية لتحسين ظروفها الاقتصادية. العشوائيات ثروة عمرانية ومكانية واقتصادية وبشرية يمكن الاستفادة بها فى تحقيق بيئة مستدامة للانسان. لا اقصد هنا الاستدامة الخاصة بالمجتمعات الغنية التى تعتمد على التكنولوجيا والمواد الحديثة فى تحقيق الاستدامة ولكن اقصد الاستدامة الخاصة بالمجتمعات الفقيرة التى تعتمد تحسين البيئة العمرانية والاقتصادية والانسانية والحفاظ على البيئة الطبيعية.
هناك الملايين الذين يعيشون فى العشوائيات، منهم الفقراء والمعوزين، ومنهم المستورين والمتيسرين. وما يميز العشوائيات هو التقارب الطبقى الاقتصادى والاجتماعى بها وقدرة الناس على التواصل بين بعضهم وبالتالى قدرتهم على احداث التغيير فيما بينهم.
العشوائيات هى ثروة بشرية عاملة تقع فى مناطق قريبة من المدينة مما يجعل قيمة ارضها عالية تتقارب فيها لطبقات الاقتصادية والاجتماعية ولكنها تعانى من مشاكل كبيرة نتيجة غياب الخدمات والمرافق.
الاستدامة للفقراء تمثل مدخلا مناسبا للتعامل معها من منظور يختلف عن الاستدامة التى يطبقها الاغنياء. فكل ما نسمعه عن استدامة الاغنياء هو تطبيق معايير الاستدامة على المشروعات المستقبلية، استخدام مواد حديثة ومتطورة لتوفير الطاقة ، المدن والمبانى الذكية التى تطبق تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وغيرها من التطبيقات التى تؤدى الى زيادة التكلفة الانشائية بنحو 30% مع الوعد بالتوفير فى المستقبل واسترداد هذه الزيادة على مر خمس الى عشر سنوات. هذه الاتجاهات لا تتناسب مع الفقراء الذين يحلمون بمسكن لائق ومرافق وخدمات اساسية وبيئة اجتماعية مناسبة. هناك مجال متسع للجميع لتأدية الواجب فى المشاركة فى هذا العمل ليس بتقديم الحلول النظرية ولكن بتقديم الافعال العملية.
ساحة النقاش