جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
كلما مر عام من حياتنا، نحاول تقييم ما فعلناه خلال العام المنصرم من أعمال وإنجازات.. ثم نقرر.. ونظل نقرر بأننا سنقوم بتصحيح شيء من مساراتنا واتجاهاتنا، عاقدين العزم على تبني بعض الأفعال الإيجابية وفقاً لأهداف نرغب أو نتمنى تحقيقها.. أو أننا قد نقرر التخلي عن بعض من عادتنا السلبية أو الأفعال الخاطئة التي أدركنا خطأها من خلال الخوض في تجربة ما، والتي من خلالها قد يتبين لنا مدى سذاجتنا، بل وغبائنا في كثير من الأحيان.. فقد يحالفنا التوفيق وننجح في تحقيق ما عقدنا العزم عليه.. وقد نفشل أو نتخاذل في تحقيقه نظراً لانشغالنا باهتمامات أخرى أو تعرضنا لعوارض تجبرنا على التخلي عن ما نحلم بتحقيقه..
عوارض وظروف أما أن تكون شخصية تتعلق بحياتنا الخاصة أو الأسرية.. أو تكون اجتماعية/ مجتمعية تتعلق بالأحداث المحيطة وسياسات المجتمع الخاصة بتنظيم خدمات الحياة ووضع القوانين وكفالة حقوق المواطنين في مختلف المجالات، وتحديد الأسعار لمعاملات العرض والطلب.. وغير ذلك من شئون المجتمع والدولة.
كل هذا وغيره مع مرور العقود والأعوام يتراكم في أرشيف الذكريات، سواء في أرشيف ذاكرتنا العقلية أو في أرشيف ذاكرة التاريخ.. بعضً من هذه الذكريات يترك تأثير عظيم في داخلنا، ندبة عميقة أو صدى عميق يتكون في داخلنا مع تسلسل الأحداث الجلل.. وتتراكم الندبات مع تتابع الأحداث.. كتلك التي حدثت عندما:
ظهرت السيدة/ وفاء – والدة الشهيد/ محمد مصطفى – في بعض البرامج الحوارية، تتحدث عن وجيعتها وحرقتها لفقدها فلذة كبدها، شاب في زهرة شبابه، طالب بكلية الهندسة يبني مستقبله ويحلم بحياة أفضل كغيره من الشباب.. عندما شهدت السيدة الفاضلة/ وفاء أردت أن أرفع لها القبعة احتراماً وتقديراً على صمودها ووعيها ومثابراتها في المطالبة بحق أبنها الذي سقط شهيداً خلال اشتباكات وقعت أمام مجلس الوزراء.. سيدة قوية العزم تستمر في المناضلة رغم وشاح الحزن والآسي الذي يكسوا وجهها.. وتضاف تجربتها إلى أرشيف ذكريتها الخاصة بها، التي تظل تؤرقها وتبني معظم تصرفاتها على أساسها.
وكما أضيفت هذه التجربة إلى الأرشيف الخاص بذاكرة السيدة/ وفاء، فلقد أضيفت أيضاً إلى أرشيف ذاكرتنا، وأرشيف ذاكرة التاريخ.. مثلها مثل كثير من التجارب، التي من أبرزها: الشهيد خالد سعيد، الشهيد عماد عفت، الصحفي الشهيد الحسيني أبو ضيف.. وغيرها من التجارب التي تزيد من حجم أرشيف الذكريات المحزنة والموجعة..
ويتراكم أرشيف الذكريات الموجعة ويتضخم حجمه بصفة خاصة بعد وقوع كارثة حادث قطار الصعيد التي راح ضحيتها أكثر من 50 طفل، أرواح بريئة فقدتهم أسرهم بسبب الأهمال وعدم الاهتمام بإجراء دوريات الصيانة اللازمة، وعدم الاهتمام بالمتابعة أو الشكاوى المقدمة للإبلاغ عن وجود مشكلة معينة.. وكذلك بسبب استمرار تتابع مسلسل إللقاء المسئولية على الآخر.. والنتيجة خسائر بشرية وأوجاع قلبية وجروح وجدانية تضاف إلى ذاكرة التاريخ..
هناك أيضاً ذكريات أرشيفية إيجابية مشرقة تضاف إلى ذاكرتنا وذاكرة التاريخ، من أهما وأبرزها: مركز الدكتور مجدي يعقوب لعلاج مرضى القلب، وما يقدمه من خدمات جليلة للبشرية، وخاصة للمرضى الفقراء ممن لا يملكون القدرة المالية على تحمل نفقات العمليات الجراحية بالقلب باهظة الثمن.
هناك أيضاً مؤسسة أحمد زويل للمعرفة والتنمية وإنشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا التي تمثل نقلة حضارية وعلمية جديدة.. يمكن أن تدخل مصر والعالم العربي إلى أفاق غير مسبوقة، تعود بالنفع على البشرية بصفة عامة وربما على فئات تحتاج كثير من الدعم بصفة خاصة، سواء على المستوى التعليمي أو البحث العلمي أو التوصل لاكتشافات جديدة في علاج الأمراض.. وخاصة الأمراض المزمنة المنتشرة، كأمراض الكبد والكلى، ومرض السكري، ومرض السرطان، وأمراض الشيخوخة.. وغيرها من الأمراض التي تؤثر تأثيراً سلبياً على آليات التنمية البشرية في المجتمع وتعرقلها.. فمن المؤكد أن الصحة والمعرفة العلمية يعتبرا من أخطر القوى الداعمة لتقدم المجتمع.
أيضاً هناك مركز ساقية الصاوي الذي يعتبر من أهم المراكز الثقافية في مصر انتشاراً، يرعى ويقدم كثير من المواهب والأنشطة الثقافية المختلفة؛ ندوات علمية وثقافية، مناقشات وأطروحات فكرية، حفلات غنائية وموسيقية، عروض فنية وتشكيلية، وغيرها من الأنشطة والأعمال الفنية الثقافية.. فساقية الصاوي تعتبر بحق صرح ثقافي مميز يضيف عنصر مشرف ومضيئ لأرشيف الذكريات الفردية والمجتمعية والتاريخية..
عنصر آخر مبهر أعتقد أنه يستحق أن يضاف لأرشيف الذكريات.. وهو خطبة الشيخ د/ محمد العريفي عن فضائل مصر، حيث أفصح وابلغ الوصف ببراعة، ملقياً خطابه بنبرة إلقائية مبهرة ومعبرة.. واحسب أنه لم يسبقه أحد في الإشارة إلى تاريخ فضائل مصر ومميزاتها، معدداً الأنبياء الذين وطئوا أرضها، وأبرز شخصياتها – رجالاً ونساءً - وعلماؤها ومفكريها.. مستعرضاً بمهارة سمات وطبيعة روح الشعب المصري من زمن الفراعنة مروراً بزمن الصحابة وغيرها من الأزمنة. وحتى أقباط مصر لم يغفل فضيلته الإشارة إليهم وإلى حسن طباعهم والتوصية بطيب معاملتهم..
وعلى ذكر أقباط مصر، فأرى أنه من الإضافات الجميلة لأرشيف الذكريات، تزايد اقبال المسلمين على التقدم بمعايدة الأقباط بصورة ملحوظة، وكأنه سلوك ينتفض ليقول "نحن كيانً واحد ونعيش ضمن مجتمع واحد".. مع تذكرنا الآية الكريمة "لكم دينكم ولي دين"..
365 يوم من أرشيف ذكرياتنا، لا يهم إذا كانت 365 يوم من عام 2012 أو عام 2011 أو أي أعوام سابقة عليه.. المهم أن الأحداث التي تقع خلالها تظل تضاف إلى ذاكرتنا وإلى ذاكرة التاريخ.. ونأمل أن الأحداث في العام الجديد تكون إضافات إيجابية إلى ذاكرة التاريخ، دون أن يكون هناك شروخ وجدانية أو انقسامات طائفية أو تأخر في الأوضاع التنموية والتقدمية..
المصدر: د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد