جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
كنت عائداً من عند صديق لي في الجنوب إلى بيتي الواقع في الشمال وفي منتصف الطريق كان الحاجز مضيء الشارع، استوقفنا أحد أفراد الشرطة وكان سلاحه طوله طلب ممن في السيارة النزول لخارجها، نزل الأول والثاني ثم طلب مني النزول.
كنت مستغرباً لهذا التفتيش فقلت له أنا؟ فأجابني: "أيوة أنتا" فقلت له متسائلاً: "ليه شو في طيب" رفع صوته وقال" "انزل بس انزل أنتا" وخلالها كان يقف احد الرفاق خلفه ولوح لي بغمزة استعاضة عن "مشي معاه وانزل" نزلت وكان يريد تفتيشي، فتش جيوب بنطالي وقال أخرج لي ما بداخلها، قلت له ليدن وفلاش ماذا تريد وشو رأيك أن اقلع عارياً!
استفز الشرطي وطلب من زميله تفتيشي بدقة، مع أنه كان بحوزتي حقيبة كان بداخلها حاسوبي ولم يفتشها! جاء زميله وكان رفاقي كلهم ملتحين إلا أنا فقال هذه الوجوه تبدو سمحة لا عليك دعهم يمروا، بعد أن سألني هل تدخن؟ ركبنا في السيارة فقال أحدهم لماذا لم تمشي معه يا رجل؟ بينما قال الآخر معلش هذا مشان يمنعوا التهريب اللي بصير داخل البلد، أما الآخر فقال شو بدنا نعمل ما باليد حيلة!
سألتهم ألم تشعروا بالإهانة لتفتيشكم؟ وإن كانوا يريدون التفتيش حقاً فلماذا لم يفتشوا حقيبتي؟ ألم يخطر في بالهم أني خبئت المخدرات بداخل حذاءي أو في جيبتي الخلفية أو في قميصي أو وكثير من الاحتمالات! وسألتهم كذلك إذا كان معي مخدرات أو حشيش أو ترمال فعلاً هل أنا غبي إلى هذه الدرجة لأضعه في جيبتي وأُسلم له ذقني تعلالي يا كابتن سنفرلي إياها!
ثم تعالوا لنتساءل سوياً مَن الذي يسيطر على الأنفاق ولماذا يستمر التهريب رغم التفتيش؟ وماذا عن التجار الذين منهم وفيهم!هذه الحادثة التي صارت معي وسط ازدياد حالات الانتحار وأوضاع البلد المأساوية جعلتني أروح بعيداً بإجابات رفقائي الاستسلامية التي جعلت من الحاكم أكثر تكريسا للسطحية والقمعية التي اكتسبها منا.
ثم أليس من الأولى بأن يبحثوا عن سبب انتشار هذه المخدرات وغيرها من الظواهر المنتشرة في البلاد؟ يبدو أن صوت المواطن وشعوره لا يهم الحاكم مطلقاً رغم أن البعض لا صوت له أصلاً! أليس قبل أن يبحثوا عن الصحفيين والكُتّاب الذين ينتهكون عرض الحكومة وقدسيتها! الأحق أن تبحثوا عن سبب رفع صوتهم عليكم؟
إن المواطن لا يرتضي أن يكون لقمة سائغة تروح في مهب الرياح، وإذا رضيتم بأن تفتشوا الوزراء والمدراء وأبناء السلطة وأبناء الحركة وأبناء المقاومة وكل من له سلطة فتعالوا حينها وفتشونا نحن الغلابة الذين لا سلطة لنا!
لماذا الكل يتأفف والكل يصرخ و يئن؟ ولماذا الشوارع صامتة واللعنة تحل على من لا حول ولا واسطة له! لماذا لا يفتشوا عن كتل الفساد المتفشية داخل الحكومة والوزارات والمستشفيات والمؤسسات والشركات التابعة للنظام الحاكم.
أليس من الأولى بهم بأن يفتشوا العمارات التي لعلعت في العلالي في أيام عدة، وعن السيارات والجيبات التي صارت لأناس معينة سواء كانت مرخصة أو غير أيضاً، بدلا من هدم بيوت لأناس لافتتاح كورنيش أو مخالفة سائق لأنه اصطف في مكان غير ملائم!
صحيح أن القانون لا يحمي المغفلين لكن ماذا إن كان هناك قانون اللاقانون وفوضى اللافوضى ومزاجية القوننة والتلاعب بالقانون كون السلطة الأقوى سلاح مجير ضد من لا سلطة ولا واسطة له فقط!
المصدر: الكاتب الفلسطينى سيف سليم
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد