جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
انتابني الذهول والدهشة.. أصيبت أطرافي بالرعشة.. زهيمر هو أم فقدان ذاكرة وحالة بشعة.. حالة من التوهان والتشتت.. أقوال، فتاوي، آراء، رؤى.. هذا يندد وهذا يهدد.. هذا يدافع وهذا يعارض.. وعود وعهود.. خطب لرسم الآمال والإشادة بالأعمال.. وفي النهاية نصاب بخيبة الآمال..
بالأمس كان هذا الشخص زعيم وقائد مميز وفريد، صاحب أعمال وإنجازات يشاد بها من قريب ومن بعيد.. واليوم نفس الشخص بات يوصف على أنه لص رعديد.. ويدرج أسمه ضمن صفوف المدانين المخالفين لكثير من القواعد والقوانين..
بالأمس كان نجم من نجوم برامج المحادثة التليفزيونية، ثم بعد عدة أيام ينشر عن نفس الشخص أخبار عن تورطه في بعض قضايا الفساد والرشوة.. وفي نفس الوقت نجد من تم تجريمة وإدانته بتهم مشينة، نتج عنها كثير من الضرر الإنساني والمجتمعي.. يصبح بين عشية وضحاها من الأبرياء الشرفاء..
حقيقي أنه أمر يصيب بالدهشة والعجب.. هل الخطأ مني بسبب تسرعي في إصدار الأحكام على الشخصيات العامة الهامة.. ثم يتضح لي بعد ذلك أنها أحكام خاطئة عبارة عن ضرب من ضروب الأوهام.. فعلاً تهت وضاعت مني معالم الخريطة.. لم أعد استطع الإهتداء للطريق، من أصدق.. بمن أؤمن واقتدي..
ازدواجية وتشتت وتعارض في القرارات والتوجهات.. لجان تقصي حقائق في: موقعة الجمل، أحداث البالون والتحرير، مذبحة بورسعيد، أحداث سيناء الأخيرة، الخ.. قضية التمويل الأجنبي ومغادرة المتهمين فيها فجأة، وإنهاء الأزمة دون مبرر أو سبب مقنع.. قضية الأموال المنهوبة والكسب غير المشروع.. حوادث تقع وحرائق تندلع ودائماً الفاعل مجهول..
وكما كان الفاعل مجهول في وقائع وأحداث كثيرة، فقد كان الفاعل مستتراً في ملحمة النصر في حرب السادس من أكتوبر.. فلأول مرة يتم التنويه عن أسماء أبطال قاموا بأدوار رئيسية في إنجاح هذه الملحمة.. هذه الملحمة التى يجب توثيقها وتأريخها بالصورة اللائقة بها.. حيث يعتبر من المناحي الكارثية التلاعب في سرد الأحداث التاريخية وأخفاء بعضاً منها.. فمهما طالت الأيام ستظهر الحقائق يوماً ما وتكتمل المكاشفة بفضل أشخاص تحترم الحفاظ على الثقافة التاريخية لتطور المجتمع.. حتى لا نصاب بالتوهان وتضيع منا معالم الخريطة..
ويبدوا أننا أصبنا بالتوهان عند متابعة القضايا الدستورية المثيرة للجدل، وخاصة فيما يتعلق بقضية المرأة.. وكأن المرأة شيء مستحدث، او كائن يعاد اكتشافه ويحتاج لتقنين أوضاعه.. رغم أن الحقيقة الساطعة تشير إلى أهمية وجود دور المرأة في مجالات عديدة في المجتمع وفي عملية تطوره وإنماءه.. والدليل أنه يوجد نماذج نسائية كثيرة مشرفة تم تكريمها على المستوى المحلي والعالمي.. نماذج تدل على أن المرأة لها عقل يجب احترامه.. وهناك نماذج أخرى تجسد قصصاً واقعية من التضحية والكفاح، حالات تحتاج للدعم والرحمة والرأفة بظروفها المعيشية. فالمرأة المصرية تواجهة الكثير من الضغوط بسبب الأوضاع الاقتصادية ضعيفة الموارد وخاصة بالنسبة لفئات معينة.. فكم اتمنى أن تصبح توصية رسولنا الكريم (ص) منهاجاً في التعامل مع المرأة.. وهي المقولة الشهيرة "رفقاً بالقوارير"، حيث شبه رسولنا (ص) النساء بالقوارير، أي كالزجاج الذي يجب التعامل معه بكثير من العناية والرقة خشية تعرضه للخدش أو للكسر..
كم اتمنى أن يتم صناعة فيلم وثائقي بجميع اللغات يوضح كيف كان رسولنا الكريم (ص) يعامل زوجاته.. يشرح بأسلوب عقلاني زواجه بتسع من النساء.. وليس هذا بدفاعاً عن رسولنا الكريم (ص)، فهو الصادق الأمين ومنزلته تسموا عن أي دفاع.. ولكن ليكون فيلماً توضيحاً لمكانة المرأة في الإسلام، وكم الحقوق التي تم إقرارها ومنحها للمرأة.. ليسرد القصص والأدوار التي قامت بها المرأة خلال مرحلة الجهاد لنشر الإسلام وما بعدها.. وليكون فيلماً يدحض كل الأقاويل والصور التي تتناولها وسائل الإعلام الأجنبية سواء في الأفلام أو الأدبيات المختلفة.. فهناك مشاهد تثير الاشمئزاز في بعض الأفلام.. حيث تشير إلى مدى كره العرب لإنجاب البنات، وتبرز كيف أن المرأة العربية تنتهك حقوقها ولا تمنح إنسانيتها وحريتها بشكل عادل. هذا بالإضافة إلى نقدها لفكرة تعدد الزوجات.. رغم أن هذه الثقافة "الأجنية" تعج بكثير من المتناقضات والمشاكل الخاصة بعلاقة الرجل بالمرأة.
وهنا نصل إلى قضية الأفلام الأجنبية التي تسيء لصورة العرب بوجهة عام، حتى لو كانت تصنف على أنها أفلاماً كوميدية.. فغالباً ما يرسم صورة للعرب على أنهم نموذج مضحك من الغباء والتخلف.. وهذا مخالف للواقع، ومخالف للتوجه الأمريكي الذي ينصب على جذب عقول العلماء من مختلف أنحاء العالم.. نحن فعلاً في حاجة إلى إنتاج ثقافي إعلامي يوضح معالم الخريطة في هذه القضية بالغة الخطورة.
تهت وضاعت مني معالم الخريطة، فكيف لا نسطيع تفعيل مفهوم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي.. وهو مفهوم متأصل وأصيل في تعاليمنا الدينية.. تعاليمنا التي تحث على اتقان العمل وإخلاص النية. تعاليمنا التي أوصت بالإيمان بكتبه ورسله، ولا نفرق بين أحد من رسله.. ونحترم الأديان بثقافتها المختلفة.
لقد ربط العالم الألماني "ماكس فيبر" قيم الديانة البروتستنانتية بتطور القيم الرأسمالية.. حيث رأى أن قيم هذه الديانة تحث على الكد في العمل والإخلاص في الأداء ولهذا تطور النظام الرأسمالي بكافة آلياته.. والسؤال هنا هل نحن لم نفلح في الالتزام الصادق بتعاليمنا الدينية التي حثتنا على العمل وتعمير الأرض وتعميم الخير من أجل الصالح العام وليس الصالح الشخصي.. إلا يحق لي القول أنه قد ضاعت مني معالم الخريطة.
ولكن؛ سأظل أحاول اتفقد الطريق واستقرأ المعالم بعقلانية فكري لعلى أهتدي.. وكيف لا أهتدي وبيدي قرآني وبسنة نبي (ص) أقتدي..
المصدر: د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد