جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
جرى العرف القانوني على الإسراع في البت في القضايا ذات الطابع العام ، والتي يترتب على الحكم فيها ، إيجابا أو سلبا ، نتائج لها أهميتها في حياة الشعب . ولكننا نجيد التأني والتمهل والتروي ، وإبداع آليات تقطيع الوقت ، فتنظر جهة تقاض في الموضوع شهورا ، تأجيلا بعد تأجيل ، ثم تحيله إلى أخرى وقد تضخم ملف القضية ، بما يستدعي شهورا أخرى ، ربما يعاد بعدها إلى الجهة الأولى لعدم الاختصاص . وهكذا الأمر في موضوع التأسيسية لصياغة الدستور . وجرى العرف القانوني على أن التخاصم القضائي حول موضوع ما يوقف أية إجراءات من شأنها تغيير شيء من أوضاعه التي له على أرض الواقع حتى يتم الفصل به . ولكننا ، أيضا في مصر ، عباقرة في تجاوز القانون وأعراف التقاضي ، بل نتقن في إبداع آليات تغيير ملامح موضوع التقاضي على الأرض ، حتى إذا ما صدر الحكم لم يجد موضوعه أصلا ، وأيضا هكذا الأمر في موضوع التأسيسية لصياغة الدستور . في مصر يحدث هذا وذاك .. وفي ظل البطء القضائي هذا ، تسابق اللجنة التأسيسية الزمن لوضع الدستور للوصول إلى الاستفتاء عليه قبل الحكم بشأن شرعيتها من عدمها . وكأننا لسنا إزاء دستور دائم لبلد ديمقراطي تداول السلطة فيه أصل ، وإنما إزاء صراع سياسي تراعى فيه الأغلبية ، ويراعى توفير مواد استمرارها في الحكم دستوريا ، ويراعى جمع كل السلطات والصلاحيات في يد ممثلها . أما الإجماع الذي قامت عليه كل دساتير العالم فهو بالنسبة لجماعة الحكم الشيطان الأكبر ولا يتبعه إلا المبطلون الذين في قلوبهم مرض وفي عقولهم زيغ . وأحد على وجه البسيطة لا يستطيع إقناعهم أن السياسة بالأغلبية وأن الدستور بالإجماع ، وأن أي زعم بتطابق الاثنين هو محض دجل ديمقراطي تتوسل به كل الديكتاتوريات .. فكيف سيقتنعون بعكس مشروعهم وضد استراتيجية تنفيذ هذا المشروع !! والحقيقة أننا أمام بدايات تشكل لنظام سياسي مسيخ يؤسسه الدستور المنتظر . وكما أمكن لتقطيع الوقت إفلات التأسيسية من الحل ، سيمكن لدستورها أن يعبر من مأزق الاستفتاء باعتماد الديماجوجية الدينية لترويجه بين البسطاء والأميين . ويحسبون واهمين أنهم بإقرار الدستور المنتظر قد تمكنوا في مواضعهم من السلطة في مصر رأسا ومفاصل إلى أبد الآبدين ، والأمر على العكس ، فإنما يفتحون باب الفوضى على مصراعيه ، فمن أنجزوا تغيير نظام مبارك ، لن يرضوا بنظام أسوأ منه ، وستبدأ الاحتجاجات ولن ينهيها القمع ولا العنف مهما توسل بالقانون ، فباي عقل يفكر هؤلاء !! وأبدا هم ليسوا أغبياء ، وإنما يفكرون بمبدأ "هذا أو الطوفان" ، ولا يهمهم – كالمغامرين الكبار – ماذا سيخسر الوطن ، فليس لهم أدنى تصور عن مفهوم للوطن ، ولا ماذا سيصيب الشعب ، فإنهم لا يرون سواهم جديرين بهذه الكلمة ، إذ إن مبادئهم وطنهم ووحدهم شعب هذا الوطن / المبادئ . إن مصر – وللمرة الأولى – على مفترق طرق ، إما أن تكون وتتطهر من كل هؤلاء وأدرانهم الفكرية ، أو أن تذهب إلى المجهول .
المصدر: دكتور محمد فكرى الجزار
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد