جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
أخلاقية العزل السياسى.. قراءة عبر
الأنفاق المظلمة
رغم تعدد الأحداث التى مرت بها مصر منذ 25 يناير 2011م وحتى تاريخه، إلا أنه ثمة تساؤل حائر فى نفوس الشعب المصرى فحواه: مصر رايحة على فين؟ ورغم وحدوية السؤال وعمق التساؤل ودلالاته وأهميته لدى المصريين بشتى طوائفهم وغير المصريين بتعدد جغرافيتهم وتنوع لغتهم واختلاف عقائدهم ولاسيما العرب مازالوا جميعاً ينتظرون بفارغ الصبر نتائج النموذج الثوري المصرى، عن قناعة منهم بأن قيادة مصر للمنطقة العربية ليس خياراً استراتيجياً لها بل هو قدر كرسته السماء عبر تاريخها الطويل، والإجابات على هذا التساؤل لم تكن واحدة سواء بين شركاء المشهد السياسى وأطراف القوى السياسية أو بين المحللين السياسيين أو لدى العامة الصامتة من أبناء الشعب أو لدى الدول المراقبة لمراحل النموذج الثوري المصرى وإلى أين يفضى.. كما أن هذه الإجابات لم تكن ثابتة ، فهى إذاً ليست واحدة وهى أيضاً ليست ثابتة، بل هى إجابات متغيرة بتغير الظرف السياسى الذى تمر به البلاد والذى أصبح أكثر من كونه فعل ثورى بل سيناريو هذلي شديد الإثارة .. يجعل المشاهد دائماً حائراً بين سخرية المشهد ومأساوية الحدث، يدفع المشاهد للتساؤل حول ما إذا كان هذا المشهد قدرياً أم بفعل فاعل. وأغرب هذه الأحداث قاطبة وأكثرها إثارة هو ما يتعلق ببطلان مجلس الشعب الذى صار بين عشية وضحاها فى خبر كان .. وكانت معه بفعل منطوق الدستورية العليا الأغلبية البرلمانية لجماعة الأخوان فى خبر كان أيضاً، حيث ذابت الجماعة فى صفوف القوى السياسية التى عادت جميعاً إلى المربع صفر، وعات الجماعة ثانية إلى الحلم بعد أن صار واقعاً شرعياً.. وفى المربع صفر حيث اللا أغلبية واللاديكتاتورية تتحقق الديمقراطية الحقة ويتساوى الجميع فى الحلم الذى هو حق لا يخضع للاحتكار ولا تهيمن علية الأغلبية .. وبات الشعب المصرى ينتظر ديكتاتورية برلمانية جديدة مغايرة لديكاتوتورية الحزب الوطنى التى تتسم بالبشاعة وديكتاتورية الإخوان المستفزة،؟
ويتساءل الجميع هل سوف يعود الإخوان إلى البرلمان وهم أغلبية أم أنها كانت طيفاً عابراً حالت أفعال الإخوان البرلمانية وفشلهم فى إدارة الموقف السياسى دون إعادته ثانية؟ وإن كرر الشعب ثقته فى الإخوان هل سوف ينتهجون نفس النُهُج السابقة فى التعامل مع القوى السياسية الأخرى ويتخلون عن غطرسة الحصانة البرلمانية فى تعاملهم مع رجل الشارع البسيط والمسئول التنفيذي فى سائر مؤسسات الدولة؟ وماذا لو خسر الإخوان البرلمان وكسبوا منصب الرئيس وهو الخيار الذى وضعهم فيه المجلس العسكرى من البداية، بيد أنه ألقوا به عرض الحائط واستمروا فى سعيهم المستميت إلى الهيمنة على كافة المقاعد القيادية والحاكمة فى الدولة، فلم يتركوا نقابة ولا معهد علمى ولا جامعة وصولاً إلى الاتحادات الطلابية من الجامعة رأساً إلى المدارس الابتدائية.. لدرجة أن شعرنا جميعاً أننا نسير فى أنفاق ودروب ومتاهات مظلمة ومشوهة المعالم.
والمحور الثانى فى المشهد السياسى المصرى يتعلق بقانون العزل السياسى، ذلك القانون غير الأخلاقي والذى أعد فقط لاستبعاد اثنين فقط من رموز النظام القديم، فهو قانون يتسم بالأنانية المفرطة والقسوة الفجة وفى حالة إنفاذه ربما يكون وصمة عار فى جبين الثورة والقضاء المصرى، لأنه يقوم على العزل القسرى وليس العزل الشعبي وشتان بين الاثنين، فالعزل القسرى دائماً ما يرتبط بالأنظمة الديكتاتورية المتشددة ومن مظاهر هذا العزل ما يعرف بتحديد الإقامة كما حدث مع بعض السياسيين السابقين فى مصر. وعادة ما يكون بفعل القانون والتشريع ولا رأى فيه للشعب. أما العزل الشعبي فهو أكثر تمشياً مع فكرة الديمقراطية وعادة ما يتم من خلال صناديق الاقتراع مثلما حدث فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث عزل الشعب بنفسه أقطاب النظام البائد دون وصايا شخصية أو حزبية أو قانونية ، فضلاً عن ذلك فإن العزل السياسى كثيراً ما يحدث فى حالات الانقلابات العسكرية ولا يحدث مطلقاً فى الثورات الشعبية صاحبة الوجه الحضاري. مثلما حدث عشية تعيين جمال عبد الناصر رئيساً على مصر حيث تم إقصاء الرئيس محمد نجيب عن المشهد السياسى وعزله من خلال تحديد محل إقامته. ومن ثم فالعزل السياسى الذى يتم بفعل القوانين هو عزل قسري لا إرادة فيه للشعب ولا تدخل، ويكون العزل مقبولاً إذا شارك فيه الشعب بالاستفتاء ، وهنا فإنني أعتبر الحكم بعدم دستورية قانون العزل هو عودة إلى الفعل الديمقراطي الذى ناشدته ثورة يناير وقامت من أجل إنفاذه. وجُعل الملعب السياسى مفتوحاً أمام جميع المصريين شريطة ألا ينقسم المصريون إلى متفرج وفاعل، فالجميع بعد الثورة فاعلون وشركاء فى الفعل السياسى ولا عودة للانقسام ثانية . فقد حان الوقت لأن يكسر البسطاء حواجز الخوف ويخرجون من غياهب الصمت ويقفزوا فوق خشبة المسرح فاعلون، كل بطموحاته وكل بقدراته وكل حسب انتماءه وحبه للوطن. والأقوى هو القادر على إعادة إنتاج ذاته بذاته ليمتلك صفاتاً عصرية معاصرة تتناسب مع حجم ثورته العظيمة، ويتحلى بقدرات مغايرة ومتفوقة على سائر قدرات المنافسين والمتنافسين فى حب الوطن عن إخلاص حقيقي ورغبة عميقة فى التغيير والبناء؛ ليصبح الاختلاف والاتفاق ليس على شخص ولا على مرجعيته السياسية وانتماءاته لجماعة أو حزب أو نظام بعينه بل حول قدرات الشخص ومصداقيته ومشروعه النهضوى ومنطقية أهدافه وقابلية برنامجه الانتخابي للتحقيق والتقييم والقياس الشعبي .
ومن هنا فإنني أرحب بالفريق أحمد شفيق منافساً للدكتور محمد مرسى ،، وأياً كان الفائز فسوف تتعامل معه أطياف الشعب وإن تشرذمت بفوزه القوى السياسية بين مؤيد ومعارض ومقاطع ،، فعلينا أن نقبل بنتيجة الصناديق أياً كانت دون تشكيك وتخويف وتصفية حسابات .. فسوف نقبلها حباً فى مصر وحرصاً على أمنها واستقرارهاً ومستقبل أبنائها.. سوف نقبلها حقناً لدماء شبابنا الطاهرة وحتى لا تكون عرضة للسفك بفعل التعصب والفتن والمؤامرات وتصفية الحسابات السياسية والصراع على المصالح الشخصية ..
المصدر: " صحيفة الوطن العربى " الأسبوعية المستقلة - أسسها : علاء الدين سعيد
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد