جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
في مجموعة الشاعر اللبناني باسكال عساف الشعرية "اوبرا الوجع" يبقى الصوت الاعلى هو صوت الاسى الحاد وصوت الضجر وذلك في سوداوية ترافق القارىء في صور ومجازات متتابعة عبر قصائد طويلة.
اما الحديث عن القصائد الطويلة فهو اشارة الى ان كثيرا من
محتويات هذه القصائد يعتبر امتدادا لما يشبه الحالة الواحدة والتي كان من الممكن ان تأتي اقصر من ذلك كي لا يتحول كثير منها الى تكرار الحال الواحدة او ما يشبهها.
قصائد عساف في مجموعته هذه تغص بالمجازي والرمزي الذي وإن اتى في صور شعرية غير عادية يذكرنا بما كان قيل قديما في البديع عن المحسنات اللفظية والمعنوية من ان قليلها جيد كقليل الملح في الطعام وان كثيرها قد يفسد "الطبخة".
في "اوبرا الوجع" -على تشابه موضوعاتها وغرقها في اجواء محددة - كثير من الشعر الذي يحدث هزة في النفس من خلال صوره وإيقاعاته الموسيقية.
جاءت المجموعة في 178 صفحة متوسطة القطع وبلوحة غلاف للفنانة بسمة نمري. وقد صدرت عن (دار نلسن - السويد - لبنان).
في القصيدة الاولى وعنوانها "مقبرة رجل سابق" يرسم الشاعر لنا عالما كأنه خارج من حريق. القصيدة تحفل بالصور والمجازات والرموز الغريبة. والقصيدة ترسم زوايا مختلفة من عالم يصوره الشاعر. الا انه يفاجئك في السطر الاول بصورة مقيتة عن هذا العالم الذي يتحدث عنه.
يقول: "الطريق لسان بقرة نافقة/ الاشجار ساكنة الاغصان/ ضجرة/
سيارات مركونة في الظلال/ ككلاب مريضة/ ارى امرأة تمشي متعثرة
بخجلها/ تبحث عن زاوية في جفن صخرة/ رجل يتبعها/ يشم الارض/ جبل
وحيد انتصب عند الرأس/ الدروب دماء جفت.. تخثرت.. تعودت/ والمنازل
خناجر في الخاصرة/ بانت منها مقابضها المرصعة بالضوء.
"سقط الوقت على الارض/ وتنهد/ "عدت يا خريف/ كم اخجل من عريي/
والبشر يتدثرون بالكذب/ مل الانبياء الانتظار/ في الكواليس/ لن
يكتمل الحضور/ ارفعوا الستارة"."
ويتابع في عملية تصوير ناجحة وموحية فيقول "المنزل على معصم
النهر يشعل غليونه/ وينفثه بحقد صوب السماء/ آثام بني الانسان
خفيفة/ تعلو/ تتكور تتمازج/ ترقص على وقع سر التوبة/ هو سحاب آخر/
يمطر نسيانا قرمزيا/ وحده الغباء/ صابون القلوب."
ويختم هذا القسم بصورة عن الحب وما يتغذى به فيقول "والحب دحرج
باب القبر/ وقام في البعد الثالث/ متثائبا متضورا نهما/ "هاتوا ما
سقط من الموائد كلها/ لنصنع وليمة نسميها الحياة."
وفي قصيدة "لا تمت البارحة" تتتابع الصور الغريبة في مزيج من
المجردات والرموز والتعبير الواقعي. يقول" يصفعونه على خديه/
القصاص يجلس على حجر/ عاقد الذراعين/ استيقظ ايها الرجل/ في بطنك
غرقت سفينة/ دع عنك الموت/ غن للريح/ للعواصف/ لدموع اغفاءة/ على
خشبة مسرح/ اعطني يدك الباردة/ اصنع من الخواء نارا/ وانثر الرماد
في عيون القدر/ قف/ اتكيء على موجة/ ثم ارشدها بمكر/ الى صخور
ضجرة."
في قصيدة "جمجمة فوق جمجمة" يقول في صورة جميلة "عند جسر
الجنون/ جسر مقطع الاوصال/ ما زال ينتظر القطار/ المسافرون في
المحطات/ يتعارفون/ يتبادلون ارقام الهواتف/ يتعاركون/ ثم فجأة/
يتذكرون انهم مجرد اوراق شجر/ سقطت/ والخريف في الذاكرة/ يعتذر مرة
جديدة/ عن التأخير."
في "رباعية الوجع -1" يقول الشاعر "اهذا صوتي؟ لم اعرفه/ سقط
سكين اخر عن الرقبة من دون وداع/ اهذه دموع؟/ جسدي سفينة/ والطوفان
في الحلق/ الذبيحة ماضيك."
وفي "رباعية الوجع -2" يقول باسكال عساف "ما لي امشي ولا اصل؟/
قال لي:/ كنت هنا في الامس/ التفت الى الوراء/ ارى مستقبلي/ عالقا
في مرآة/ اكسرها/ ينزف صدري/ وتتشظى عيون الخوف.
"لم اعد اجد اصدقائي/ في زجاجات الخمر الفارغة/ انا حبة مطر/
ولا احد يشبهني/ ليتني ولدت ساحرا/ لوضعت العالم في جيبي/ طقطقت
اصابعي/ واخرجت اجمل امرأة/ من ذاكرتي/ لكنني اهوى/ النوم على
طاولة القمار/ اراهن على النسيان/ وفي الصباح/ اكتشف ان الارق/
ربح كل وقتي."
المصدر: رويترز –
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد