من مالقة إلى غرناطة إلى الريف الأندلسي .. ثم إلى غرناطة ومنها إلى قرطبة فإشبيلية ثم ماربيّة ومرة أخرى إلى مالقة .. كانت هذه رحلتي في ربوع الأندلس والتي تعلمت فيها الكثير ، وأجمل ما فيها ما تعلمته ولا زلت أتعلمه حول انبعاث الإسلام في الأندلس من جديد .. نعم من جديد .. وهو ما يؤكد عليه الدكتور الشهيد علي الكتاني .. فقضية المورسكيين باتت حديثاً مُعاصراً .. والأندلس لم تعد حبراً على ورق وأصبحت منطقة حكم ذاتي من جديد واسمها الرسمي ( Andalucía أندلسيا ).. والشهيد بلاس إنفاتي .. الذي قضى نحبه مُجاهداً في سبيل الأندلس في القرن العشرين ( 1936 م ) .. والنشيد الوطني الأندلسي الجديد الذي ينشده أطفال الأندلسيين في المدراس ويتغنون فيه بأمجادهم .. والعلم الأندلسي المُعلق في كل الأنحاء ومعانيه ذات العلاقة بالتاريخ الإسلامي .. وغير هذا الكثير ، وقد دونت شيئاً من هذا ولا زال أمامي الكثير لأدونه تحت عنوان ” وعادت الأندلس ” !!
فإلى رحلة نجوب بها ربوع الأندلس:
للحرف العربي في الحمراء .. طعمه !!
يا إلهي ، كم كنت أفتخر بلغتي العربية ، بينما أتجول في ساحات قصر الحمراء ، بل بينما كُنت أتجول في بلاد الأندلس ،، خاصة ً عندما تكون مع نفر كبير من السيّاح الأجانب الذين يرونك تقرأ تلك الكلمات ، في قصر الحمراء ، في قصر إشبيلية ، في مسجد قرطبة ، في المتاحف .. بل تقرأ وتتذوق تلك الكلمات .. وهم لا يملكون سوى الدهشة والدهشة فقط ، من هذه الحروف العجيبة !!
الملك لله .. العزة لله .. القدرة لله !!
الاندلس واقع .. مش تاريخ غابر !!
يا إلهي ، ما أقبح الجهل ،، ذات يوم قلت لصديقي ،، أحلم بزيارة الأندلس ، فردني : ( شكلك ناوي تنحبس ، شو أندلس ما اندلس ، اوعا حدا يسمعك بكرا بقولوا هذا إرهابي وجاي يرجع الاندلس ، قول إسبانيا !! ) واراهن أن كثيرون من أصدقائي لا زالوا لا يعلمون أن جنوب إسبانية يسمى اليوم رسمياً بالأندلس أو ( اندلوثيا ) بالإسباني وذلك مُنذ اوائل القرن العشرين ، وأن هناك علم اندلسي وبرلمان أندلسي وشعراء أندلسيين جدد ، ونشيد وطني أندلسي ينشده الطلاب في المدارس .. يفتخرون فيه بأجدادهم ومجدهم .. وحتى أن عجوزاً كانت واقفة في الطابور إنتظار لدخول الحافلة التي نقلتنا من إشبيلية لمالقة .. قالت لنا عندما سألناها إن كانت إسبانيّة ، فأدهشتنا قائلة : أنا أندلسيّة !!
لافتة في طريق غرناطة .. تحمل إسم ” ولاية اندلوسيا ” ، الأندلس !
شركات النقل الأندلسيّة
قرطبة .. الحُب القديم !!
عشقي لقرطبة ، عشق قديم ، أسبابه كثيرة ، فعظمتها القديمة ، بأن كانت أعظم مُدن اوروبا في العصور الوسطى لا يثير فيَّ العجب عندما اسمع الشاعر ينشد : ( دع عنك حضرة بغداد و بهجتها و لا تعظم بلاد الفرس و الصين .. فما على الأرض قط مثل قرطبة .. ) وتاريخ العلم فيها لا زال يطربني كلما سمعت عنه وعن فضله في العلوم جمعاء بمكتباتها الزاخرة .. التي لا زالت تعود بالخير على العالم أجمع .. ونهرها الوادي الكبير لا زال يُزيّن المدينة بإسمه الذي لم يتغيّر وبهائه الذي لا ينتهي .. وإبنها ، إبن رُشد .. لا زال الفيلسوف الذي أثار العالم واثارني بعبقريته الجامعة بين العقل والدين .. ومسجدها الأعظم ، لا زال يُذكرني بمسجدي الأعظم ، بالمسجد الأقصى المُبارك !!
تم إلتقاط الصورة في مدينة قرطبة في صباح اليوم الثامن من شهر ايلول للعام 2011 ، وذلك من جوار مسجد قرطبة الأعظم .
غرناطة .. الحب الجديد !!
مدينة غرناطة ، ساحرة حتى اليوم ، ليس فقط لإحتوائها على قصر الحمراء العجيب ، وليس فقط لأن حي البايصن Albaicín لا زال فيه الكثير من ملامح الحياة العربية والإسلامية ككثرة التجار العرب هُناك.. ومسجد غرناطة الجامع الجديد النابض بالإسلام والذي يقوم عليه مسلمون إسبان .. وبعض البيوت الخالدة كبيت عائشة أم عبدالله المعروف بالصغير أو المسكين كما يسميه بعض اهل الأندلس .. ولا الازقة اللذيذة التي تذكرك بيافا ونابلس والقدس .. بل إن فيها أيضاً بوظة رائعة ورخيصة
بالمناسبة ، مدينة غرناطة كانت من أرخص المدن التي زرناها واروعها !!
حكايات الريف .. التي لم نسمعها !!
مع شدة حُبي لقرطبة مُنذ أن عرفتها .. ومع شدة تعلقي بغرناطة بعد زيارتها .. إلا ان شوقي للاندلس الان .. ينبع من شوقي للريف الاندلسي ،، حيث أقمت يومين في قرية الورود ( Alqueria de Rosales ) ، وكنت محظوظاً جداً ، بأن إجتمعت بالاخوين روميرو ، الباحثة أديبة والمخرج داوود ،، فسمعت من الكلام .. العجب العُجاب .. لدرجة أنني لم أستصعب أبداً أن اعترف بأنني جاهل في تاريخ الأندلس .. كيف لا وأنا أكتشف أن الإسلام لم يدخل الأندلس بالسيف .. وإن مقاومة الأندلسيين إستمرت حتى القرن التاسع عشر .. وأن القضية الأندلسيّة لا زالت حاضرة .. وأن اهل الأندلس لا زالوا يفتخرون بأصولهم .. ولا زالوا يعثرون على تُراث أجدادهم في جُدران منازلهم .. كل هذا واكثر !!
صور لقرية الورود .. ومركز الثغرة في الريف الاندلسي !
الخيول الاندلسية .. كأنها عربيّة .. في الريف
الأندلس .. مش بعيدة !!
أحب دائماً أن أذكر غيري ونفسي بأنني لست من عائلة ثريّة ولا ما يحزنون ، وأن رحلاتي تعود إلى سلوكيّات إقتصادية معينة أتبعها ، وألخصها بكلمة ( رحلتي تبدأ من وجبة الفلافل ) ، وليس هذا فحسب ، بل إن كثيرون يتصورون أن هكذا رحلات تكلف مبالغ طائلة ، إلا أنها ليست كذلك ، فيمكن اليوم إقتناص فرص للطيران بأسعار رخيصة جداً ، وهناك إمكانيات للنوم في خيم أو في Hostel ويمكن شراء الطعام من المطاعم الشعبية المتوفرة في كل مكان .. وأسعار الحافلات والتنقل معقولة .. وهذه الأمور ساحاول إثباتها بالأرقام .. إن شاء الله !!
انا .. إنفانتي .. والأمل !!
مُنذ أيام .. وأنا أقرأ في القضية الأندلسية المُعاصرة .. أقرأ بإستمتاع .. لسبب بسيط ،، لأنني عندما أرى الشهيد بلاس إنفانتي ينهض بالأندلسيين ليذكرهم بمجدهم وتاريخ أجدادهم المسلمين .. ويُطالب بإرجاع المورسكيين المطرودين من بلادهم ( الأندلس ) .. ويتجرأ بالحديث عن إستعادة أمجاد اللغة العربية في جنوب إسبانيا .. وذلك بعد حوالي 500 عام من سقوط غرناطة ، بل أنه نجح بجعل الأندلس منطقة حكم ذاتي ديمقراطي ، عاصمتها إشبيلية .. بالنسبة لي كفلسطيني ، فإن هذا دليل صارخ بأن الظلم لا يدوم .. وأن الحقوق لا تضيع ، مهما طال الزمان !!
عاشت فلسطين .. وعاشت الأندلس .. وعاشت كل قضايا المسلمين في كل مكان !!
المَعكوسة ..
للضوء وإنعكاساته في قصر الحمراء حكايات .. هذه إحداها وقد سميت الصورة بالمعكوسة للتشابه العجيب بين القصر وإنعكاسه على الماء ، فالجزء العلوي من الصورة هو انعكاس القصر واما السفلي فهو القصر الحقيقي !!
إقتباس مُدهش : قصر الحمراء هو إنتصار للرياضيات بقدر ما هو إنتصار للفنون المعمارية … البراعة الرياضيّة هي أصل جماله … من أجمل ما سمعت في وصف قصر الحمراء !!
قضيّتهم .. لا زالت في جُدران منازلهم !!
حتى موعد لقائي مع أول مورسكي ، لم أكن أعرف عنهم أي شيئ ، وأعترف أنني بمعرفتهم بدأت أعرف الاندلس حق المعرفة ، وأجمل ما فيهم ، أنهم لا زالوا يذكرون تاريخهم ، وحكايتهم مع النصرانية التي إضطروا لإعتناقها امام العالم ، والإسلام الذي إضطروا أن يُحافظوا عليهم في بيوتهم وبالسريّة التارمة ، وكذلك من أجمل ما فيهم أن بعضهم عثروا على ” إسلامهم ” بالصُدفة بينما كانوا يُرممون جُدارن بيوت أجدادهم ، الذين تركوا شيئاً من المخطوطات الإسلامية والمذكرات الشخصية المكتوبة باللغة الأعجميّة ( إسباني بحروف عربيّة ) .. تماماً كما حصل مع آل عزيز في فيلم ( المطرودون: 1609 ) .. وليس هذا فحسب ، بل إن إصرارهم وتأكيدهم على عدم نسيان قضيّتهم ، جعل اليوم قضيتهم تنهض من الأرشيف إلى طاولات المؤسسات الحقوقية ، ليُطالبوا بعودتهم إلى بلادهم الأصلية ، إلى الأندلس .. بل وجعلوني وكثيرون مثلي نُحب الأندلس .. ونُعجل زيارتنا لها !!
الصور مأخوذة عن فيلم : “المطرودون: 1609، مأساة الموريسكيين”
ساحة النقاش