السلبيات والإيجابيات
ظاهرة مقاهي الإنترنت
محمد العولقي
الحديث عن الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) حديثٌ متشعب وذو شجون بقدر تشعب وتنوع هذه الشبكة العنكبوتية المترامية الأطراف ، فما إن ظهرت خدمة الإنترنت في الساحة العربية والإسلامية وبالأخص في الشرق الإسلامي ( الشرق الأوسط )(1) إلا وانتشرت معها الخدمات المساعدة والمتطلبات التأسيسية لهذه الخدمة ، فنجد أن شركات الاتصال .. والكهرباء .. والإلكترونيات .. وخدمات الحاسب .. والبرمجة .. كلها لها صلات تختلف في قوتها ومدى ارتباطها بالحاجة المقدرة في تفعيل الشبكة العنكبوتية وتشغيلها من واحدةٍ لأخرى .
وتأسيساً على ماسبق نعلم أن الساعي للحصول على هذه الخدمة وللإبحار في سماء الشبكة العنكبوتية ؛ يحتاج لعدة متطلبات أساسية؛ لكي يبدأ بالإبحار .
وذلك يكمن في وجود : ( جهاز متطور .. فاكس مودم .. مزود للخدمة عن طريق الاتصالات ) هذا في الأصل .. ولا يخفى أن توفير مثل هذه المتطلبات لا يتأتى لكل إنسان خاصة في البلاد العربية والإسلامية؛ وذلك لضعف الدخل ؛ والتكاليف الباهظة التي توسَمُ بها هذه المتطلبات .


لذلك جاءت الفكرة المستقاة من الدول الغربية، وهي: توفير أماكن عامة توفر هذه الخدمة بمقابل زهيد في أماكن عامة ، علماً أن هذه الفكرة قد بدأتها في بلاد الغرب في جامعاتها، ومعاهدها، ومراكز أبحاثها ، ثم انتقلت لعامة الناس المريدين لها.
وقد انطلقت أول سلسلة في العالم من هذه المقاهي في عام 1995م في المملكة المتحدة؛ حيث تسمى هناك باسم:(YBERPUBS) (2).
وعندما أُريد توفير هذه الخدمة في المملكة كان الغرض منها تجارياً بحتاً بغض النظر عن العواقب (3). فجاءت الفكرة بمسمى ( مقاهي إنترنت ) امتلأت بها الأحياء في مختلف البقاع ..
وفي هذه الأسطر سنتطرق باقتضاب ل (مقاهي الإنترنت)، وذلك من خلال المحاور التالية : (خلفيات نشوئها وانتشارها مكونات المقاهي أصناف الطبقة المرتادة لها السلبيات الناشئة منها الإيجابيات).
خلفيات نشوئها وانتشارها:
لعلنا تطرقنا لشيء من هذا في المقدمة ، وقلنا: إن التكاليف الباهظة، وقلة الدخل هما السببان الرئيسان لنشوء تلك المقاهي . وتوجد أسباب أخرى: كأن تكون هذه المقاهي مكاناً مناسباً للزائرين من خارج المدينة كالطلاب، وأصحاب البعثات ونحوهم ممن لا يتنقلون، ولا يمتلكون أجهزة الحاسوب المحمولة. وأيضاً من مسوغات انتشارها: الربح الناتج من تشغيلها؛ وذلك يرجع إلى سعر الساعة الواحدة في المقهى الذي يتراوح بين (15 إلى 8 ) ريالات للساعة الواحدة .وهذا يعتبر ثمناً باهظاً لو نظرنا إلى قيمة الاشتراك بالمزود الشخصي عن طريق شركات البطاقات المدفوعة؛ حيث نجد أنها في الغالب تبلغ: تكلفة الساعة (ريالان) أو أقل أحياناً، وفي كل يوم تنخفض القيمة بسبب التنافس المحموم بين الشركات التي توفر هذه الخدمة لزبائنها.
مكونات المقاهي:
مكونات المقاهي والهيئة التشكيلية لها اشتراكها في عنصر واحد أساسي وهو الذي قامت من أجله:
أجهزة الحاسب الآلي ، وملحقاتها التي تزودها بالاتصال بالشبكة العنكبوتية .
وتشمل بعض المقاهي إضافةً للأجهزة على ركن للمشروبات الساخنة والحارة، وتتفاوت أسعارها من الأسعار التقليدية إلى الأسعار الباهظة بحسب فخامة المقهى .
كما تحوي بعض المقاهي صالة ألعاب وبالأخص لعبة (البلياردو)؛ وقد يضاف إليها (تنس الطاولة)، وهذا يتطلب مكاناً رحباً .
هذه باقتضاب مكونات مقاهي الإنترنت، وقد تفاوتت في خدماتها؛ فمنها ما اقتصر على الإنترنت، ومنها ما أضاف ركن المشروبات، والبعض جمع بينها كلها (4).
أصناف الطبقة المرتادة لها:
قبل أن نخوض في أصناف المرتادين؛ يستحسن أن نعرج على سبب الإقبال على مقاهي الإنترنت.. وسنذكر هنا باقتضاب أهم الأسباب المؤدية لزيادة الإقبال على هذه المقاهي غير ما ذكر سابقاً :
1 إهمال الآباء، وضعف مراقبة الأسر لأبنائهم؛ ففي إحصائية وجد أن (55%) من رواد المقاهي من الأبناء لا يعلم أهلوهم بوضعهم (5).
2 الفراغ الممتد في يوم الشاب والفرار من الأعمال الجادة.
3 توفر السيولة المالية لدى كثير من الشباب.
4 لا يمكن إجراء رقابة صارمة أو محكمة على هذه الخدمة؛ لأنها شبكة دولية تتجدد فيها المواقع خلال الدقيقة الواحدة.
5 الفضول والبحث عن الممنوع دون أي رقيب، أو حسيب من البشر.
6 أن الكثيرين من الذين يقومون بعمليات التخريب على أجهزة الآخرين يمكن التعرف عليهم فيما لو استعملوا أجهزتهم الشخصية؛ فيلجأون إلى هذه المقاهي لتقيد جرائمهم ضد مجهول.
7 تحفظ كثير من الأسر من إدخال الإنترنت في البيوت جعل العديد من الشباب يبحثون عن المتعة من خلال هذه المقاهي.
أما أصناف المرتادين من جهة أعمارهم فسأضع بين يديك أخي القارئ بعض الأرقام المخيفة والمهولة؛ علك أن تدرك شيئاً من أوجه الخطورة المتربصة بالشباب الناشيء:
1 في استبانة وزعتها مجلة خليجية على عدد من مقاهي الإنترنت وجد أن (80%) من مرتادي هذه المقاهي أعمارهم أقل من (30) سنة(6).
2 تقول إحصائية أخرى: إن (80%) من رواد مقاهي الإنترنت في سن خطرة وحرجة جداً..!!
سلبيات المقاهي :
إن المشاهد لتلك المقاهي وروادها من الشباب لا يستطيع أن يتغافل عن المساوئ التي انتجتها تلك المقاهي، وإن لم يكن أصحاب تلك المقاهي قاصدين ذلك ، ولكن عندما يكون روادُ تلك المقاهي من الناشئة والشباب الطموح نعلم مدى سلبيتها التي تنعكس على الكثيرين وليس الكل ، ولعلنا نبرز المساوئ والسلبيات فيما يلي :
1- الحرية في استخدام الشبكة في الأمور المحرمة شرعاً كالمواقع الجنسية المترامية الأطراف ، وهناك احصائية مهولة بعدد المواقع الجنسية على الشبكة العنكبوتيه، وضحايا تلك المواقع من الشباب والمراهقين كثيرون جداً.
وتذكر الإحصائيات أن الصفحات الإباحية يبلغ عدد زوارها (280034) وبعضها يستقبل أكثر من (2000) زائر يومياً.
2- استخدام الحاسب في التعدي على الغير ، وممارسة تخريب واختراق أجهزة المستخدمين؛ بحيث يأمن أنه لن يخسر شيئاً لو تعرض جهازه الذي يعمل من خلاله لأي اختراق أو تخريب.
3- ضياع الوقت الكبير مع توفير الجو المساعد للبقاء في المقهى، كأن يتم إنقاص سعر الساعة في مقابل استخدام ساعتين فأكثر؛ مما يُسيل لعاب المرتاد ، خاصة إذا علمنا أن غالب تلك الأجهزة بطيئة جداً ؛ يستغرق فتح الموقع فيها والتحميل وقتاً طويلاً نسبياً.
وإليك أيها القارئ هذه الإحصائيات في إهدار الأوقات الطائلة في تلك المقاهي:
في استبانة وزعت في (مقاهي الإنترنت) في دولة خليجية وجد أن (68%) من مرتادي هذه المقاهي يقضون أكثر من (3) ساعات يومياً على الإنترنت.
ومنهم من يزيد على (10) سنوات.
ويذكر أن أحد زبائن مقهى الإنترنت يجلس (16) ساعة يومياً على الرغم من كونه موظفاً يذهب للدوام الوظيفي للتوقيع وتوزيع الابتسامات فقط، يقول صاحب المقهى: "يجلس معنا في المقهى من الظهيرة إلى صباح اليوم التالي؛ يضيع وقته في المحادثة فقط".
وقال صاحب مقهى إنترنت آخر: "من أغرب الأمور ولعلك لا تصدقها.. لدينا زبون لايذهب إلى المنزل إلا ساعة واحدة فقط يومياً، ويقضي يومه بالكامل أمام الإنترنت، ويتراوح عمره بين (29 30) سنة، ويقضي معظم الوقت في المحادثة"(7).
وجاءت نتيجة استبانة (مجلة سعودية) بعد زيارة لعدد من مقاهي الإنترنت لتؤكد خطورة هذه الشبكة على كثير من الشباب.. فمما ذكر فيها:
أ (60%) من رواد المقاهي يقضون أوقاتهم في مواقع المحادثة (chatting) أو ما يسمى بغرفة (الدردشة).
ب (20%) للمواقع الثقافية.
ج (12%) للمواقع الطبية، والحاسوبية، والتجارية.
د (8%) للمواقع السياسية(8).
4- الجو غير الصحي لهذه المقاهي ، فرائحة السجائر أمرٌ مشاع في غالب المقاهي إن لم يكن كلّها؛ مما يسبب بعض الأمراض الناتجة عن استنشاق الروائح المنبعثة من تلك السجائر المحرمة شرعاً، هذا مع وجود بعض الأحداث الذين يستمرئون استنشاق الدخان ومن ثمَّ شربه . وأيضاً وضع بعض المقاهي شاشات تعرض بعض القنوات الفضائية الخليعة ناهيك عن الموسيقى الهادئة التي تعم أرجاء المكان، وهذا كله من المحرمات.
5- اجتماع فئات قد لا تكون في الأعم الأغلب صالحة أو ممن يحسن الاجتماع بهم؛ مما تنشئ لنا مع الزمن أصدقاء مقاه لا يعلم حالهم .
إيجابيات المقاهي:
الإيجابيات والمنافع التي ترجى من تلك المقاهي قد تكون ضئيلة في ظل التكلفة الباهظة لها، والمفاسد الشرعية التي تحتف بها.
لكن ومن باب العدل لابد من ذكر إيجابياتها، فمما جاءت به تلك المقاهي:
1 تهيئة المكان والجهاز بأوضاع مناسبة غالباً ، مع الخدمة المتميزة بمتابعة المرتاد، وتلبية طلباته تقنياً وتعليمياً .
2 تمكين الزائرين القادمين من خارج المدينة من التصفح والاطلاع، وإنجاز أعمالهم عن طريق المقهى .
3 اتصال المغتربين القادمين من بلدان شتّى، وتمكينهم من محادثة أقاربهم وذويهم عن طريق بعض البرامج المساعدة لذلك كتابةً كانت أم صوتية.
4 استخدام المقاهي كبديل لمن تعرض جهازة للعطل، حيث يمضي فيه بعض الوقت لإنجاز أعماله ريثما ينتهي إصلاح جهازة الخاص.
فتوى في مقاهي الإنترنت:
سئل عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ الدكتور عبدالله المطلق عن مقاهي الإنترنت، وحكمها، وحكم ارتيادها، فأجاب قائلاً:
"مقاهي (الإنترنت) الموجودة الآن معظمها يظهر عليها الاستعمال السيئ ، فكثير من الشباب يستغلونها في الإيذاء والمغازلات المحظورة شرعاً ، وبما أنه غلب عليها هذه الصفة فإنها تصبح حينئذ محرمة . لماذا؟ لأن أغلب مرتادي المقهى إنما يطلبون هذا الأمر ، ولو ظهر أن هناك مقهى اشترط الدخول إلى المواقع النافعة، والاستفادة من العلوم والتقنيات المعاصرة مما عند الآخرين فتكون حينئذ من الأمور المشروعة الطيبة، وينبغي تشجيعها والاستفادة منها ، لكن الذي نعرفه الآن من هذه المقاهي أنها تعطي الشاب الحرية في الوصول إلى ما يريد، وهذه أصبحت الآن مثل السفر إلى الخارج. وبات مألوفاً أن بعض البلدان إنما يسافر الناس إليها للفساد؛ ولهذا لو سُئلنا عن السفر إليها فإننا ننهي عنها؛ لأننا نعرف أن هذه البلاد منذ أن يصل الإنسان فيها إلى المطار وهو يُدعى إلى الفساد، فلذلك يحذر العالمُ الناسَ من الذهاب إلى هذه البلاد فمثل هذا يشاكل المقاهي التي تكون مدخلاً سلبياً يرتادها الشباب للإيذاء، والدخول إلى المناطق المحظورة، والاطلاع فيها فإن هذا مضر ولا يجوز أبداً للمسلم أن يتجر فيها، ولا أن يكسب مالاً من تسهيل المحرمات على أبناء المسلمين"أه.
هذا ما أسعفني به الخاطر في هذه العجالة، وظاهرة المقاهي حرية بالتوقف عندها، وإجراء الإحصائيات لقياس مدى تأثيرها على الشباب والنشء.. لكن المتابع لها، والناظر لحالها يعلم أن ضررها أكثر من نفعها، وشرها أظهر من خيرها إن وجد.
والله الموفق.

TMAWAHEB

خالد سويدان

  • Currently 87/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
29 تصويتات / 8091 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

55,366