كلما شاهدت حالات الفوران الثوري التي لا تهدأ فى الميادين المصرية ولمست الأوجاع الكائنة فى أحداق الفقراء الآملون في الاستقرار والعيش الكريم ؛ تسألت: هل التحامل على الفقراء سمة أساسية لنظام مبارك وحده أم هي متأصلة فى ثقافة الشعب المصري؟ وهل بقاء الأغنياء وسعادتهم مرهون ببؤس الفقراء وشقائهم؟ لقد ظل الفقراء حقبة تاريخية كاملة بمثابة آلات موسيقية ظل السياسيون يعزفون عليها وعودهم المزيفة وخططهم البالية وشعاراتهم الوهمية، ولم يكن أمام الفقراء سوى الانتظار الذي طال وطال حتى أصبح حق العيش على قيد الحياة مطلباً أولياً لهم . فلم تسفر جهود نظام مبارك بكل مؤسساته في الوصول لحلول جذرية لمشكلة الفقر ومشاكل الفقراء. ولم تكشف جهودهم إلا عن واقع أليم يعيشه الفقراء ويزداد ألماً مع مطلع كل شمس. مليارات من أموال مصر أنفقت على خطط وهمية للبناء والتنمية وهى لم تؤدى في الواقع إلا لبناء انجازات سياسية وهمية ومصالح شخصية مشبوهة حصدها أعضاء البرلمان والتنفيذيون ورجال السياسة. إنهم نجحوا في المتاجرة بقضايا الفقر وأحلام البؤساء.
إن نجاح برامج التنمية في عهد مبارك وحكوماته المتعاقبة كان يقاس بصحة مستنداته وقدرة القائمين على هذه المشروعات على الفبركة وتغيير الحقائق، وليس بمدى ما تقدمه هذه المشروعات من خدمات. لقد أخبرني أحد وزراء مبارك بأنه كان بصدد تنفيذ مشروعا بتمويل أجنبي، وفى أحد اجتماعاته سأله أحد المسئولين عما إذا كان الوزير يريد نجاح المشروع أم خدمة مصر؟ فأجاب ضاحكاً: طبعاً نجاح المشروع. وكأن نجاح المشروعات في عهد مبارك لا يعنى بالضرورة خدمة الوطن. إنها مسرحية في قمة الهزلية.
وهكذا ضاعت أموال الشعب في خطط تنموية وهمية بعيدة عن واقع الفقراء واحتياجاتهم الأساسية، خطط تم استيرادها من الخارج كما استوردنا علب الكبريت ودبابيس الإبرة، لقد وقف أعضاء البرلمان المصري الذين انتخبهم النظام ولم يختارهم الشغب حائلاً دون وصول الاحتياجات لصانعي القرار؛ ومن ثم فقد جاءت قراراتهم غير ملبية لمطالب الشعب. وسقط الفقراء ضحايا لحوارتهم ومؤتمراتهم العقيمة, لقد ضاعت أموال الشعب على برامج التدريب والتأهيل التي لم تسفر سوى عن انجازات غير ملموسة؛ للدرجة التي أطلق فيها خبراء التنمية على برامج التنمية في مصر (برامج كيك وبريك).
وكان نتيجة هذه المهازل النهضوية التي أطلقوا عليها جهوداً تنموية ريفاً معدماً يئن كل يوم من نقص الخدمات بشتى أنواعها، من صحية وتعليمية وضمانية وخلافه. حتى وصلت معدلات التسرب والأمية أعلى درجاتها في أواخر العهد البائد، في إطار من تقارير مبهجة للغاية تحمل في طياتها معلومات وهمية عن تقدم غير موجود في أرض الواقع.. معلومات يرفضها الواقع الأليم الذي يتكبده فقراء مصر، فلم تعترف بهذه التقارير مثلاً منظمة الصحة العالمية التي أشارت إلى أن مصر من أكثر البلدان المضيفة للكبد الوبائي سى والفشل الكلوي ومن المتوقع أن تكون الأعلى في الدول العربية من حيث انتشار الايدز، أما عن التعليم فقد أسفرت التقارير العالمية المعنية بالتعليم عن تأخر واضح في البرامج التعليمية في مصر، فلم تحظى الجامعات المصرية بترتيب بين أفضل 500جامعة في العالم، وتوقفت دول الخليج عن استيراد الخبرات التعليمية المصرية. والسؤال الذي يطرحه الشعب هل يحمل مشروع النهضة خططاً واضحة المعالم للنهوض بأحوالهم ؟ وإلى متى يظل البرلمانيون وحاشية الرئيس فى تزوير مطالب الشعب ؟ وهل سوف تصبح نتائج المشروعات واقعا يلمسه البؤساء أم مجرد أرقام وهمية على ورق؟ وعلى أية حال فما زال النيل يجرى. ومازال المصريون ينتظرون الفجر، ويحلمون مع مرسى بالعهد الجديد.