جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
مأساة لا منتمي / قراءة في حرب الحواس الزائدة لـ:/فاطمة فدّاوي
شاهين دواجي / الجزائر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حرْبُ الحواسّ الزّائدة ....ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكأنّني في سحيقٍ من الخِلجان
أسحلُ ذاكرةً ليستْ على ما يُرامْ....
ألفُ لعْنة لروحٍ لها من الحدَسِ عشْرا أو أكثرْ
تُعْرِضُ عن سفيهِ الشّعورِ والهمْس المُشفّرْ
ألفُ لعنةٍ لرُوحي التي تُسيّجُني , وتفهمُ من الكلامِ
ماوراءَ الكلامْ ....
ليْلي , ليْس على ما يُرامْ ...
وآنفِطارٌما , يُحاصرُ قلبِي فيدهسُهُ
كمْ هِي ضرُوسٌ حربِي مع حواسّي الزّائدة
كحربِ الضّرغامِ مع الضّرغامْ ....
أتضرّعُ لِمسائي أن يُصنّفنِي صفْعةَ ماءٍ
فأنطفئُ , وتيْبسُ أغصانٌ رويْتها بسُهدي
ولظى نفْسي
أعوامًا وأعوامْ ...
ــــــ فاطمة فدّاوي ـــــــ
- الشاعر كائن دائم الهم بما حوله يحاول – على ضعفه - ممارسة سلطة على الكون محاولا إعادة ترتيبه وفق نمط تصوّره فإن حصل له هذا هدم وأعاد التّرتيب مجدّدًا ، في هذه الثّنائيّة من الهدم والبناء نسمّي مخلوقًا ما شاعرًا ، ولايكون هذامن الشاعر إلّا حين يبلغ مرحلة من النّضج يتملّكه فيها الشّعور أنّه المعلّم الأوحد على الأرض والمسؤول عن تفاصيل كينونة الوجود فيها ، لا أنسى هنا مقطوعة السوريّة فردوس النجار :" ليس حُلُماً "
*عندما ثَقُلَتِ الأرضُ..
*حَمَلتُ الطَّريقَ وحدي
*. فَوَصَلَتِ الحياة !
- حيث تظهر نرجسية المعلّم في أبهى صورها حيث يكون الشاعر سببًا في إنقاذ الأرض .
- في خضمّ تجربة النرجسيّة لابدّ على المعلّم أن يعرّف بنفسه ليكون مقنعًا فيقدّم" بطاقة هويّته "ليحصل له القبول في مدرسة الحياة - وإن كان يرى نفسه الحياة نفسها - هذا من جهة ، من جهة أخرى ،يحدث أن يسكت الشاعر دهرًا ليرتاح من خارجه وينظر إلى داخله ، ليعرّج على كلّ المسالك داخله فيشعل المناطق المظلمة بسرج التأمّل تمهيدًا لولادة فحلٍ جديدٍ ينطّ من أحشائه متى تعدّى مرحلة الجنينيّة . ولن نتعب في الحصول على نماذج لهذه التجربة فقد كتب درويش بطاقة هوية ، وسميح القاسم :النخلة وغير هذا كثير .
- وأكاد أقطع أنّ "فاطمة فدّاوي" في نصّ: "حرْبُ الحواسّ الزّائدة" بلغت هذه المرحلة لأنّ كل التّمفصلات النّصيّة تشي بهذا كما سأبيّن بعد قليل .
- بدايةً أجدُهُ شيئًا مهمًّا أن أنوّه الى أنّ الفعل النصّي عند الأستاذة فاطمة يقوم على خاصيتين :
- أ/الفكرة الفلسفية: فلا تكون نصوصها إلّا نماذج لممارسة التّفكير وفق ما تعرفه من ومضات الفكر ووفق ما تؤمن به ، ويمكننا تصنيف بنات أفكارها في خانة الوجودية القلقة التي تتماهى والعبث أحيانًا .
- ب/ التّطرّف في الإنزياح : ولا أقصد أنّ غير الأستاذة لا يستعمل الإنزياح في شعره ، إنّما أقصد أسلوب استخدام الإنزياح نفسه ، فلئن كان الإنزياح هو الجمع بين المتنافر من العلامات في الأنساق الكبرى فإن الأستاذة تعمل على مزيد من التباعد بين هذه العلامات إن على المستوى الأفقي أو العمودي .
- قلت: التشكيل من نوع التشكيلات النفسية باِمتياز حين يحاول تعريّة الذات الإنسانية وإجلاء قلقها النّاجم عن الشعور بالغربة داخل الجماعة جرّاء عظمِها و خيبة أملها تجاه مجتمعٍ بعيد عن تصوّراتها :
*وكأنّني في سحيقٍ من الخِلجان
*أسحلُ ذاكرةً ليستْ على ما يُرامْ....
.
.
.
*ليْلي , ليْس على ما يُرامْ ...
*وآنفِطارٌ ما , يُحاصرُ قلبِي فيدهسُهُ
- الشّاعرة كما نرى تعتبر نفسها "لا منتمي " داخل النّسق الإجتماعي ومن هنا تعظم أزمتها وقلقها .
- ثمّ تنتقل الشاّاعرة لتبرّر سبب القلق والحيرة داخلها :
*ألفُ لعْنة لروحٍ لها من الحدَسِ عشْرا أو أكثرْ
*تُعْرِضُ عن سفيهِ الشّعورِ والهمْس المُشفّرْ
*ألفُ لعنةٍ لرُوحي التي تُسيّجُني , وتفهمُ من الكلامِ
*ماوراءَ الكلامْ ....
- كما اسلفت - وكما هو ظاهر هنا في هذا المقطع – ازمة هذه الذات من عظمها حيث يتعدّد( الحدس )عندها فتتنوّع الآفاق و المواهب ، ولا تفهم لغتها في جماعتها لأنّها (مشفّرة ) ،من الجانب الآخر تفهم هذه الروح" ماوراء الكلام " أي أن هذه الرّوح تدين بدين التأويل وتتأوّل الكون وفق وعيها لأنّها مسؤولة عن هذا الكون .
- الرّوح حينئذٍ عبْء على الشاعرة لأنها تمنع الذات من الأنطلاق نحو المطلق فهي تستحق اللّعن ألف مرّةٍ . ثمّ تكون الشاعرة مظطرّةً إلى أن تحارب في عدة جبهاتٍ ضدّ ( الحواس الزّائدة ) ضدّ المواهب النّادرة ، ضدّ عظمها ... نذكر أنّ الثقافة التقليديّة كان الكبير فيها يفتخر بعظمته ومجده ، فاطمة فدّاوي هنا تشتكي من العظمة ؟:
*كمْ هِي ضرُوسٌ حربِي مع حواسّي الزّائدة
*كحربِ الضّرغامِ مع الضّرغامْ ....
- ثمّ لا تكون النجاة من هذه العذابات إلّا بحلّ إنتحاريّ :
*أتضرّعُ لِمسائي أن يُصنّفنِي صفْعةَ ماءٍ
*فأنطفئُ , وتيْبسُ أغصانٌ رويْتها بسُهدي
*ولظى نفْسي
*أعوامًا وأعوامْ ...
- تترك الذات كلّ شيءٍ وتنسحب فلم يعد لديْها ما تخسره حين تجد رؤيتها وأحلامها تذهب أدراج الرّياح .
- خاتمة :
-النص يعالج فكرة اللامنتمي وغربته داخل الجماعة كما يقرأ هذا النصّ – في فرديّته ونرجسيّته - عدة نصوص من التّراث العربي لعلّ أهمّها بيتي المتنبي الشهيرين :
* ذوالعقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشّقاوة ينعم .
*إذا كانت النفوس كبارا ***تعبت في مرادها الأجسام
- لا يمكن أن نغفل الأشارة البارعة "للتأويل " الذي تشي لغة الشاعرة أنّه دين الكتابة الأبداعيّة عندها فلا يمكن أن نقرأ نصوص الأستاذة فدّاوي ألّا في ظلّ منهج تأويلي ينظر في "الشيفرة " التي تشكّل قوام العلامات والانساق ، حالها في هذا حال المتصوّفة حين ابتدعوا لغةً خاصّةً بهم لا تفهم ألّا عن طريق التأويل فلا يمكن أن ننسى شطحاتهم كنحو :
"خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله " وقول صاحب الفيض الرحماني في القدر .