جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
عندنا في اللغة العربية تركيب يسمى البناء للمجهول وهو جملة فعلية يبنى فعلها للمجهول ويحذف الفاعل ويقوم المفعول به مقامه ويسمى نائب فاعل، ويرى البلاغيون أن الفاعل يحذف لأغراض متعددة أهمها شدة العلم بالفاعل أو الجهل به أو احتقار ذكره.
وعندنا في المشهد السياسي نستخدم كثيرا من عبارات البناء للمجهول فنقول: سوف تحل أزمة الخبز.. سوف تزال كل أكوام القمامة.. سيقضى على الفساد.. ستحل أزمة البنزين والسولار.. لابد أن يطهر القضاء.. لابد أن يحترم القانون..
ومثل هذه العبارات قد يستخدمها السياسيون وقد يستخدمها الإعلاميون.. ولكن هل يحذف الفاعل هنا للعلم به أو للجهل به أم ماذا؟!!
المشكلة الحقيقية أننا لا نريد أن نفعل شيئا بأنفسنا ولا نريد أن نتعب أنفسنا في شىء .. مع أننا جربنا فى الثورة أننا إذا أردنا شيئا حققناه.. وشاعرنا العربي يقول:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
المهم أن تكون عند الشعب إرادة حقيقية في أن يحقق لنفسه ما يريد..
فإذا كان الشعب يريد القضاء على الفساد فليقض عليه بنفسه ويستأصله من جذوره ويقتلعه من كل مؤسسة ومن كل مكان يتواجد فيه.. إرادة الشعب هى الحل..
إذا أردنا أن نحل أزمة فلنحلها بأنفسنا أولا ونضرب بيد من حديد على يد صانعي هذه الأزمات..
إذا أردنا أن يطهر القضاء من المرتشين والفاسدين فلابد أن يقف الشعب وقفة رجل واحد ضد من انضم يوما إلى سلك القضاء برشوة أو محسوبية ..أو باع ضميره بجاه أو سلطان أو منصب..
إذا أردنا أن يحترم القانون فلنأت أولا بقانون عادل لا القوانين التى صنعها الفاسدون ..
أذكر يوما أن مسئولا كبيرا في حديث خاص قال إنه سيفعل أمرا معينا .. فقال له أحد الحاضرين ولكن هذا الأمر يخالف القانون.. فقال: يا بنى نحن الذين نصنع القوانين وإن شئنا طبقناها وإن شئنا لم نطبقها..إحنا بتوع القانون..
واضح تماما من خلال رصد بعض الأحداث الأخيرة أن الفساد ما زال قويا وما زال متشبثا بأماكنه .. ومحميا ببعض القوانين الفاسدة التي صنعوها لأنفسهم في يوم من الأيام..
وبالتالي فليس أمامنا إلا إرادتنا في التطهير وقوتنا في الحق.. وحرصنا على مصلحة الوطن التى ينبغي أن تكون فوق الجميع.. فالحق فوق الجميع .. والأمة فوق القوانين الفاسدة..
ليس معنى كلامي أنني أدعو إلى الفوضى ولكن أدعو إلى تواصل إرادة الإصلاح والتغيير حتى تتطهر بلادنا من الفساد والفاسدين.. وحتى نقضى على العابثين بالوطن..
إن كل يوم يمر بنا تنكشف أمامنا حقائق مذهلة ويسقط في فخ المصالح الشخصية أناس كثيرون..
فنحن نرى أمامنا من يغلب مصلحته على مصلحة وطنه..
ونرى من يزعم أنه يحافظ على استقلال القضاء وهيبته ولذلك لن يتخلى عن منصبه وهو الذى ضيع من قبل هيبة القضاء..
ونرى من يملأ الدنيا صراخا وعويلا على ضياع هوية البلد وهو شيطاني الهوى..
ونرى اليوم كل من هب ودب يريد أن ينشئ حزبا أو جبهة أو ائتلافا وعما قريب ستدخل مصر موسوعة جينيس العالمية بعدد الأحزاب فيها... فهذا حزب مصر القوية.. وهذا حزب مصر الفتية.. وهذا حزب مصر العظيمة.. وهذا حزب مصر الجميلة .. ومصر والله حزينة على تفتت أبنائها وتفرقهم شيعا .. وهذا ما يريده أعداؤنا..
هل تملك كل الأحزاب الناشئة برامج حزبية متباينة إلى هذا الحد..
ما البرنامج الحزبي الذى سيقدمه السيد عمرو خالد ويختلف مثلا عن حزب الحرية والعدالة ؟! وما الذى سيقدمه السيد حازم صلاح في حزبه وسيختلف عن حزب آخر.. إنها وجوه مختلفة وليست أحزاب مختلفة لأنه لا أحد يريد مصلحة البلد إنما الكل يبحث عن نصيب في الكعكة ..
عندما قامت الثورة كان المعارضون السابقون يتوقعون أن يكون لهم دور ملموس في صنع القرار بالبلد وكان كل محروم في عهد النظام السابق يمنى نفسه بشىء.. فلما رأى الفرصة قد فاتته وضعف أمله فى أى منصب بدأ ينقلب .. لا يهمه مصلحة البلد ولا يهمه أن البلد قد أصبحت تسير على الطريق الصحيح.. ربما تكون الخطى بطيئة ولكن لا ننسى أن الفساد كان كما يقولون (للركب)
تخرج أصوات من هنا وهناك تريد أن تحاسب الرئيس على مائة يوم فاتت وقد صبر الناس على مبارك في الحكم أكثر من عشرة آلاف يوم .. ليس معنى ذلك ألا يحاسب الرئيس أبدا ولكن الصبر .. نحن نقيم طلابنا في المدارس والجامعات في نهاية العام مع وجود تقييمات شهرية ولكننا لا نجعلها نهاية المطاف هى مؤشرات قد تتغير ..
إننا نلمس أن الرئيس فاعل حقيقي لمصلحة البلد.. ومصر تحتاج إلى فاعلين حقيقيين يبنون ويعمرون .. ويبقى أن يكون الشعب أيضا فاعلا حقيقيا ..
المصدر: الدكتور/ محمد محمود القاضي
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد