منظمة التجارة العالمية وقضايا الاغراق والدعم
بقلم د.إسراء عبد الباسط أحمد المغازى
دكتوراه فى العلوم الإدارية
مدرب وخبير التنمية البشرية والادارية والاقتصادية
مقدمة :
تعتبر إقامة منظمة التجارة التى بدأت نشاطها فى يناير 1995 ( WTO ) World Trade Organization والتى حلت عمل اتفاقات الجات ( GATT ) ، من اهم التطورات الأقتصادية التى شهدها العالم فى عصرنا الحديث وعلامة مميزة لأهم أحداث القرن الواحد والعشرين ، وذلك لعظم آثارها الأقتصادية والاجتماعية والثقافية لما تهدف اليه من تحرير التجارة الدولية ومن ثم رفع مستوى المعيشة للبلاد الأعضاء وتحقيق نمو أقتصادى متواصل وما يؤدى إليه ذلك من خلق فرص عمل وخفض معدلات البطالة ، لذلك تسعى الدول وخاصة الدول النامية إلى الانضمام إلىتلك المنظمة وتأمين حصولها على نصيب متنامى من التجارة العالمية بما يمكنها من جنى ثمار زيادة وأتساع التجارة .
وعلى الرغم من أن منظمة التجارة العالمية تهدف أساساً إلى ضمان تحرير وأنسياب التجارة العالمية وبدون قيود جمركية أو غير جمركية تعد بالدرجة الاولى محققة لمصالح الدول الكبرى ، فإن تلك الدول هى نفسها التى كانت تعرقل الأتفاقات لمنع وتنظيم عملية الإغراق وكانت تفضل ان تترك لها الحرية لاخضاع قوانين الإغراق ضمن تشريعاتها الوطنية ولا تقبل أى نوع من الرقابة عليها . إلى أن تم التوصل إلى الأتفاقيات المتعلقة بالإغراق فى إطار جولة أورجواى
( 1986 – 1995 ). فبرغم ما تملكه الدول الكبرى من مزايا إقتصادية إلا انها احيانا ما تتعنت لفرض عقوبات وقيود جمركية وغير جمركية ضد منتجات الدول النامية والتى قد تملك مزايا نسبية مثل إنخفاض تكلفة العمالة مما يجعلها تقوم بالتصدير بأسعار منخفضة ، وذلك حتى تحمى منتجاتها كما تدعى من الإغراق .
إلا أن أتفاقية الجات لم تترك قضية الإغراق وإمكانية حدوثها وإمكانيةأصابة منتجات إحدى الدول بضرر للدول لاتخاذ ما تراه من تدابير وقائية ضد ذلك الإغراق لكنها قد نظمت شروطاً معينة لاثبات الضرر من الإغراق وكذلك تركت للدول إمكانية الرد على دعوى الإغراق من جانب الدولة المصدرة .ونستعرض فيما يلى ذلك الموضوع من خلال النقاط التالية :
1 – مفهوم الإغراق وشروط تحقق الإغراق .
2 – مفهوم الدعم وشروط حظره .
3 – الإجراءات الوقائية ضد الإغراق والدعم .
4 – مصر وقضايا الإغراق .
1 – مفهوم الإغراق وشروط تحقق الإغراق :
" تضمنت المادة السادسة من اتفاقية الجات وعنوانها للإغراق والرسوم التعويضية Anti -dumping and countervailing Duties بتعهد الأطراف المتعاقدة بتجنب سياسة الإغراق عند تصدير منتجاتها إذا كان من شأن ذلك إيقاع ضرر جسيم بمصالح المنتجين المحليين فى الدول المتعاقدة المستوردة او التهديد بوقوع مثل هذا الضرر كما أنها تعطى للدولة المستوردة الحق فى فرض رسوم مكافحة الإغراق (1)
وتعتبر السلعة مغرقة إذا كان تصديرها للدولة المتضررة أقل من قيمتها العادية ويقصد بسعر التصدير سعر البيع للتصدير ، فى دول المنشأ " تسليم المصنع " من دولة أخرى بخلاف دولة المنشاة ويكون سعر التصدير هو سعر البيع تسليم مخازن المصدر ويقصد بالقيمة العادية ، سعر المنتج في السوق المحلية لبلد المنشأ أو بلد التصدير أو تكلفة الأنتاج مضافاً إليها المصروفات البيعية والإدارية أو سعر تصدير المنتج المثيل إلى بلد ثالث " (2) .
