منذ قراءتي لذاك الخبر المقزز الذي ظل عالقاً بذاكرتي لخيبتي وذهولي به، وذلك عندما قام رجل أعمال عربي بدفع 30 ألف دولار أميركي لشراء قطعة من الملابس الداخلية للاعبة التنس السابقة الروسية آنا كورنيكوفا بعد عرضها للبيع بثمن رمزي، وتبين بعد ذلك أن القطعة تساوي 13 دولار فقط في السوق.
هذا الثري العربي المفكر يعكس مستوي ثقافة موجودة وسط العرب وإن كانت جزئية، فللجميلات نصيب مما اكتسب المفكرون! وما بين شهوة وشهوة يختلط الأمر، حيث إن ما يجرى في البلاد العربية من افتتاحيات ومسابقات بين الدول لأكبر الصواني وألذها تنوعت ما بين الفلافل والأرز والملوخية واللحوم والشحوم.
لا زلنا ننظر لجسم الجميلات لنفصلهن تفصيلا! ونتفنن في اقتناء الأطعمة لتوسيع الكروش المفخخة بما لذ وطاب، ونعرف أنه ما بين الجوع والشبع أكلة، أكلة ربما تباع وربما تشتري وربما يجلبها الحر من عرقه.
خلال متابعتي لسقوط فيليكس الرجل النمساوي الذي قفز من حافة الفضاء متجاوزا سرعة الصوت انتابني سؤالا ، فتسألت هل سقط حقاً وماذا يعني سقوطه؟ هو قفز فعلا من قفزته الرائعة التي حقق بها رقما قياسا وتاريخيا بتحطيمه القواعد الفيزيائية وكسره لحاجز الصوت، وما بين سقوط وسقوط فصل يفصلهما! وما بين ربيع وخريف أوقات تفرقهما عقارب الساعة.
كانت بدايات السقوط في أواخر عام 2010 لدي العرب عندما أشعل البوعزيزي شرارة الثورات، بينما سقط فيليكس في أواخر عام 2012 وما بينهما كان عامين أو أقل بقليل، سقط بن علي ومبارك ولحقه القذافي واشتعلت اليمن والبحرين وسوريا وصار الوطن العربي موقدا على جمار التغيير من جهة وإصرار البقاء من نافذة أخري، وقفز فيليكس ليسقط نيوتن وتفاحته في ثورة لم يشعل فيها بارود ولم يشتهي فيها دماء.
وما بين شهوة حاكم عربي متزمت بكرسيه ومواطن تائه بلا حقوق، محتل يدعمهما بالأسلحة والأموال كي لا يموتوا فجأةً في وحل الظلام! كان المواطن بحاجة إلى مَن ينقذه من حتفه، وكان الحاكم بحاجة لكرسي مليء بالمجوهرات والحلي، وما بين كرسي وحياة كان يصدر الغرب لأولئك المساكين صدقة يشفق بها على حالتهم المزرية.
هو ربيع اللا ربيع عندما أقفز فيلكس ربيع العرب من سماءه في خريف يعرف إلى أين ستروح القفزات! هل كان الربيع في إجازة؟ أم أن العرب وهموا في الربيع فخدعوا في التخاريف قبل ما يأتيهم الخريف، مسقطاً كل الأحلام التي غرست في ليلة قاتمة ممتلئة بألوان الدماء التي لا زالت تنزف في بقعة أرض غير قابلة للمرونة، لشيطنة الحكام ودمويتهم.
في المؤخرة تبين أن الشعوب تستطيع أن تفعل ما لا يفعل، لكن اللعبة أكبر من أن يسير تائه في دهليز مغلق لا منفذ له، إلا عبر نافذة القوة في التوحد لكسر هذا الحاجز المغلق.
رأينا تلك الصورة الجمالية الرائعة عندما خرج المسيحي والعلماني والإسلامي والشيوعي في طابور واحد من أجل إحقاق الثورات وتحقيق مطالبهم، لكن الأيدي الخارجية وبعض المرتشين حاولوا العبث بدورهم في الحيلولة دون الوصول إلى أهداف الشعوب الثائرة على الظلم والاستبداد، إن الوصول إلى الثورة بحد ذاته هو إنجاز، لكن أن يتسلق الثورة بضعة جوعى تحكهم كروشهم ككلاب جرب وجيوبهم كمستولين محتالين، هنا أليس لا بد للثورات أن تستعيد نشوتها؟!
الغرب يتكلمون قليلا في خطاباتهم لشعوبهم، يبدلون الكراسي بين حين وحين، ربما في سياستهم الخبيثة يتمادون لكنهم بالفعل يفكرون ويخططون والمخطط في استثماراتهم العرب الضحية من يكون! لدينا مواد خام وموارد طبيعية ولكننا نفضل الأيدي الخارجية وندعهم في مالنا يعبثون! وفي النهاية نقول لماذا ينتجون ويتقدمون؟! لماذا يصعدون إلى الفضاء وإلى الأرض يقفزون؟!