جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
العسكر .. ماذا بعد الرحيل ..؟
بقلم الكاتب دكتور
صلاح هاشم
خمسة عشر شهراً عاشها المصريون دون حاكم يجبرهم على ممارسة طقوس الولاء والخنوع التى جُبِلوا عليها سنوات طويلة، منذ أن أشرقت شمس الدولة على مصر وطل الحاكم برأسه على الشعب مستغلاً سلطاته لإقناع الشعب بأنه خليفة الإله فى الأرض، وفى حقب تاريخية معينة تمثل الإله فى جسد الحاكم نفسه، وفى مرحلة أرقى اعتبر المصريون الخروج على الحاكم عصيان للرب، وفى ظرفٍ تاريخي أحدث أعلن الفقهاء على استحياء أن الخروج على الحاكم مشروط، واختلفوا جميعاً فى تحديد هذه الشروط؛ واستمر الحاكم فى بطشه مخلداً واستمر الشعب فى السقوط إلى هاوية الفقر والجهل والمرض، إلى أن دَقَت كل ساعات الإنذار فخلع الشعب عن كواهله ثوب الخوف وكًسَّر أقوال الفقهاء، حيث استفحل الفساد وضَعُفَ الحاكم وقَوِيَت شوكة حاشيته واستنارت عقول العامة وجَرَأت عقول النخبة الواعية، وتشابكت الأيدي بين عامة مطحونة ونخبة طامحة تنتظر الظرف؛ فسقط الحاكم وتهاوت هيبته وسقط معه مفهوم الدولة بسقوط نظام الحياة اليومية للمواطن المصرى، الذى أصبح فى ظرف لم يعد يشغله فيه قوت يومه أكثر مما تشغله حريته واسترداد كرامته المغتصبة،. جرأة شعبية غير مسبوقة أسقطت نظام الدولة قبل أن تُسقِط رؤوس الفساد وجحافل الظلم والجبروت فيها. وهنا وعن قناعة تخلى مبارك عن سلطاته كرئيس لمصر إلى المجلس العسكري ليدير شئون البلاد،الأمر الذى لاقى استحساناً من الشعب الذى هَلَل بصوت مرتفع " الجيش والشعب إيد وحده " ومنذ هذه اللحظة التى امسك الشعب فيها بيد الجيش وحتى أسابيع قليلة مضت لم تخلو الميادين المصرية من التظاهرات ولم يكف العمال عن سلسلة التذمرات مطالبين بتحسينات ملحوظة فى حياتهم اليومية، وتفاوتت استجابات الجيش لمطالب الميادين وتناقضت وتباطأت وشيئاً فشيئاً انفلتت قبضة الجيش من يد الشعب، الذى ساورته الشكوك فى نية الجيش بعدم الرحيل فتعالت موجات الغضب الشعبي رافعة شعار " يسقط حكم العسكر"
ودخل الشعب فى سجالات عقيمة مع الجيش لم تفض لشيئ سوى لمزيد من احتشاد الميادين وقطع الطرق ونزيف يتزايد من الدماء وتراجع مستمر للاقتصاد وتغييب شبه كامل للأمن، وتَحَوصَل المصريون فى جماعات متصارعة مختلفة الفكر والعقيدة والمصلحة، ولم يعد الشعب نفسه يداً واحدة ولا فكراً واحد. فكما اتهم الشعب العسكر بأنهم مازالوا يعملون لصالح عودة مبارك ونظامه ، فقد شكك العسكر فى دافعية التظاهر وصَرَحوا بأن هناك يد خفية تعمل على تأجيج الفتن، وطالب كل جماعة بأن تكشف عن مصادر تمويلها، وهنا امتلآ ميدان التحرير للمطالبة برحيل العسكر، وامتلآ ميدان العباسية ليدافع عنهم، ووقف المجلس العسكرى يشاهد كل هذه السيجالات حتى تلاقى الطرفين امام وزارة الدفاع ولم يَنفضض تجمعهم الا بسقوط عشرون قتيلاً من الطرفين.. وبعد كل هذه الصراعات نجح العسكر فى الوصول بالثورة إلى أهم أهدافها وهو اختيار رئيساً للدولة بإرادة شعبية حرة، وبذلك يكون الجيش قد قام بوظائفه التى جاء من اجلها وهى تشكيل برلمان شعبى حر وإعداد دستور معبر عن إرادة الشعب وانتخاب ريئس لمصر من خلال انتخابات حرة نزيهة.
وعلى المجلس الآن أن يفى بما وعد ويعود فوراً لثكناته. وهنا يتساءل الكثيرون حول السيناريو المتوقع لرحيل العسكروماذا بعد الرحيل ..؟ وإمكانية تسليم السلطة للرئيس المنتخب بشكل سلمى متحضر يحاكى النموذج الفرنسى، أم سوف يتم التسليم والتسلم بالطريقة العسكرية المتعارف عليها فى الجيش؟ وهل سوف يكون تخلى المجلس العسكري عن السلطة وتسليمها للرئيس المنتخب مشروط بعهود متبادلة بين الطرفين داخل غرف مغلقة تضمن الخروج الآمن للعسكر وإغلاق كل ملفاته المطروحة وربما المفضوحة، وخاصة ملف الشهداء الذى ورطته فيه أطياف سياسية عديدة خلال المرحلة الانتقالية، وهنا سوف تفتقد عملية التسليم والتسليم إلى الشفافية. ولا يرى الشعب سوى ما يتفق الطرفان على إعلانه ويظل لدينا دائماً فى كل الأحداث صندوقاً أسودَ مفاتيحه دائماً فى يد العسكر، وعلى المعنيين بالتأريخ لثورة 25 يناير أن يطالبوا بالكشف عن كواليس تخلى مبارك عن الحكم وخروج العسكر من السلطة ..
والتساؤل الأكثر حيرة حول موقف الجماعة من سلمية عودة العسكر إلى الثكنات. وهل سوف تكون الجماعة هى الشاهد والضامن الوحيد للخروج الآمن باعتبارها تمثل الأغلبية فى البرلمان والطرف الأكثر قدرة على الحشد والتنظيم، فلا تنسى الجماعة أن المجلس العسكرى كان الراعى الخفى لانتقالهم من الحظر إلى السلطة وحانت لحظة رد الجميل.. واعتقد أن الأخوان فى كل الأحوال سوف يفضلون الخروج الآمن، وأنهم مستعدون لتقديم كافة ضمانات عدم المساس، وسوف يقفون بكل قوة لمنع اى تصادم؛ حتى يتمكنوا من الاستمتاع بالمكاسب السياسية التى حصلوا عليها إبان الثورة .
والتساؤل الثالث مرتبط بالسلفيين وهل سوف يتخذون نفس مواقف الإخوان من حيث سلمية خروج العسكر، أم أنهم سوف ينضموا للميادين المتوقع اشتعالها فورا خروج العسكر للمطالبة بالحساب والقصاص لدم شهداء محمد محمود ومجلس الوزراء وبور سعيد ووزارة الدفاع، خاصة وأن السلفيين مازالوا على يقين بان خروج ابواسماعيل من سباق الرئاسة كان بتدبير العسكر؛ ومن ثم فأنهم على موعدٍ مع الثأر، وسوف ينفذون ما تواعد به أولاد ابو اسماعيل من الانتقام، الذى بدات مؤشراته بمقاطعتهم المشاركة فى انتخابات الرئاسة وكأن لديهم سيناريو اخر يميل إلى الشكل القبلى لا يرغبون فى الافصاح عنه أياً كان الرئيس الفائز فى الانتخابات .. واتصور انهم سوف يتخفوا وراء ظهور الثوار وأسر الشهداء فى مطالباتهم بالمحاكمات العاجلة لأعضاء المجلس العسكرى ويصبح السجن والقصاص هو السيناريو الاسود الذى يتخوف منه المجلس العسكرى ويعمل له كل حساب ..وإذا حدث هذا السيناريو لا يصبح امام العسكر إلا الأخد بالسيناريو الذى طرحه عمر سليمان فى إحدى القنوات الأمريكية منذ اسابيع قليلية عندما اكد بان الانقلاب العسكرى وارد ...
المصدر: " صحيفة الوطن العربى " الأسبوعية المستقلة - أسسها : علاء الدين سعيد
صحيفة " الوطن العربى الأسبوعية " المستقلة الشاملة - لندن ، المملكة المتحدة ..
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير :
د. علاء الدين سعيد