جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
حــوار
غُــرْبَتُـنا لا يَنْـتَهي لَيـلُـهــا
وفَجْـرُها الْمَـرْجُـوُّ لا يَطْـلُعُ
ويَوْمُـهــا كَأمْسِهـا واحِــدٌ
والغــدُ لا يَـبـْدو لهُ مَهْـــيَـعُ
ضاعتْ بِها الْحُدودُ لا مَعْلَمٌ
يَبْـدو بِهـا وَلا الرُّؤى تَنـفَعُ
فــإنَّهـــا وَإنّـَنــا والْـمَــدى
دوّامَـةٌ في عُـمْـقِها ضِفْـدَع
فــيا زَماناً لَمْ يَعُـدْ مُقْـلِـقي
أَهْـوَ دُجىً أمْ شَمْسُهُ تَسْطَع
ويا مَكاناً لَمْ يَعدْ شاغِلي
أرَوْضَةٌ في العَـيْنِ أمْ بَلْـقَـعُ
كَيْفَ أعيشُ خارِجاً عَنْكُما
وأينَ لِي دونَـكُـمـا مَــوْضِعٌ
وُلِدتُ في أسْرِكُما فَارْحَـما
مُـسْتَسْلِـمـاً إِلَيْكُـما يَضْـرَع
****
فَأقْـلعَ الزَّمانُ عنْ صَمْتِه
وقـالَ لِي، وَقَــوْلُـهُ الْمُـقْـنِعُ:
(لا تَتوَسَّلْ فأَنا دائِبٌ
ولَيسَ فِيَّ لِـلْـوَرى مَـطْـمعٌ
إذْ ليْسَ لِي فِكْرٌ وَلا خافِقٌ
ولا أرى الْخُـطوبَ أوْ أَسْمَعُ
وليسَ لِي لَونٌ ولا مَلْمَحٌ
وليسَ لِي عَيْشٌ وَلا مَصْرَع
لكنْ زَعمْتُمْ أنّني أسْوَدٌ
أوْ أبْـيـضٌ ورُبّـَـمـا أَبْـقَـــعُ
وما السّوادُ فِيّ لكِنَّهُ
كالـدّاءِ فِي صُدورِكُمْ يَرْبَع
هيَ القلوبُ إنْ صَفا وُدُّها
فهْيَ الّتي كَالثّلجِ أوْ أَنْصعُ)
****
ثُمّ انْتَهى الزّمـانُ مـن قـوْلِهِ
وعــادَ فـي سُـكـونِهِ يَـقْــبَع
وانْتَفضَ الْمَكانُ في صَيْحةٍ
وقـالَ: (يـا جُـناةُ لا تَدَّعـوا
لا تَزْعُموا أَنِّي لَكمْ ظالِمٌ
والظُّـلْمُ فـيكُمْ والبَلا أَجْمَعُ
كمْ أحْمِلُ الأوْزارَ منْكُمْ وكَمْ
أشْـكـو إِليْكُـمْ ألَمـاً يَفْـجَــع
كمْ منْ رِياضٍ خَيْرُها وافِرٌ
وزَهـرُها على النَّدى مونِعٌ
حَرَّقْــتُمُ الأزْهارَ حتّى إِذا
صارَتْ جَحيماً تِلْكُمُ الأَرْبُع :
أفاقَتِ الأَعْيُنُ مَلهوفَـةً
وسالَتِ النُّفـوسُ والأَدْمُع
وصَبَّتِ اللَّعْناتِ مَحْمومَةً
على الثَّرى وَما بِه يَهْجَع
وضِقْتُمُ بِالأَرْضِ مَهْداً لكُم
تَحْمِلُكُم كَالأمِّ أوْ تُرْضِع
أوْزارُكُم ، أدْرانُكُم خَيَّمتْ
وفِعلُكُم في الكَوْنِ مُسْتَفْظَع
أسْتَغفرُ الله َ لأَفْعالِكُم
فإنَّهُ الْمَلاذُ والْمَفزَعُ.)
****
ثُمَّ اخْتَفى صَوتُ الْمَكانِ الّذي
كأنـَّهُ لِمَسمَعي يَقْرَع
لكنّني سَمِعتُ صَوتاً أتى
ثالثَها، لعَلّهُ الأوْجَع !
نادى: (أنا التاريخُ فاسْمَع لِما
أَقولُهُ، فهْوَ الذي يَقْطَع
لعلَّ في مَقالَتي بُرْءَكُمْ
فَرُبَّما شَفى الأَذى مِبْضَع:
فابْنُ زَمانٍ ومَكانٍ أَنا
ومِنهُما أُصاغُ أوْ أُصْنَعُ
وكمْ رأيتُ غــيْرَكُمْ أُمّــةً
مَغْــلوبَةً للقَهْـرِ لا تَخْــضَعُ
وإنّما تَهُـبُّ مِــنْ نَوْمِهــا
لأنّهـــا بالـــذّلِّ لا تَـقــــنَـعُ
وأنْتُمُ لَمْ تُشْبِهــوا غـيْرَكُمْ
لأنّكُمْ تَرْضونَ أنْ تُصْفَـعـوا
لَمْ تَعـرِفوا أنْ تَغضَبوا مَرّةً
ودائـمــاً أُنـوفُـكُـمْ تُجْـــدَع
عاقِـلُكُـمْ في بيْـتِه لَـمْ يَـزَلْ
مُغْــتـرِباً، وفِـكْــرُهُ يُقـــمَـع
ضَعيفُكُم لا يَرْتَجي عَدْلَكُم
بلْ ضائـعٌ وحَـقُّــهُ أضْـيَعُ
ولِلقَــوِيِّ سَطْـوةٌ فــوْقَـكُم
ولِلسّفــيهِ بَيْـنـكُمْ مَشْرَع
قَـلَـبْـتمُ الْميزانَ حـتّى بَدا
أنَّ حــياةَ الفَـردِ مُسْـتـَنـقَع
فـبَأسُكُمْ مـا بَيـنَكُمْ قــاصِـمٌ
لكــنْ لَـدى عَـــدُوِّكُـمْ يَـخْــشَع
يا وَيْلَكُم مِمّا اجْـتَرحْـتُمْ بِها
ألا احْذَروا واعْـتَبِروا واسْمَعوا
إنْ لَمْ تُفيقوا والْمَدى سانِحٌ
طافَـتْ بِكمْ عاصفةٌ زَعْـزَع
كقوْمِ عادٍ إذْ بَغَـوْا قَـبْلَكم
وجاوَزوا الْحَدَّ وَلَمْ يَرْجِعوا
فأصْبَحوا بينَ الْوَرى عِـبْرَةً
وبَـيْـنــكُـمْ وبَـيْـنَــهُــم أَذْرُع.
*****