ان أهم ركن في حقوق الانسان هو حرية الرأي والتعبير، فمنذ عملية فرض العهد العظيم (المكناكارتا) عام 1215 م على ملك انجلترا المتضمنة 63 مادة تطالب الملك ونظامه بضمان حقوق الشعب بالشكل الذي يضمن مشاركة أوسع في صياغة الحقوق والرقابة على تنفيذها.
ثم توسعت بعد ذلك الاراء بضرورة منح الحريات والحقوق الفردية وخير من عبر عن ذلك توماس هوبز (1588ـ 1679) ولوك (1632ـ 1704) وجان جاك روسو ( 1712ـ 1778). ولقد استطاعوا من انتزاع الوسائل المؤدية الى صياغة اشكال الحكم ووصف السلطة وواجباتها وأقسامها بالشكل الذي يضمن هذا الحق وفق مبدأين هما :ـ
ـ اعتبار حرية الرأي والتعبير حقاً طبيعياً للانسان
ـ احترام حرية ورأي الآخر
ويتحتم على ذلك الالتزام بمبدأ المجادلة والمناظرة والمناقشة مع الاخرين، مهما كثر او قل عددهم سواء اتفقوا او اختلفوا، لان كيفية التعبير عن الموضوع الموصوف تختلف من فرد لأخر بموجب اختلاف حجم وقوة المؤثرات النفسية والروحية والمادية والزمانية والمكانية عليه، اضافة الى طبيعة المكونات الشعورية واللاشعورية في ذات النفس، وهنا يظهر ما يسمى بالادراك المنقوص الذي لا يستقيم الا من خلال مسؤولية المناقشة على حق الرأي والتعبير.
لذلك صار مهما معرفة الاسباب والوقائع التي أدت الى ظهور مثل هذه الاراء بعد تعاظم شأنها في بناء النظم السياسية الديمقراطية، ولأجل ذلك لابد من تحويل عالم الاراء من سوق الفوضوية لتضادها وتنافرها الى نظام لاستخلاص الأنفع والأفضل بالمشاركة لغايات النفع العام والخاص وفق هذه الأسس.
اساس المحافظة على احترام الرأي والرأي الاخر والمصالح المشتركة والحقوق والحريات الفردية والجماعية والقيم والمثل المشتركة وسلامة بناء المجتمع وتطوره.
وهذه الأسس تشكل المضمون القانوني والاعتباري للمسؤولية رديفة حق حرية الرأي والتعبير وبدونها لا يمكن تطبيق او تنفيذ أي منها بسبب الاراء المختلفة، لذلك أوجدت المجتمعات الانسانية ثوباً خاصاً لذلك في العقد الاجتماعي لجميع الأطراف والكتل والجماعات المؤثرة في المجتمع.
ان تمسك الفرد بحق وحرية الرأي والتعبير بدون التمسك بالمسؤولية تجاهها تدفعه الى الاغتراب داخل المجتمع والانعزال عنه، او الاغتراب خارج المجتمع وهجرته، وكل هذا يرتب التزاماً قانونياً وقيمياً قائماً على لا شرعية ادعاء احتكار المعرفة والادعاء بالرأي الاصوب دون الاراء الاخرى، ولا شرعية فرض قيم او مثل فردية او فئوية على الآخرين لطبيعتها الخاصة، وأخيرا لا شرعية خلط بين الحق الخاص للفرد وبين الحق العام.