جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
كل نفس بشرية تطوق للطيران في عالم الحرية وكسر كل القيود الحديدية.. واجتياز كل الحواجز العصية.. ولكن هناك نفوسا غاصت في حب السلطة والتسلطية.. وفرض القيود على بعض الأفراد أو الجماعات بغرض إنجاح مقاصدها الإمبريالية.. فهي حريصة دائماً على استمرار التبعية.. اقتصادية كانت أو سياسية..
ولقد شهد تاريخ البشرية أشكال عدة للتبعية الإمبريالية.. وصور الاستغلال المبنية على أنياب السلطة والنفوذ القوية.. وكان هناك صورة دائمة من: الأسياد والعبيد.. تختلف شكل هذه الصورة من زمن لآخر.. ومن ثقافة لأخرى.. ملوك أو حكام وشعوب.. أصحاب رأسمال وشغيلة.. دول مركز ودول تابعة.. إلخ. وحتى في وقتنا الحاضر كثرت صور الإمبريالية الاستغلالية، خاصة مع نمو الاحتكارات الدولية التي عرفت في الأدبيات الاقتصادية بالشركات العابرة للحدود القومية الباحثة عن مصادر المواد الخام.. عن أسواق لتصريف الفائض من الإنتاج.. عن أراضي لتأمين الفائض من السكان وإقامة المستوطنات وإنماء الاستعمارية..
وربما يكون حب السلطة والسيطرة خصلة فطرية في بني البشر.. فهناك نفوس تعشق السيطرة والقيادة.. سواء أجادت فنها أم لم تجيده.. تمتعت بالحكمة المطلوبة لذلك أم لا.. وفي بعض الأحيان قد يصل حب السيطرة والقيادة إلى حد المرض والجنون.. ولم يخل التاريخ من هذه النماذج القيادية التي حكمت مجتمعات بمنهج دكتاتوري إمبرالي.. يتحكمون في إتباعهم ورعاياهم ويقررون المصير.. لا يسمحوا أبدا بحق التقرير أو التعبير، بل ويتسببون في إحداث كثير من الضرر والتدمير.. سواء بالنسبة لرعاياهم أو لمستقبل التنمية في بلادهم غير مبالين أو منتبهين لعملية التغير والتطور التي تحدث على النطاق العالمي.. وتزيد الهوة والتباين الساشع بين تقدمية الغرب وتأخر الشرق (بعضاً منها بلا شك.. فدرجات التقدمية والتنموية تختلف فيما بينها هي أيضاً).
فعلى المستوى الفردي.. قد نحرم منذ الصغر من ممارسة حق التعبير وتقرير المصير، حتى وسط أسرتنا أو محيط عملنا.. نجد من هو يقرر لنا ويحدد مسيرتنا الحياتية.. وهكذا اعتاد أغلبنا علي أن مهمة الاختيار والتقرير ليس من شئننا.. وإنما هي مهمة موكلة لشخص أخر.. قد يكون قائد الأسرة (الأب – الأم – الأخ/ الأخت – الزوج أو الزوجة).. قد يكون رئيس جهة العمل.. قد يكون القائمين على النظام وسن القوانين.. قد يكون الفاعلين الدوليين المسيطرين على الشئون العالمية والتعاملات المالية والتجارية.. وقد يكون جميع ما ذكر..
ومع تزايد وطأة القيود النظامية المحددة والضابطة لأسلوب حياة الإنسان، التي تسعى لتأطير أفعاله وفق أنساق محددة.. تتزايد حماسية الحركات الاجتماعية الرافضة لكل الأنماط المسيطرة المقيدة للحريات والمقررة لمصائر البشر.. وتستمر المحاولات الدؤوبة لكسب حق التقرير وإثبات الأهلية لتحديد المصير.. والسير في ركب التوجهات العالمية وممارسة الديمقراطية.. وتظل هذه الحركات تحاول الخروج من وطأة السلطة الفوقية التي ترمي شباكها وحبالها المقيدة على: فرد - جماعة – فئة أو طبقة – جماهير أو شعب.. وتتوالى صور المناضلة والمقاتلة التي تحاول إثبات أنها على قدر كافي من الوعي والعقل لاتخاذ القرار.. وأنها قادرة على المواجهة لتدبير شئونها دون سلبية أو تراجع أو فرار.
ولعلنا في هذا الوقت نكون في أشد الحاجة لإنماء مهارتنا في اتخاذ القرار وتحمل مسئولية النتائج مهما كان الأمر.. ولعلنا نكون كذلك في أشد الحاجة لإنماء شخصية القائد وتطوير القادة.. وغرس قيمة احترام القائد وليس تعظيمه أو تبجيله.. فهو القائد الذي يتوجب عليه أن يتولى أمري بأمانة دون تقصير أو أهانة.. هو القائد الذي يجب أن يتسم بشخصية كارزمية.. مميزة الصفات والملكات الجوهرية.. ذات رؤية عميقة مبدعة.. ملهمة ومحفزة ومشجعة.. تساعد على البناء وليس الهدم والفناء.. تساعد على إنمائي وليس إعدامي..
وفيما يبدوا أن كل منا بداخله قائد.. ومن ينجح في قيادة ذاته وتهذيب شهواته وإتقان أعماله وتنوير عقله ليفيد غيره.. يكون أعظم قائد.. فعلينا جميعاً العمل على إجادة فن القيادة لنتمكن من الوصول الهدف الكامن والمرسى الآمن.. ولنعلم جميعاً أننا في هذا الكون نعمل كعبيد لهدف خلقنا من أجله الخالق العزيز المجيد.. وأن نتائج أعمالنا ستعرض في النهاية على المالك الأعظم القوي الشديد..
د. نهلة أحمد درويش
دكتوراة في الآداب - علم الاجتماع
المصدر: " صحيفة الوطن العربى " الأسبوعية المستقلة - أسسها : علاء الدين سعيد
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد