بعد مضي 11 يوماً على إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية المثيرة للجدل في 19 آذار، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلانا دستوريا يضم 62 مادة ستشكل الإطار الدستوري الذي ستعمل به مصر حتى صياغة دستور جديد، بعد إجراء الانتخابات التشريعية في ايلول المقبل، والانتخابات الرئاسية بشهر أو شهرين.
وبصدور هذا الإعلان، يكون دستور العام 1971 قد سقط وانتهى بالفعل، بحسب ما أوضح المستشار طارق البشري، رئيس اللجنة التي صاغت الإعلان وهي المجموعة ذاتها التي أعدت المواد التي طرحت على الاستفتاء، ووافق عليها 77 في المئة من المصريين.
ويأتى الإعلان الدستوري على خلفية انشقاق في الصف الوطني المصري بسبب التعديلات. ففريق كبير من القوى السياسية أعلن رفضه للتعديلات لأنه يريد دستوراً جديداً بعدما «سقط» دستور العام 1971 مع النظام السابق، واحتج أيضا على مقترحات أرفقت بالتعديلات، تنص على إجراء انتخابات تشريعية خلال أشهر، وذلك لتسريع عودة الجيش لثكناته بناء على رغبته.
واعتبر المحتجون أن هذا التسرع سيفيد «الإخوان المسلمين» و«فلول» الحزب الوطني الحاكم سابقاً لأنهما قوتان منظمـتان، بعكس باقي القوى السياسية، وبالتالي فإنهما سيستحوذان على أكبر نسبة مقاعد في البرلمان المقبل.
إلا أن المجلس العسكري كان قد أعلن قبل الاستفتاء بأيام انه سيصدر إعلانا دستورياً، يحل محل دستور العام 1971 الذي كان يمنح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة، وانه لا عودة لهذا الدستور.
وبعد طول انتظار صدر الإعلان الدستوري حوالى الساعة 3:30 بعد الظهر، ونشر على صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعدها بساعة. ويحتوي الإعلان على جميع المواد التي كانت موضع الاستفتاء - الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية ومجلسي الشعب والشورى - وأضيف لها 54 مادة من دستور العام 1971 لتنظيم الإطار الدستوري لباقي مؤسسات الدولة، ووضع الآلية الدستورية التي تكفل حرية العقيدة، والمساواة بين المواطنين، وهوية الدولة وطبيعة نظامها الاقتصادي، والحقوق السياسية، واستقلال القضاء واختصاصات السلطة التشريعية والتنفيذية.
وتم تعديل المادة الرابعة في دستور العام 1971 التي كانت تنص على أن الاقتصاد الوطني يقوم على «حرية النشاط الاقتصادي»، إلى «تنمية النشاط الاقتصادي»، وحذف كلمة «حرية»، وذلك في المادة الخامسة من الإعلان الدستوري.
واعتبر هذا التعديل تطوراً مهماً وإيجابياً لأنه بذلك لا يلزم أي حكومة قادمة بنظام اقتصادي معين، كما كانت الحال من قبل. يذكر أن تلك المادة عدلت عام 2007
عندما أدخل نظام حسني مبارك رزمة تعديلات دستورية من بينها حذف الإشارة لـ«الاشتراكية»، وذلك ليتسق الدستور مع سياسيات النظام السابق التي كان يسيطر عليها رجال أعمال نافذون.
ويقول الخبير الاقتصادي وائل جمال لـ«السفير» انه أضيفت كلمة «حرية» للنشاط الاقتصادي ليتسنى لمجموعة ما سمي بـ«اجتماع واشنطن» من رجال الأعمال بوضع حرية السوق قبل أي شيء.
وحددت المادة 56 من الإعلان الدستوري اختصاصات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى شؤون إدارة البلاد منذ 11 شباط عندما تنحى مبارك. ولأنه لا نص دستورياً يسمح بهذا الوضع، ظل دستور العام 1971 معطلاً طوال تلك الفترة، وحلت محله «الشرعية الثورية» كوضع مؤقت.
وبحسب المادة 56 فإن المجلس العسكري سيتولى اختصاصات رئيس الجمهورية والبرلمان، أي السلطتين التنفيذية والتشريعية، حتى يتم انتخاب مجلسي الشعب والشورى في أيلول المقبل، وبعدها، انتخابات الرئاسة التي لم يحدد الإعلان موعدها بعد، وإن كان نائب وزير الدفاع للشؤون القانونية اللواء ممدوح شاهين قد أوضح أنها ستجري «بعد شهر أو شهرين» من موعد انتخابات مجلسي البرلمان، التي ستجري في وقت واحد. وبموجب هذه الاختصاصات، سيكون من حق المجلس العسكري إصدار القوانين والاعتراض عليها وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
وصدر الإعلان الدستوري قبل بدء حوار وطني موسع بين ممثلين عن القوى السياسية المختلفة، بمن في ذلك أعضاء سابقون في الحزب الوطني، وكذلك الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي أعلن عن ترشحه لانتخابات الرئاسة، وعدد من الشخصيات العامة ودعاة دينيون، ومجلس الوزراء، الذي بثت أولى جلساته مساء أمس على الهواء مباشرة.
ولم تتضح بعد أهداف الحوار الذي جاء بعد انتهاء صخب الانقسام العميق الذي شهدته النخبة المصرية بسبب التعديلات الدستورية.
وتزامن الإعلان الدستوري كذلك مع تغيير رؤساء تحرير عدد كبير من الصحف القومية التي ظلت قياداتها في أماكنها حتى صباح أمس، برغم ولائها للنظام السابق ومعاداتها للثورة قبل تنحي مبارك. وسبق للمجلس العسكري ان أعلن الاثنين الماضي عن قانون جديد يسمح بتشكيل الاحزاب السياسية بالإخطار فقط، باستثناء تلك التي تقوم على أسس دينية أو طبقية. وقال المجلس إن حالة الطوارئ ستستمر لبضعة اشهر وسترفع قبل انتخابات مجلسي الشعب والشورى. وقُلصت ساعات حظر التجوال التي كانت تبدأ في منتصف الليل وحتى السادسة صباحا، الى ثلاث ساعات ما بين الثانية الى الخامسة صباحاً.
وتأتي كل هذه التحركات قبل يومين من تظاهرة دعت إليها القوى السياسية غدا الجمعة، في ميدان التحرير، بهدف «إنقاذ الثورة»، وذلك احتجاجاً على تباطؤ المجلس العسكري في اتخاذ إجراءات تطهير الاعلام من رموز النظام السابق، ومحاكمة الشخصيات الرئيسية في حكم مـــبارك المتـــهمة بالتـــواطؤ معه في الفساد والانتهاكات الامنية.
ووصف البشري الاعلان الدستوري بأنه كفيل بنقل مصر تدريجياً خلال هذه المرحلة الانتقالية الى مرحلة وضع دستور جديد، يعتقد أنه سيرى النور في آذار 2011. ولم تصدر القوى السياسية ردود أفعال على الاعلان الدستوري نظرا لانشغالها بالحوار الوطني الذي استمر حتى المساء.