ولإثبات تحقق الضرر لابد من توافر ثلاثة شروط أساسية هى :-
أ - وقوع حالة إغراق :
تتحقق حالة الإغراق أذا ما كان ثمن تصدير المنتج يقل عن ثمن بيع المنتج المماثل عندما يخصص للاستهلاك فى بلد تصديره أو ثمن المنتج المماثل عند تصديره إلى بلد ثالث أو القيمة المركبة له وهى عبارة عن تكلفة الانتاج فى بلد المنشا مضافا اليها تكاليف الإدارة والبيع والأرباح (3)
ب – وجود ضرر للصناعة المحلية فى الدولة المستوردة :
يشترط لاتخاذ تدابير لمواجهة الإغراق أن تكون هناك ضرراً لصناعة محلية تقوم بإنتاج منتجات محلية مشابهة للواردات . للتحقق من وقوع الضرر تقوم السلطات فى البلد المتضرر ببحث حجم الواردات المغرقة وكذلك أثرها على الأسعار فلا بد أن يكون هذا الحجم كبيرأ سواء بصورة مطلقة أو بصورة نسبية للأنتاج أو الاستهلاك فى بلد ولا بد ان يكون سعر المنتج المستورد منخفضاً بصورة كبيرة بحيث يكون من شأن هذا الانخفاض أن يؤدى إلى انخفاض فى اسعار المنتج المماثل فى البلد المستورد وان يكون هو السبب الوحيد فى هذا الإنخفاض . ولابد ان تنتهى التحقيقات إلى إثبات توافر الشقين السابقين لاثبات وجود الضرر .
جـ - توافر علاقة السببية بين الواردات ووجود الضرر :
يجب ان يتم إثبات أن الواردات المغرقة من جراء تأثيرها على أسعار المنتجات المماثلة للعضو المستورد قد تسببت فى الإضرار بالصناعة المحلية بصورة مباشرة
وإذا ما ثبت تحقق الشروط السابقة فإنه يمكن للدولة المستوردة والمتضررة من ذلك الاغراق ان تأخذ تدابير وقائية ضد المنتجات المغرقة .
2 – مفهوم الدعم وشروط حظره :
قد تقدم بعض الحكومات دعماً للمصدرين مما يؤدى إلى تمكينهم من بيع منتجاتهم فى البلد المصدر اليه ( المستورد ) بثمن أقل من الثمن الحقيقي مما يؤدى إلى الإضرار بصناعة الاخيرة
ولقد تضمنت اتفاقات ال ( GATT ) دراسة موضوع الدعم وما قد يؤدى اليه من اضرار للبلد المستورد ، وذلك فى جولة طوكيو والتى قامت بتقنين الدعم والرسوم التعويضية عام 1979 ، وذلك لتوضيح وتقوية القواعد التى تحكم الدعم بين البلدان .
وتكون الصناعة قد تلقت دعما ، اى يتم التحقق من وجود دعم إذا تحققت فائده لهذه الصناعة نتيجة احد أمرين :
أ – قيام الحكومة أو هيئة عامة فى اراضى العضو بتقديم مساعدة مالية لهذه الصناعة .
ب – تقديم أى شكل من أشكال دعم الدخل أو دعم الثمن بحيث يؤدى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى زيادة الصادرات أو انقاص الواردات من اى منتج يرد اليها .
وهناك نوعان من الدعم محظوران تماماً ويتعين على كل عضو الايمنحه أو يستبقيه لأى منتج مصدر وهما (4)
أ) دعم التصدير – أى الدعم الذى يتوقف على الأداء التصديري لاى منتج ويطبق هذا الحظر سواء كان الآداء التصديري هو الشرط الوحيد أو أحد عدة شروط لحصول المنتج المصدر على الدعم .
ب) الدعم الذى يتوقف على استخدام السلع المحلية أكثرمن السلع المستوردة ، أى الدعم الذى يؤدى إلى تفضيل السلع المحلية على السلع المستوردة أو الأحلال محل الواردات أو أية انواع أخرى من الدعم فيمكن اتخاذ اجراءات ضده لمنع ضرره الواقع على انتاج الدولة المستوردة .
ويلزم لاتخاذ تدابير وقائية ضد الدعم أن يكون هناك ضرراً مادياً قد تسبب فيه هذا الدعم للمنتجات المماثلة فى بلد المستورد ويلاحظ انه لكى يتم اتخاذ اية تدابير يجب أن يتم إثبات حدوث هذا الضرر او التهديد بحدوثه .
3 – الإجراءات الوقائية ضد الاغراق والدعم :
أ – الحماية من الإغراق :
اعطت اتفاقية الجات فى الفقرة الثانية من المادة السادسة لاى طرف متعاقد الحق فى منع الإغراق أو ابطال مفعوله بأن يفرض على أى منتج حدث بشأنه اغراق رسماً لمكافحته لا يزيد سعره عن حد أو هامش الإغراق
(5) ويقصد بهامش الإغراق الفرق بين سعر التصدير والسعر العادى (6)
ب – الحماية من الدعم :
يمكن للطرف المتعاقد عند استيراده لمنتج معين كان قد منح دعماً أو اعانة من الطرف المتعاقد المصدر له وتسبب فى إحداث ضرر كبير بصناعة محلية قائمة ، ان يفرض على هذا المنتج رسماً تعويضياً مقابلاً للدعم أو الاعانة بشرط الا يزيد هذا الرسم عن قيمة الاعانة أو الدعم الذين تم منحهما وهو ما يعنى تدبيراً عكسياً لابطال مفعول هذا الدعم أو الاعانة (7)
4 – مصر وقضايا الإغراق :
إن مصر شانها شأن جميع الدول الاعضاء فى منظمة التجارة الدولية تسعى لهذه العضوية لتحقيق الفوائد التى يمكن تحققها من زيادة وانسياب التجارة من زيادة التصدير وانعاش الحياة الاقتصادية وزيادة الطلب على العمالة وزيادة الانتاج وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ، " فمصر لها مصلحة اكيدة فى التزام جميع اعضاء منظمة التجارة العالمية بتنفيذ المهام الموكلة اليها والاهداف التى تسعى الى تحققها لما فى ذلك من أثر ايجابى بارز على النشاط الاقتصادى فى الدول المتقدمة والذى يعد من أهم العوامل إلى زيادة الطلب على صادرات الدول النامية ومن بينها مصر " ( 8 )
إلا ان الواقع يؤكد ان هناك العديد من الحواجز والعقبات تحيط بالتصدير للمنتجات المصرية وأهم هذه العقبات هى الادعاءات التى تدعيها العديد من دول الاتحاد الاوربى فى مواجهة اهم الصادرات المصرية ، فلقد قامت شركات أوربية برفع دعوى ضد الصادرات المصرية من المنسوجات القطنية غير المصبوغة ( الخام ) وكذلك الملاءات المصرية وقامت بفرض رسوم إغراق ضدها حتى قبل نهاية التحقيق واثبات الاغراق مما يشير إلى التعنت الشديد من جانب الاتحاد الاوربى ضد الصادرات المصرية ، كذلك فقد تعرضت بعض المنتجات الزراعية المصرية المصدرة لاوربا والتى تشكل النسبة الأكبر من صادرات مصر إلى اوربا لهجوم شديد وشكاوى مثل ما تعرضت له صادرات البطاطس من هجوم بدعوى تفشى إصابتها بالعفن البنى وعدم وفائها بشروط الصحة النباتية " ويقصد بشروط الصحة النباتية مدى صحة وخلو النبات من الامراض والآفات المختلفة " (9)
ذلك رغم أن مرض العفن البنى ليس له أى اثار على صحة الانسان او الحيوان فضلآ عن ان مصدره الاساسى هو التقاوى المستوردة من دول الاتحاد الأوربى ، إلا ان البطاطس لم تنجو من الاتهامات ، وهذا أمر يجعلنا ندق ناقوس الخطر حول ما يكتنف صادرات مصر من تحديات ، ونقدم بعض المقترحات لدعم وتقوية الصادرات المصرية وهى كما يلى :-
- تدعيم الاجهزة الفنية فى اتحاد الصناعات المصرية والغرف التجارية ومنظمات رجال الاعمال والشركات لمساعدة الشركات التى تتعرض لدعاوى باتهامات اغراق .
- إعداد فريق من المحامين المتخصصن للنظر فى القضايا المرفوعة ضد الصادرات المصرية سواء المصنعة أو الصادرات الزراعية واللجؤ للتحكيم لدى منظمة التجارة العالمية لحماية المصالح الأقتصادية المصرية ، على أن يتم تمويل هذا الفريق من صندوق يتم إنشاءؤه خصيصا لهذا الغرض للدفاع عن صادراتنا .
- اما بالنسبة للصادرات الزراعية غير المطابقة للمواصفات القياسية فيجب اتخاذ التدابيري والاجراءات التى تكفل وصولها إلى الجودة القياسية وأن تكون خالية تماماً من أى عيوب للصناعة او الانتاج وذلك حتى لا تكون هناك ذريعة لأية شركة واى دولة مستوردة لان تهاجم الصادرات المصرية .
- تشديد إجراءات فحص الصادرات سواء بزيادة حجم العينات أو لتكرار الفحص خلال فترات الانتاج .
- تنويع أسواق التصدير امام المنتجات المصرية وكذلك الاتجاه لطرق أسواق جديدة أمام المنتجات المصرية مع التركيز على الاسواق التى يمكن تحقيق معدلات نمو كبيرة معها مثل الكوميسا والدول العربية ، وذلك لان الفرص التصديرية للمنتجات المصرية بها اعلى بكثير من الدول الاوربية و الامريكية وذلك للأساب التالية :
· النمو المضطرد لأقتصاد هذه البلاد مما يعنى زيادة القدرة الشرائية للأفراد ومن ثم الاقبال على شراء المنتجات التى تطرح بالاسواق .
· تعتمد تلك الاسواق على مواصفات للجودة اقل بكثير من المواصفات القياسية فى الاسواق الاوربية والامريكية مما يجعل من الايسر للمنتجات المصرية النفاذ لهذه الاسواق دون عقبات كثيرة (10)
- ضرورة العمل على تصحيح الأختلالات المالية والهيكلية التى تواجه عدداً من الصناعات الهامة للاستفادة من الفرص التصديرية مثل صادرات الألومنيوم والصناعات الجلدية والاثاث والاوانى الفخارية والمعلبات الغذاية وان تعمل الحكومة المصرية علي رفع كفاءتها لكى تصل إلى الجودة المطلوبة (11)
أما عن إجراءات حماية السوق المحلي من الاغراق :
فلا شك ان حماية الاقتصاد القومى من تدفق الواردات غير المبرر يعتبركما هو هدفا لحماية الصناعات المحلية فإنه لا يتناقض مع التزاماتنا بتحرير وانسياب التجارة العالمية .
فلقد اتسمت السنوات الاخيرة بتدفق غير مبرر لواردات كثيرة مثل الملابس الجاهزة ولعب الاطفال الصينية ، وكذلك الحديد المسلح و الكبريت و احواض الاستانليس ستيل ....الخ
مما اوجب معه اتخاذ اجراءات وتدابير لردع ذلك الاغراق وحماية المنتجات والصناعات المصرية وفى هذا الاطار فقد صدر القانون رقم 161 لسنة 1998 بشان " حماية الاقتصاد القومى من الآثار الناجمة عن الممارسات الضاره فى التجارة الدولية " والذى من شانه ان يعمل على حماية الصناعةو المحلية وذلك بتحديد الاجراءات الواجب اتخاذها عند التحقيق فى قضايا الإغراق وكذلك الدعم والاجراءات الوقائية ضد الزيادة غير المبررة فى الواردات ، ولقد صدرت بالفعل قرارات بفرض هامش إغراق على بعض السلع المستوردة المذكورة آنفاً وأهمها الحديد المدرفل وأحواض الاستانليس ستيل والكبريت .
المراجع
1 ، 4 ، 5 – د عادل عبد العزيز " سياسة التجارة الخارجية فى اطار منظمة التجارة العالمية وآثارها على الاقتصاد المصرى " دار النهضة العربية ، 2002 صـ118 ، صــ407 ، صـ119
2 – البنك الاهلى المصرى ، النشرة الاقتصادية ، الإغراق حجر عثرة تعوق تنامى الصادرات المصرية ، المجلد الحادى والخمسون العدد الثانى ، 1998 صـ6 .
3 – اسامة المجذوب " الجات ، مصر والبلدان النامية من هافانا إلى مراكش " ، الدار المصرية اللبنانية ، القاهرة ، 1996 ، صـ 176 .
6 - Hans van Hautle “ the law of international trade K saeet & Maxwell , London , 1995 P .100
7 – Jackson Jhon . H “ the warld tbading System low and Policy of international economic Relation “ second edition , MIT psens , press , Cambridge , london , 1997 . P – 85
8 – د/ فخرى الفقى " منظمة التجارة العالمية – النتائج والانعكاسات على التجارة السلعية العالمية مع التطبيق على جمهورية مصر العربية " مجلة مصر المعاصرة ، العددان 441 ، 442 ، يناير – إبريل 1996 ، صـ 168 .
9 - البنك الاهلى المصري ، النشرة الاقتصادية " الصادرات المصرية الزراعية إلى اوربا وشروط الصحة النباتية " المجلد الحادى والخمسون – العدد الرابع 1998 صـ 5
10 – البنك الاهلى المصري ، النشرة الاقتصادية " الكوميسا بوابة مصر للنفاذ إلى السوق الافريقية " المجلد الحادى والخمسون والعدد الثانى 1998 صـ 7
11 – المجالس القومية المتخصصة ( 1992) دورة أورجواى ودلالاتها للاقتصاد المصرى ، تقرير القاهرة المجالس القومية المتخصصة " صـ 2 .
ساحة النقاش