لدينا مشكلة فى التعرف على مزاج المصريين ومواقفهم. حيث لا يستطيع أحد أن يدلنا ولو على نحو تقريبى هم مع ماذا أو ضد ماذا. ذلك أن المنابر التى من خلالها تستطيع التعرف على الانطباعات العاكسة للمزاج العام تكاد تكون محصورة الآن فى أربعة هى: مليونيات يوم الجمعة والبرامج الحوارية التى ثبتها قنوات التليفزيون. وما تنشره صحف الصباح من تعليقات. ومواقع التواصل الاجتماعى عبر الإنترنت. لكن هذه المنابر كلها مجرحة، بمعنى أنه يتعذر التعويل عليها فى تحديد اتجاهات الرأى العام فى مصر. وغاية ما يمكن أن يقال بحقها أنها تعبر عن وجهة نظر بعض المصريين الذين يتعذر اعتبارهم عينة يعتمد عليها فى التعرف على المزاج العام، أستثنى المليونيات التى خرجت أيام الثورة لسببين رئيسيين أولهما الأعداد الضخمة التى شاركت فيها، وثانيها انتشار التظاهرات الغاضبة فى مختلف المحافظات المصرية، الأمر الذى أعطى انطباعا أكيدا بأن ثمة إجماعا شعبيا على رفض النظام. حتى المليونيات التى خرجت بعد ذلك أشك فى أنها معبرة بصورة كافية عن المزاج العام، لأنها تحسب لصالح الفئات التى دعت إليها. 
تعليقات الصحف وبرامج التليفزيون تعبر فى أغلبها عن رأى أصحابها أو الاتجاهات التى ينتمون إليها، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعى المقصورة على الشرائح التى يتعامل مع الإنترنت. وشأنها شأن ما تنشره الصحف ويبثه التليفزيون. تظل عاكسة لجانب من الصورة ويتعذر اعتمادها باعتبارها تمثيلا لكل الصورة.
 
ما دعانى إلى مناقشة هذا الموضوع أننى وقعت يوم الأحد الماضى (2/9) على نتائج استطلاع أجرى فى تركيا ونشرته صحيفة «خبر ترك» ذكر أن شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم وصلت فى أول شهر أكتوبر إلى 52.1٪ فى حين أنها كانت 50٪ فقط فى أول شهر يونيو الماضى. استغربت الخبر، لأنه انصب على مؤشرات شعبية الحزب الحاكم خلال أربعة أشهر وغاظنى التدقيق فى النسبة لدرجة الحرص على ذكر الواحد من عشرة! فى نفس اليوم، قرأت نتائج استطلاع عن اتجاهات الرأى العام الإسرائيلى نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت (فى 28/9)، وأجرته قبل النشر بثلاثة أيام خبيرة معروفة هى الدكتور مينا تسيمح. وكان من بين تلك النتائج ما يلى: 88٪ من الجمهور يرون أن مزاجهم العام جيد بل جيد جدا ــ 66٪ لا يؤمنون بأنه لن يكون هناك سلام مع الفلسطينيين على الإطلاق ــ 67٪ مقتنعون بأن رئيس الحكومة لا يمكن بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين ــ 45٪ من الإسرائيليين لديهم مخاوف عن استمرار وجود دولة إسرائىل بمعنى أنهم يشعرون بتهديد وجودى رغم وضعهم الجيد.
 
يشعر المرء بالغيظ والحزن حين يقارن بين ما يقرؤه عن وضوح الخرائط السياسية والاجتماعية فى مثل هذه الدولة وغيرها بالضباب المعرفى الذى يحيط بنا. خصوصا فى ظل تباين الاجتهادات والرؤى فى قراءة وضع مصر بعد سبعة أشهر من قيام الثورة، بين متفائلين ومتشائمين ومحبطين. الأمر الذى يجعلنا فى حيرة من الأمر، لأننا لا نكاد نعرف أى من تلك الاجتهادات يعبر عن المزاج العام إذ ليس بمقدرونا أن نعرف رأى الناس فى الثورة أو المجلس العسكرى أو حكومة الدكتور عصام شرف. كما أننا لا نعرف شيئا فى أوزان القوى السياسية التى تحفل بها الساحة.. إلى غير ذلك من التساؤلات المعلقة التى تظل بلا إجابة.
 
سألت أهل الاختصاص فقالوا إنه لا توجد فى مصر جهة مستقلة يمكن التعويل عليها فى قياسات الرأى العام. حتى مركز معلومات مجلس الوزراء مشكوك فى حياده. لأسباب مفهومة، صحيح أن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ومركز البحوث الاجتماعية يجريان دراسات لها صلة بالرأى العام، لكنها تظل جهودا محدودة لا يعتد بها فى مواكبة تحركات ومؤشرات المزاج العام فى البلد.
 
لا يحتاج هذا الغياب إلى جهد فى تفسيره، لأنه إذا كان الرأى العام ليس مهما فى رسم السياسات وطالما أن أولى الأمر يتصرفون فى الشأن العام بمعزل عن الرأى العام، فليس هناك ما يبرر الانشغال بقياساته ورصد توجهاته، بالتالى فإننا لسنا بصدد أزمة فى استطلاعات الرأى بقدر ما أنها أزمة ديمقراطية. وهذه يجب أن تحل أولا بما يعيد للرأى العام اعتباره، لكى تصبح قياساته بعد ذلك أمرا مطلوبا.

 

 

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 224 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

722,005

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته