«فين أيامك يا أبوعلاء».. جملة يكررها صديق عزيز كلما سمع عن حادث طائفى أو مشكلة سببها بعض السلفيين، أو انتشار البلطجة وغياب الأمن، أو مظاهرات فئوية تربك المرور وتؤخر الإنتاج وتنذر بأزمة اقتصادية.
يقول الصديق هذه الجملة بطريقة بين الجد والهزل، لكن بعض المواطنين يقولونها وهم يعتقدون بصحتها.. هؤلاء شريحة ليست بالقليلة تتوزع بين مهن ونوعيات مختلفة مثل بعض العاملين بالسياحة وسائقى التاكسى والعاملين باليومية و«السريحة».. ويقولها بالطبع كل من استفاد من نظام مبارك أو تضرر من سقوطه.
الفئة الأخيرة لن نستطيع إقناعهم مهما فعلنا، لذلك نخاطب بقية المواطنين الذين يصدقون فعلا أنهم فقدوا شيئا ما بسقوطه.
خطأ هؤلاء الأكبر أنهم يعتقدون أن كل المشكلات الراهنة سببها الثورة ولم تكن موجودة أيام مبارك.
يعتقد بعض السذج أن السلفيين مثلا هم كائنات أسطورية لم تكن موجودة حتى يوم 25 يناير، وخرجت فجأة مساء 11 فبراير.. والصحيح أن هؤلاء كانوا موجودين، لكن تحت السطح، وكان «أمن الدولة» يقمعهم ويعتقل معظمهم ويراقب أنفاسهم و«يستعمل» بعضهم فى قضايا كثيرة لإرهاب فئات أخرى فى المجتمع. الذى حدث باختصار أن السلفيين ــ وبغض النظر عن رأى بعضنا فيهم ــ هم مواطنون مصريون.. خرجوا الآن من السجون وصاروا يتكلمون بحرية، ويرتكب بعضهم أفعالا تثير قلق كثيرين.
يعتقد بعض السذج أيضا أن الإخوان المسلمين ما كان يمكن لهم أن «يتعملقوا» لو استمر مبارك، والصحيح أن الإخوان أيضا جماعة وطنية، موجودون منذ تأسيس الجماعة عام 1928.
مبارك ونظامه كان يعتقد ــ ببلاهة ــ أن مجرد التضييق الأمنى وإطلاق لفظ «محظورة» على الجماعة سوف يجعلها تتلاشى، ولم يدرك أن العصا مهما كانت غليظة لا يمكنها أن تقضى على الأفكار أو العقائد أو الآراء.
يعتقد بعض السذج ثالثا: أن البلطجة أحد إفرازات الثورة، وينسى هؤلاء أن معظم البلطجية كانوا موجودين بالسجون حتى مساء 28 يناير عندما خرجوا بطريقة غامضة ليعيثوا ــ ومعهم لصوص جدد ــ فسادا فى الأرض، لسبب بسيط هو أن الأمن انسحب بطريقة أكثر غموضا.. ينسى السذج أيضا أن البلطجية كانوا أداة طيعة لدى بعض قادة الأمن والحزب الوطنى لتزوير الانتخابات أو تأديب المعارضين وإفساد مظاهراتهم.
ينسى بعض السذج رابعا أن الفتنة الطائفية ترعرعت فى عهد حسنى مبارك كسلاح فتاك لإلهاء المجتمع عن فساد الحكم، كما يتناسون أن تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وقع أول يناير ..وخلال فاعليات الثورة لم نسمع عن أى كلمة تنتمى لقاموس الفتنة، سمعنا ذلك فقط بعد نجاح الثورة فى محاولة لإجهاضها.
الفوضى التى نعيشها الآن متوقعة فى ظل مجتمع ظل مقموعا لمدة ثلاثين عاما، والطبيعى إذا سارت الأمور بصورة طبيعية أن ينتهى كل ذلك قريبا إن شاء الله.
الاستقرار الذى كان سائدا فى عهد حسنى مبارك كان مزيفا، كان يقوم على القمع والقهر والظلم والعدوان والسرقة والتزوير وكل الصفات السيئة.
استقرار عهد مبارك كان أشبه بإناء أو مرجل يغلى جدا يحرسه شخص ضخم الجثة، داخل الإناء كانت هناك كل الأمراض والأوبئة والفيروسات، خرجت عندما سقط هذا الحارس الكرتونى الهش وانكشف الغطاء.
ولحسن الحظ فإن كل هذه الأوبئة والفيروسات تموت فى ظل الهواء النقى.
لصديقى أقول: «الله لا يرجع أيامك يا أبوعلاء»!.
ساحة النقاش