كل شىء كان جديدا ومبهرا فى أغنية «هدير البوسطة» عند صدورها قبل أكثر من ربع قرن، من الدخول الإيقاعى القوى إلى صوت فيروز المختلف، إلى ردود الجيتار عليها وهى تهتف بلوعة مبتكرة ومخيفة:
موعود بعيونك أنا
موعود
كانت فيروز قد انفصلت فنيا وإنسانيا عن عاصى، عندما قدم لها زياد شريط «وحدن» عام 1981، وكان ذلك قبل وفاة الزوج والمعلم فى 1983.
استند زياد إلى رصيد التجارب الرحبانية، لكنه انفرد عن الوالد بحماس شاب يدخل الموسيقى من كل أبوابها، بما فيها موجة موسيقى الديسكو، التى كانت تلهب شباب أوروبا وأمريكا فى السبعينيات وما بعدها، بإيقاع سريع وبسيط، يتكرر بحيوية لا تتوقف. اعتمدت موسيقى الديسكو على الإيقاع السريع، ولعبت دور البطولة فيها آلات القرار، البيز جيتار مثلا، مع الجمل اللحنية المكتوبة للوتريات على خلفية اللحن الأصلى، بصورة مبهجة دائما، راقصة فى الغالب.
تبدأ «البوسطة» بصرخة للأوركسترا الوترية، سوف تتكرر على صوت فيروز «الصولو». ويدخل الجيتار مفاجئا ومعلقا على بداية الاعتراف:
فإنتى إنتى
عيونك سود
يدخل اللحن بهذه العبارة إلى الربع تون الشرقى، ويأتى تعليق الجيتار معذبا من منطقة القرار. ويواصل زياد مغامرة الديسكو فى بقية المدخل الذى كان بمثابة الثورة فى موسيقانا العربية فى حينها، حتى يبدأ جسد الأغنية الأصلية بعد تمهيد قصير من البيانو، يصعد بالتعبير الموسيقى إلى قمته الأولى.
تبدأ «البوسطة»، وهى مفاجأة فى الموضوع لا مجال هنا لتفصيلها، فهى تتحدث عن «هدير سيارة الأتوبيس التى كانت تحملنا من ضيعة إلى ضيعة أخرى»، تنتهى مقاطعها بأجمل وأغرب عبارة غزل:
يخرب بيت عيونك يا عاليا
شو حلوين
ربما كانت الأغنية، مثل عنوانها، تحمل الكثير من «الدوشة» للذين اعتادوا فيروز الملائكية مع عاصى. وهو اتهام سوف يلاحق زياد بعد ذلك، حتى يتبلور فى أنه «الرجل الذى أنزل جارة القمر إلى الأرض».
ساحة النقاش