جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
غرقت في بحري الأحمر.. فلم أُجِد تعلم اللعبة والمشي على الجمر.. ولم يكن أمامي إلا الصبر على المر.. ومع ذلك غرقت في بحري الأحمر.. بحر الدم.. دون ذنب لي ولا حيلة لي في شيء إلا العدم.. كنت فقط أسعى لمعاشي طالباً الرزق.. أناضل أصارع أقاتل من أجل لقمة عيش كريمة.. ولكن لطمني قطار حديدي أصابهُ القـِدَم..
لطمة تلوا اللطمة.. واللطمات توجعني.. تكسرني وتهين إنسانيتي.. ومن بحري الأحمر انتقلت إلى صندوق خشبي.. ومنه إلى رحلتي الأخيرة في بحر أعمق.. وفي لحظاتي الأخيرة تمنيت أن يكون هناك صندوقاً آخر غير ذلك الصندوق الخشبي.. صندوقاً يقدم حلولاً إبداعية.. حلولاً خارج الصندوق.. وهي العبارة التي يتم تداولها بكثرة.. ولكن دون أن يتم العمل بها لتقديم حلول خارج الصندوق.. حلول تحميني من الغرق في بحري الأحمر، تمنحني طوق النجاة وحقي بالتمتع بنعم الله ورزقه الوافر الذي نبته في أرضه وكونه الواسع.. التمتع بمناظر البحر الأحمر، ومنتجعات الساحل الشمالي التي بنيت بعناية وبشياكة (خارج الصندوق) وتكلف معمارها وديكوراتها ملايين الملايين من الجنيهات..
واهتموا فقط بتشيد المباني بأطنان من الطوب والأسمنت والحديد.. لتتركز الاستثمارات في أيدي قلة قليلة تجيد لعبة التجارة وربح الأموال.. اهتموا بالبنية المادية وأهملوا البنية البشرية.. تكالبوا على تقسيم الكعكة فيما بينهم.. ونسوا الإنسانية البشرية.. نسوا تطلعاتي لحياة الحرية.. نسوا احتياجاتي ومتطلباتي المعيشية الضروية.. نسوا تأمين حياتي ضد الأخطار والكوارث والحوادث التي أصبحت تحدث بصفة يومية.. دون أن يكون هناك خطة مستقبلية.. أو تفكير مفجر للإبداعية.. أو أساليب علاجية تأتي من خارج الصندوقية..
ولعل قواعد اللعبة تكون اعقد من تصوري وتفوق فهمي وقدراتي العقلية.. ولعلي أكون عنصرا مشاركا من عناصر التقصير في بناء البنية البشرية وتكريم الإنسانية.. عنصرا مشاركا في التقصير في تدوير عجلة الإنتاج والعمل بجهدً وإخلاص نيه.. والإهمال في الحفاظ على النظافة والمرافق والممتلكات العامة واتعامل مع الآخرين بأدب وحنية.. فكل ما أفعله هو التذمر وإقحام نفسي في مطالب فئوية.. مما ينسب لي الاتهام بالأنانية.. وعدم الإكتراث بالمصلحة العامة والأعمال الاجتماعية..
ولكني أري أني لست وحدي الذي يمكن لومه على تمركز الأنانية.. فكل واحد منا يشارك في المسئولية.. ولكن يتحمل النصيب الأكبر منها من هو في رأس القائمة، ثم من يليه، ثم من يليه.. وهكذا.. أي نصيبي في المسئولية لا يقارن بالنسبة لنصيبهم.. ولذا تعتبر مسئوليتهم أكبر وأعمق وأشمل.. ومن حقي أن اطالب بمزيد من العدل في الأجر، وتحسين الخدمات والرعاية والحماية والتأمين من أي عوارض أو حوادث غدر.. من حقي المطالبة بحياة مريحة بعيدة عن المسببات التي ترميني داخل صندوقي الخشبي بدون عذر..
فرجاءً.. لا تشاركوا في بناء صندوقي الخشبي.. لا تهتموا فقط بصناديقكم.. صناديق الاستفتاء، صناديق الانتخابات.. صندوق النقد الدولي وما يفرضه من قيود وشروط شديدة القسوة على إمكاناتي المعيشية.. شروطاً تزيد من فقري وجهلي وسوء حالتي الصحية.. فلا اطلب سوى حياة خضراء طبيعية والتمتع بنسمات الرياح الشمالية..
المصدر: د. نهلة أحمد درويش -
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد