العدل يا سيادة الرئيس ...
بقلم الكاتب المصرى دكتور
. صلاح هاشم
[email protected]
فى خضم التحولات السياسية الراهنة التى تشهدها مصر فى ظرف تاريخي فريد، انتخب فيه المصريون لأول مرة فى التاريخ رئيسهم بإرادة وطنية حرة، ورحل فيه العسكر -إلى حد ما- عن المشهد السياسى ، وتصدر فيه المدنيون أبوب السلطة ومنافذها وتمسكوا بمقاليد الحكم والتحكم فيه. هنا فقط تصبح العدالة مطلباً أساسياً من الرئيس باعتبارها ضرورة للتعايش والتفاعل بين أبناء الشعب وجسر للثقة بين الشعب والرئيس.. وتعد المطالبة بالعدالة مطلباً لايقل أهمية عن المطالبة بالماء والخبز.
ورغم أن كافة الثورات المصرية قد وضعت العدالة أول مطالبها، بيد أن كافة الحكومات التى توالت على إدارة شئون البلاد وحملت على عاتقها تحقيق أهداف الثورة قد فشلت جميعاً فى توريث حكوماتنا المعاصرة معاييراً مقبولة لتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة. وإذا اتخذنا ثورة 25 يناير نموذجاً؛ فإننا نجدها قد أخفقت قى قرابة عامين وعلى مدار أربع حكومات توالت على الحكم فى إشعار الشعب بحصاد ثورته ، فمازال الفساد متأصلاً فى مؤسسات الدولة بكل قطاعاتها؛ مما جعلنا ندرك وعلى الرئيس أن يدرك أيضاً بأن الدولة ليست فقط نظاماً يسقط وأخر ينتخب .. فثمة مفهوم أكبر للدولة وهو مايسمى بالدولة العميقة، تلك التى تمتلك القدرة على هدم أىَ آلية أونية ربما يتبناها الرئيس للإصلاح ، وعلى الرئيس إن أراد إصلاحاً حقيقياً فى البلاد أن يبدأه ليس فقط بتغيير قمم المؤسسات الإدارية بل بالنزول إلى القيعان المفرزة لثقافات الهدم والإفساد، والمعول عليها فى ذات الوقت البناء والتنفيذ لكل سياسات الدولة الحديثة.
وهنا يصبح العدل ليس شعاراً يتشدق به الرئيس وحكوماته بل ثقافة بالأساس، تغرس فى ضمائر الشعب وتدفعه إلى المستقبل العادل، الذى يتساوى فيه كل أبناء الشعب فى الحقوق والواجبات، ثقافة تجعل المواطن قادراً على التمييز بين الخير والشر ، الشر الذى يتحقق عندما يُغَلِب المواطن مصالحه الخاصة على مصلحة الوطن .. ثقافة تجعل توزيع المنافع ليس بالوساطة ولا المحسوبية ولا بالرشوة، بل كل يأخذ قدر حاجته وكل يأخذ قدر طاقته، فكثير ما تصبح المساواة ظلماً عندما لا يتساوى الناس فى الظروف .. وهنا يصبح عدم التمييز إلا لكفاءة مشهودة ومثبتة معياراً أولياً لتحقيق العدل، وتصبح الكفاءة شرطاً محتماً لارتقاء الإمكانات والصعود لقمم المؤسسات الإدارية. ولن يتحقق ذلك إلا بالاستعانة بذوي الخبرة فى كافة قطاعات الدولة، التى يحب أن يصدر الرئيس قراراً بهيكلة قياداتها وكبار موظفيها وإعادة التوظيف والتسكين وفق معاير جديدة أساسها الكفاءة العادلة، وتشكيل هيئة جديدة تابعة لمؤسسة الرئيس تتولى وضع المعاير للترقي والاستحقاق تسمى "هيئة الرقابة على الاستحقاقات" ، لا ينتهي عملها عند التخطيط والتشريع بل مراقبة تطبيق هذه المعايير، وتتضمن بداخلها خلية لقياس الرأي العام ومردود السياسات والقرارات والقوانين على الشعب، تتلقى شكاوى المغبونين وترفعها للرئيس، كي يشارك الرئيس الشعب همومه ولا ينفصل بعيداً عن قضاياه ,, ولن يتحقق ذلك ولن يُفَعَّل إلا إذا منحنا القائمين على إعطاء الحقوق حقوقهم ، ثم نطالبهم بأن يعطوا الحق لمن يستحق.. ولن يتحقق عدل ولا تنهض الأمة إلا إذا كان العدل ثقافة يتشربها الطلاب فى مناهجهم الدراسية، ويصبح فيه العلماء وأساتذة الجامعات فى مكانهم الطبيعي فى قمة الهرم، بعد أن انحدرت مكانتهم فى النظام البائد حتى أصبحوا فى قاع الهرم، فأنتجوا ثقافة تقوم على الظلم وتحيد عن معايير العدل، وها قد حان الوقت لأن يشعروا بالعدل كي ينتجوه ...