الشفافية المالية والرقابة الدولية المستمرة لأرصدة وحسابات ذوي المناصب العامة
بقلم
الدكتورة / إسراء المغازي
أستاذ العلوم الادارية المساعد
من الغريب أن نجد العالم بأسره وعلى رأسهم الدول المتقدمة يدعون إلى الحرية وحكم الشعب والديمقراطية والمساءلة ، ونجد أن عمليات التربح لذوي المناصب العامة والأرصدة التي يمتلكونها لا تظهر ولا يعرف احد عنها إلا بعد الثورات و سقوط الانظمة ، ولكن هذا بالطبع ينطبق على الدول النامية فقط أو على الدول التي لديها أنظمة غير ديمقراطية بصورة عامة ، فأرصدة الرؤساء المخلوعين و ذوي المناصب المقربين منهم وعائلاتهم الذين تمت إدانتهم بالتربح من مناصبهم ، أو الذين تحوم حولهم شبهات حول حساباتهم في دول العالم ، الخائنون لبلادهم بأكثر من تهمة :
1- التربح من منصبهم ، وهذا التربح لا يأتي إلا عن طريق غير مشروع ( كالخيانة ) أو المتاجرة بمصالح شعوبهم أو عن طريق ظلم فئات معينة من شعوبهم واخذ حقوقهم .
2- التهمة الأهم والأخطر هي تسريب أموال البلاد إلى بنوك بلاد أخرى او شراء أصول في بلاد أجنبية ، فهذا يعني ليس فقط حصولهم على أموال الشعوب ونهبها بل تسليمها إلى بلاد أخرى مخافة المسآءلة.
والتساؤل الهام الآن كيف يمكن الحيلولة دون حدوث ذلك بدون ثورات وقبل نهب الثروات وقبل فوات الأوان ، فبعد الثورات تكون الدول المضيفة لهذه الأموال هي المصدر الوحيد لتقرير كمية المبالغ المنهوبة وكذلك تقرير هل سيسلمونها إلى بلادهم أم إنهم سيصرون على ألا يسلموا تلك الأموال بعد إدانة هؤلاء الأفراد ( ذوي السلطة ) ، وهذا بالطبع ما سيأخذ سنوات حتى تتم إدانتهم ، وقد تنسى تلك الأموال عن عمد حتى تظل الأموال في البلاد المضيفة وهي المستفيد الأول والأخير من تلك الخيانات .
إن الشفافية المالية لحسابات ذوى السلطة في البلاد والتي تلتزم بها العديد من البلدان ومنها الولايات المتحدة والتي تلزم رئيس البلاد بنشر تقرير مالي عن ممتلكاته وحساباته في جميع البنوك قبل توليه المنصب مع إلزامه أيضا بنشر تقارير دورية عنها أثناء توليه المنصب وأخيرا توضيح تلك الأرصدة في نهاية فتره حكمة البلاد . ولكن هذا ما يلتزم به رؤساء تلك الدول وماذا عن الحاشية والأقارب والمقربين ؟؟؟؟؟؟؟؟
إن الأمر يتطلب أكثر من ذلك وخاصة في البلدان النامية ، فلابد من معاهدة دولية تلتزم بها جميع دول العالم بأن تكشف عن ارصدة جميع من يتولون مناصب قيادية في جميع البلاد ، والتخلي عن قاعدة السرية المالية فليس هناك شك ان هذا الحق يجب ان يكون مكفولا فقط لمن لا يعمل بأي منصب قيادي أو عام ، أما من يرتضي ذلك المنصب لابد ان يخلع عنه تلك الحريات التي قد تكون الدافع الأول له للتربح من المنصب مطمئنا إلى ان هناك دولا مضيفة له ولأمواله تدعي بدافع المصلحة الشخصية لها ،الحرية والدفاع عن الحريات الشخصية ، فليس لمن يتقلد منصبا عاما الحق في أية خصوصية مالية وإلا إذا أراد عدم الخضوع لهذه الشفافية فعليه أن يخلع عنه عباءة السلطة ، ويرتدي ما يريد من عباءة السرية. أما قبل ذلك فليس لديه الحق فالأموال أموال الشعوب وليس له ولا لأي فرد أن يتنصل من حق الشعوب في معرفة كل ما يتعلق بقرارات وأرصدة المناصب العامة .
ولكن ما هو الميكانيزم السليم لتنفيذ وتأكيد ذلك ؟ أرى أن ذلك الميكانيزم يقوم على الخطوات التالية والتي يجب أن تتضافر فيها المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية ( مثل إنشاء فرع خاص بالأمم المتحدة للإفصاح عن الذمة المالية لذوى المناصب العامة فى كل البلدان ، فضلا عن منظمة الشفافية الدولية ) بالإضافة إلى التزام الدول بتحقيق وتأكيد هذه الآلية من خلال :
1- توزيع قائمة بأسماء جميع من يعتلون المناصب السياسية والعامة وأسرهم في جميع الدول على فروع الأمم المتحدة المختصة بالإفصاح عن الذمة المالية وكذلك فروع منظمة الشفافية العالمية في جميع بلدان العالم .
2- توزيع القائمة السابق الإشارة إليها على جميع البنوك المركزية في جميع الدول .
3- تحديد الحدود الدنيا والقصوي للدخل الشهري المتوقع لكل وظيفة بكل دولة ، وذلك بعد إقراراها ونشرها على موقع منظمة الشفافية المخصص لكل دولة .
4- التزام جميع الجهات الحكومية والبنوك في جميع دول العالم من الإخطار الفوري عن أية عمليات إيداع لأموال أو شراء أصول نقدية أو غير نقدية بأي اسم موجود في القائمة المذكورة أنفا .
5- قيام فروع الأمم المتحدة المختصة بالإفصاح عن الذمة المالية وكذلك فروع منظمة الشفافية العالمية في جميع بلدان في كل بلد بالمراجعة الدورية ( كل 6 شهور كحد أقصى ) لأرصدة الموجودين بالقائمة .
6- نشر جميع البيانات الواردة إليها عن طريق موقع الكتروني مخصص للشفافية المالية لكل دولة .
7- مراجعة الأسماء الموجودة بالقائمة عند كل تغيير جوهري بالاضافة أو شراء ، بالإضافة إلى المراجعة الدورية كل 6 شهور .
8- أضافة نصوص بقوانين الدول تتضمن حق أى مواطن أو أية منظمة مجتمع مدني - إقامة الدعوي القضائية ضد أي فرد يعتلي منصبا سياسيا أو عاما تتغير أرصدته بشكل مبالغ فيه بعد توليه المنصب بتقديم طلب محاسبته والتحقيق معه بتهمة التربح من المنصب العام .
وهذا من وجهة نظري سيكون كفيلا بعدم تضخيم أصول وحسابات هؤلاء مما يجعل من الصعب أن يعتلى ذلك المنصب من يريد التربح بل سيكون هناك معرفة ووضوح بأن العمل العام والسياسي سيكون لخدمة البلاد ومصلحتها . ولن تذهب أموال الشعوب الى خارج بلدانها حيث ان الذمة المالية لكل فرد في العالم كله ستكون واضحة وتتحدث عن نفسها مما يريح او يدعو لعدم القلق .وهذا سيدعوا العالم كله إلى احترام مقدرات جميع الدول ولن يتسنى لدولة أن تستضيف ثم تجمد ثم تؤمم ثروات بلدان أخرى تحت شعار الفساد ( الخصوصية المالية لأصحاب الحسابات من ذوى المناصب العامة مكفولة - كما هي للجميع )
و كفى الله البلدان العربية والاسلامية وجميع بلدان العالم من شر حاكم ظالم ، وسارق غافل .
د. إسراء المغازى
ساحة النقاش