أعلن الرئيس الإيراني محمود احمدينجاد مؤخراً أنه سيقيم إحتفالات أعياد النيروز للعام الايراني (1390الموافق 21 أذار 2011) وذلك بحضور عدد من زعماء وقادة الدول الصديقة في " تخت جمشيد" (كان الملك الايراني السابق يقيم إحتفالات قومية في بداية كل عام إيراني في مدينة شيراز تسمى باحتفالات 2500 عام وهي تعبر عن قمة الاحتفال بالموروث التاريخي الذي يعود الى ماقبل الاسلام) وكان عدد من المتطرفين في النظام الايراني قد وجهوا انتقادات لاذعة لمثل هذه المبادرة وقارنها البعض باحتفالات الشاه الإيراني السابق الذي عرف بعنصريته وقوميته المفرطة في ايران والمنطقة ففي هذا الإطار وجّه النائب البرلماني المناوئ لأحمدي نجاد "علي مطهري" نقداً لاذعاً لأطروحة نجاد التي تقضي بإحياء الاحتفالات القومية على الطريقة الشاهنشاهية مؤكداً "إنّ خطرمشروع المدرسة الإيرانية محدق نتيجة استخدامه بدل المدرسة الإسلامية وذلك يهدد كيان الثورة الإيرانية برمتها". وأضاف قائلاً:"في الوقت الذي تعطي الثورات الإسلامية ثمارها فإن الحديث عن المدرسة الايرانية لا يصب في صالح الوحدة الاسلامية لذلك يجب التطرق للشراكة وليس الحديث عن منشور نيروز وتفضيل العرق الإيراني والشعورالايراني على الأخرين".وهدد مطهري استجواب نجاد في البرلمان إذا ما استمر في مشروعه القومي هذا.
تتزامن هذه التطورات في موقف أبرز قادة النظام الإيراني و علاقتهم بالموروث العنصري الذي كان سائد قبل قيام الثورة الايرانية الحالية بعد طرح مشروع "المدرسة الإيرانية" التي أثارت جدلاً واسعاً في الاوساط الايرانية الحاكمة وخارجها جراء ما تبعته من خطوات نحو المضي قدماً صوب القومية والتخلص من أعباء إسلامية الثورة ومذهبيتها التي كلفت القائمين عليها الكثير خاصة فيما يتعلق بانفصال الطبقة الوسطى الفارسية في إيران عن النظام الديني وهي ذات ميول قومية أكثر من مويلها الدينية وأما بالنسبة للخارج فعبء مقولة تصدير الثورة الى دول عربية وإسلامية أخرى أثقل من كاهل هذا النظام نتيجة توتر علاقاته بجيرانه والدول الغربية وخاض جراء ذلك حرباً طاحنة مع العراق فالتغيير في مواقف النظام من التوجه الديني نحو القومي رغم كونه سيدرئ عنه المخاطر الإقليمية والدولية إلا أنه سيواجه أخطاراً داخلية بسبب وجود شعوب غير فارسية لا تقبل بالارث الفارسي القومي وهي تشكل غالبية السكان في إيران .
وكانت الحكومة الحالية في إيران برئاسة نجاد استهلت تغيير مواقفها الحالية والتي تعرف بـمدرسة"الاسلام الايراني" (من المتحمسين لطرح هذه الفكرة رئيس مكتبه "اسفندياررحيم مشائي " وفريقه وهو أكبر المنظرين للرئيس ) خلال القيام بخطوات تمهيدية أخرى مثل"السماح للنساء دخول الأستاد الرياضي في طهران"، "طرح مشروع تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة"،"إعتبار الشعب الاسرائيلي شعب صديق للشعب الايراني"للبدء في نهاية المطاف بمشروع قومية الدولة الفارسية بعد خطابات عديدة ألقاها هذا الفريق ليمهد الأرضية في ذلك لخطابه القومي .
وما يثير التساؤل في هذا الاطار تقديم نجاد الدعوة الى 12من زعماء وقادة الدول لحد الأن وأبرز الذين تمت دعوتهم من بين القادة العرب للحضور في الحفل المقام في "عرش جمشيد "حسبما ذكرت وكالة الانباء الالمانية الملك الأردني عبدالله الثاني صاحب مشروع "الهلال الشيعي " الذي حذر فيه من خطر قادم جراء تصدير الثورة الشيعية الايرانية للدول العربية السنية .
يرى الكثير من المراقبين الى أنّ إصرار نجاد ومدير مكتبه "مشائي" وبقية أعضاء غرفة التفكير الموالين للفريق الأخير، على تطبيق المشروع القومي يصب أساساً في إطار تحجيم الإعتراضات التي تتزايد يوماً بعد يوم ضد الجمهورية الاسلامية ومحاولة يائسة لكسب الشرعية لحكومة نجاد عبر دغدغة مشاعر القوميين المتطرفين في إيران وإعداد الأرضية الخصبة لمشائي كي يترشح للإنتخابات الرئاسية القادمة كمرشح مدعوم من قبل الرئيس نجاد ، رغم خلاف الاخير العميق مع رجال الدين في الحوزات الدينية في قم وطهران إثر إطروحاته التي تثير جدلاً واسعاً بين الأوساط الدينية .
يرى البعض أنّ الإيديولوجيا التي تحكم إيران اليوم هي الايديولوجيا العنصرية القومية الفارسية سواء اعترف النظام بذلك أم لم يعترف من هنا يستخدم نجاد أبواقه الاعلامية للترويج لمدير مكتبه عبر العزف على وتر القومية السائدة بين الطبقة الوسطى لكسب ودها والابتعاد عن المشروع الطائفي الذي طغى على الخطاب الديني الايراني طيلة العقود الثلاثة الماضية .
ترى الى متى سيستمر النظام الايراني في التلاعب بمشاعر الشعوب وألم يحن الوقت كي تطوى صفحته عبر ثورة شعبية عارمة تنجزها الشعوب المقهورة في هذا البلد أم أنه لم يحن الوقت بعد رغم ما تشهده المنطقة من إطاحة بديكتاتوريات تلاعبت بمشاعر الشعوب مستخدمة الخطاب الديني تارة والقومي تارة أخرى .