WA-WEEKLY

authentication required

 

     

 

   من مفارقات حياتنا الثقافية أن الذين يلاحقون الإخوان ليل نهار بتهمة «الاستحواذ» على مفاصل الدولة المصرية، هم أنفسهم يمارسون الاستحواذ على قائمة من القيم والشعارات التي لا يريدون لأحد أن يشاركهم فيها.
 
ولئن كان استحواذ الإخوان ادعاء لم يثبت، فضلا عن أن مفاصل الدولة في مصر أكبر من أن يستوعبها فصيل واحد، فإن استحواذ الآخرين واحتكارهم لأهم القيم والشعارات الإيجابية في الساحة السياسية تشهد به قرائن عدة، بل تقطع به وتؤكده.
 
إننا إذا دققنا في الفضاء السياسي المصري سنجد أن بعض النخب قررت أن تحتكر وتصادر لحسابها المدنية والديمقراطية والليبرالية بل والتقدم أيضا، في حين اعتبروا أن كل من عداهم مطرودون من تلك الساحات ومحظور عليهم الانتساب إلى أي منها، وهو ما يعد نهجا في الإقصاء أقرب إلى التكفير،
 
فإذا كان بعض المتطرفين الإسلاميين يعتبرون أنهم الفرقة «الناجية» وأن جنة الله لا تسع غيرهم، ولذلك فإنهم يسارعون إلى إخراج غيرهم من الملة الدينية، فإن إخواننا هؤلاء باحتكارهم القيم السياسية الإيجابية يفعلون نفس الشيء.
 
إذ يعتبرون أنفسهم الفرقة السياسية الناجية التي ينبغي أن يعهد إليها دون غيرها تولي زمام الأمور، ولذلك فإنهم ينفون عن غيرهم أية صفة إيجابية ويخرجونهم من الملة الوطنية بضمير مستريح.
 
هم لا يقولون شيئا من ذلك بطبيعة الحال، ولكنهم دائمو الحديث عن التسامح والقبول بالآخر والاحتكام إلى الصناديق في نهاية المطاف، لكنهم في الوقت نفسه يقسمون المجتمع إلى معسكرين أحدهما مدني والآخر ديني. في استعادة لفكرة «الفسطاطين» وقسمة العالم إلى أخيار وأشرار.
ويدرجون تحت عنوان القوى المدنية كل ما هو إيجابي وجذاب من قيم وشعارات، في حين ينسبون إلى القوى الدينية كل ما يثير النفور ويبعث على الاستياء والخوف.
 
لست أدعو إلى تبرير فكرة استحواذ الإخوان التي أرفضها، ولا أريد أن يفهم أنني أسوغ ما نسب إلى الإخوان بدعوى أن الكل في الاستحواذ سواء، وأن غيرهم ليسوا أفضل منهم كثيرا.
لكني أريد التنبيه إلى أن مسألة الفسطاطين هذه (الديني والمدني) مغلوطة علميا وضارة سياسيا.
 
وكنت قد تعرضت من قبل إلى التغليط في تلك القسمة، وقلت إن ذلك الفصل في مجتمع متدين مثل مصر لا يخلو من افتعال وتعسف، لسبب جوهري هو أن الكثير من الواجبات الدينية لها وجهها المدني.
 والزكاة التي هي من أركان الإسلام واجب شرعي قطعي له دوره المدني بامتياز.
والوقف نموذج آخر للتصرف الذي ينطلق من الوازع الديني لكي يصب في المحيط المدني.
 
وقل مثل ذلك على ما حصر له من التكاليف التي تعتبر أن عمارة الدنيا سبيل وجسر يراد به وجه الله في الآخرة.
ناهيك عن أن توظيف الطاقات الدينية لأجل تحقيق أهداف المجتمع ومصالحه العليا، يضمن بلوغ تلك الأهداف بالكفاءة المنشودة.
علما بأن الحضارة الإسلامية لم تبلغ ما بلغته من علو إلا بفضل ذلك التوظيف الإيجابي للمشاعر والطاقات الإيمانية لدى النخبة في مجتمعات تلك المرحلة.
 
أما كون قسمة المدني في مقابل الديني خطرة وضارة بالقوى المدنية ذاتها، فمرجع ذلك أن ذلك التضاد حين يستدعي الهوية الدينية فإنه يعطي انطباعا أن الدين هو موضوع الخلاف، وأن القوى المدنية لا تعارض القوى الأخرى سياسيا، وإنما تخاصمها لأنها دينية.
 
وإذا شاع ذلك الانطباع بين عامة الناس، وسئلوا هل تصوتون للقوى الدينية أو المدنية فإن الأغلبية الساحقة سوف تجد في العنوان الديني عنصر جذب تصعب مقاومته.
وستكون النتيجة أن تفقد القوى المدنية أصواتا كثيرة كان يمكن أن تكسبها لو أنها قدمت نفسها بصيغة أكثر قبولا.
 
وإذا وضعنا في الاعتبار أن المرء يمكن أن يكون إسلاميا وديمقراطيا وليبراليا ومدنيا، وأنه ليس صحيحا أن تلك الصفات حكر على العلمانيين وحدهم ولكنهم «استحوذوا» عليها لتقبيح غيرهم، فإنه إنصافا للحقيقة فضلا عن أنه لمصلحة الليبراليين أنفسهم، يتعين أن يكون التصنيف على أساس الوجهة السياسية وليس الهوية الدينية
 
ــ ولأننا بحاجة إلى الجميع من إسلاميين وليبراليين ويساريين وغيرهم، فليتنا نتحدث عن ديمقراطيين وغير ديمقراطيين، أو وطنيين وغير وطنيين أو ليبراليين ومحافظين.. وهكذا ــ ذلك أن هؤلاء وهؤلاء موجودون على الجانبين.
 
هناك ضرر آخر يصيب المجتمع لا نستطيع أن نتجاهله، وهو أن قسمة المدنيين والدينيين من شأنها أن تدفع الأقباط للاصطفاف إلى الأولين دون الآخرين، الأمر الذي له ارتداداته السلبية على لحمة المجتمع والسلام الأهلي.
 
وإذا كان إخواننا هؤلاء لا يعبأون بما يصيب المجتمع فلعلهم يعيدون النظر في مقولتهم، دفاعا عن مصلحتهم على الأقل. وان ظل الأمل معقودا على عقلائهم في أن يضعوا مصلحة الجماعة الوطنية فوق أي اعتبار آخر.

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: الكاتب فهمى هويدى http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2012/10/blog-post_4.html
WA-WEEKLY

صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة .. رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير : د. علاء الدين سعيد

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 164 مشاهدة

رئـيـــــــس مـجــلـــــــس الإدارة و رئـيــــــس الـتـحـــــــــريــــــر د. عـــلاء الـديــــن ســــــعــيــد

WA-WEEKLY
* السـنة الرابعة * العدد رقم ( 208 ) - ************ الخميس الموافق 27 نوفمبر 2014 تصــدر مـن الـقـاهـرة - جمهـورية مصــر العربيـة ====================== ALWATANULARABY JOURNAL ********* Chairman and Editor in Chief : ALAUDDIN SAID ====================== No. 208 - 27 of Nov 2014 ====================== CAIRO - ARAB REPUBLIC OF EGYPT »

ابحث

إشترك فى قائمتنا البريدية ليصلك كل جديدنا ضع ايميلك هنا ثم اضغط للإشتراك

Delivered by FeedBurner

لا تنسَ الرجوع إلى أيميلك لتفعيل الإشتراك

لمراسـلتنا بأعمالكم و أخبارِكم و آراءِكم .. إيميلات إدارة النشر بالصحيفة 

  [email protected]
أو إلى
[email protected]
أو إلى
[email protected]

 برسـالة متضمنة السيرة الذاتية الموجزة موضحة بها بياناتكم وعنوانكم وجنسيتكم وصورة شخصية مختارة للنشر مع موضوعاتكم ، مع خالص تحياتنا وتمنياتنا 

  

أهم و آخر الأخبار

================================

  •   مفتي تونس: 16 تونسية سافرن الى سوريا ل"جهاد النكاح" الذي اعتبره "بغاء"
  •  طلاب إماراتيون يصممون سيارة تقطع ألف كم بلتر واحد من الوقود
  •  طيران الامارات يرعى بطولة فرنسا المفتوحة للتنس خمسة أعوام ..
  •  الأمم المتحدة تطلق تقريرها السنوي للتنمية البشرية لعام 2013
  • عاطف عبدالعزيز وقراءة في" الحياة السرية للآباء " للشاعر صلاح فاروق
  • أقـلامٌ و آراءٌ حُـرّة

    =================================

  • الكاتب العراقى دكتور : عزيز العلي ، يكتب : ثورة ربيع العراق ، والمعركة الاستخبارية الدبلوماسية
  •  الكاتب السورى دكتور غسان شحرور ، يكتب : لغتنا الجميلة في عيدها .. هل اقترب نعيها ؟!
  •  الكاتب السورى دكتور غسان شحرور ، يكتب : في يوم "داون" العالمي ، دعوة إلى مواجهة التحديات
  • حينما توشك الدولة على الافلاس ، هل يمكن انقاذها - بقلم الكاتب المصرى دكتور : حسين الكاشف

  • كُتـَّاب ٌ و أعمـِدَةٌ و أقلام

    ============================
     

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

    ضع هنا التعليق المناسب

          

      شاركونـا صفحاتنـا 
    على المواقع الأخرى

    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// 
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// 
    مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  /// مواصفات الأعلان :: ينتهي الإعلان بتاريخ  ///  

    تقارير و دراسات

    =========================

  • مصر- نقيب عمال مصانع الطوب:اصحاب مصانع الطوب اعلنوا توقف المصانع نهائيا بعد ان فوجئوا بان التفاوض كان حبرا على ورق ...
  • خاص " الوطن العربى "- اليمن : قضية صعده من وجهة نظر(الحوثيين) في ورشة عمل بصنعاء  
  • ننشر القائمة الأُولى لأسماء افراد جماعة الاخوان الذين إحتلّوا مناصب الدولة خلال 7 أشهر فقط 
  •  تقرير لـ"سي آي إيه" يُلمح إلى استخدام إسرائيل السلاح النووي في حرب 1973 ضد مصر وسوريا
  •  إسرائيل خططت لقتل خال صدام لنصب فخ لاغتياله خلال جنازته