ما يجري علي الساحة السياسية الآن يدفعني الي القلق علي مستقبل هذا الوطن مما قد يدفع الشعب الي أن يعلن ضجره وقرفه تجاه تلك الفقاعات التي تملأ الأفق وجميعها تتحدث في كل شيء دون أن تطرح رؤية تصب مباشرة في مصلحة الشعب.
كنا نشكو في زمن مبارك عن حوارات النخبة داخل الصالونات المكيفة دون النزول الي الشارع وكانت وجهة نظر تلك النخبة هو تضييق آلة النظام القمعية علي تواجدها بين الناس..الآن وقد زال مبارك ونظامه..ماذا قدمت النخبة؟.
نعم خرجت النخبة الي ميدان التحرير لتعلن عن نفسها للناس وأمام الكاميرات لكن الشعب ينتظر منها تقديم أحلامه قبل أحلامها وأن تترك مصالحها الضيقة وخلافاتها المتكررة جانبا.
الارتباك وعدم وضوح الرؤية هو عنوان كل مايجري الآن..ولنبدأ بالمشهد الرئاسي الذي يتصارع فيه مايقرب من أربعين مرشحا ورغم مؤتمراتهم وتصريحاتهم المتناقضة لكنهم لم يلمسوا قلوب البسطاء..فلم يقدموا حلولا للمشاكل الحياتية التي يعانيها الناس..ولم يظهر بينهم من يلتف حوله الناس ويشعروا أنه منهم.
قناعة غالبية المصريين أن الرئيس الذي يريدونه لم يأت بعد لكنهم يرجون الله ألا يكونوا في انتظار ما لايجئ..هل رأيت كيف فزع مرشحو الرئاسة من ترتيبهم في استفتاء المجلس العسكري علي الانترنت فتركوا مشاغلهم وتفرغوا للتصويت الاليكتروني لهذا الاستفتاء..دون أن يسعوا الي الحصول علي تصويت الشارع.
دعك هنا من مفارقة كبيرة حملها تدافع مرشحي الرئاسة لعقد المؤتمرات الفندقية دون أن يسألوا أنفسهم عن احتمالية أن يكون نظام الحكم القادم في مصر برلمانيا وليس رئاسيا فماذا سيفعلون وقتها؟.
اذا تركنا مشهد النخب المتصارعة ومرشحي الرئاسة الغائبين عن الشارع الي المشهد الحكومي فحدث ولاحرج..فالحكومة التي قالوا عنها وعن رئيسها أنها جاءت من ميدان التحرير لم تقدم مايشبع الناس فالأداء روتيني باهت يذكرك بأداء حكومات مبارك..فالأمن شبه غائب والاقتصاد خرج ولم يعد وأصبحنا أمام وزراء يعشقون التصريحات الصحفية والفضائية وتركوا مصالح الناس وبدأوا في تلميع أنفسهم..هل شعرت كمواطن أنك أمام حكومة مختلفة عن كل سابقتها..الشعب لايأكل تصريحات لكنه يبحث عن حلول..يكفيه زيادة الأسعار التي تكويه كل صباح ثم يصدمك تصريح حكومي وآخر صادر عن المجلس العسكري (يناشد) التجار بعدم ممارسة الاحتكار وتخزين السلع لرفع أسعارها..بدلا من شن حملات موسعة علي الأسواق لضبطها.
اذا ذهبنا الي الأحزاب فستجد قديمها الذي عفي عليه الزمن يبحث عن استعادة ما يبقيه في الصورة عبر تحالف هنا أو مداهنة سلطة هناك أما الأحزاب الجديدة التي طمعنا أن تملا فراغا حقيقيا موجودا فهي لاتزال تقيم ندواتها بين الجدران دون نزول للناس في الشوارع قبل صياغة برامجهم التي يوزعونها مع صحف الصباح..ثم تفاجيء بالإخوان يعقدون تحالفا مع أحزاب تم اطلاقها من داخل مقار أمن الدولة في عهد مبارك مثلما كان يفعل الحزب الوطني (المنحل).
لماذا لم تجذب الجماعة تيارات وليدة وشخصيات سياسية داخل حزبها ولماذا لم يكن هذا التحالف الانتخابي مع قوي ليبرالية او وسطية ولماذا فشل الإخوان في كسب وجوها جديدة اليهم..ولماذا هذا المشهد القمعي لمكتب الإرشاد ضد من يخرج عن طوع المرشد..حيث الفصل عقوبته مثلما جري مع د.عبد المنعم أبو الفتوح وبعض شباب الجماعة المختلفين مع قرارات مكتب الارشاد..هل أصبح القمع بديلا عن الحوار..ولماذا هذا السباب والشتائم من الاخوان علي مواقع الانترنت لكل من يعارض آرائهم وأفكارهم؟.
وأخيرا سوف تحزن مثلي عندما تطالع ما يجري داخل المشهد الإعلامي فالصحف مشغولة بمحاكمات أعضاء النظام السابق دون تقديم رؤية لمستقبل مصر فأصبحنا مشدودين الي الوراء الذي سيأكلنا بينما لا نعرف ملامح المستقبل أما الفضائيات فلا تزال تبحث عن الإثارة والجديد في فضائح النظام السابق دون إنارة طريق لهذه الأمة التي ضحت بأرواح شبابها من أجل مستقبل مشرق لكن بعد مرور خمسة أشهر علي تنحي مبارك لم ير المصريون جديدا بل المستقبل امامهم يثير القلق أكثر من الاطمئنان والخوف أكثر من الأمان واذا استمر الحال علي هذا المنوال فسوف يكفر المصريون بثورتهم والديمقراطية التي ظنوا أنها قادمة في الطريق.
المصدر: محمد علي خير/ جريدة الدستور
نشرت فى 13 يوليو 2011
بواسطة WafaaFarag
ساحة النقاش