لا تجلدونا من فضلكم 

 يبدو أن إسراف المتظاهرين فى التعبير عن غضبهم مساء جمعة «تصحيح المسار» قوبل بإسراف مماثل فى الإدانة والتنديد من جانب السلطة. وإذا كان الأولون يعذرون فى بعض الممارسات ويعاتبون على بعض الممارسات فى تلك الليلة، فإن إسراف السلطة فى التقريع والتنديد يثير الدهشة ويبعث على الحيرة.
إذا صحت قراءتنا للبيان الذى ألقاه وزير الإعلام أمس الأول فى أعقاب الاجتماع المشترك للمجلس العسكرى مع الحكومة، فإن مسألة التظاهر ضد السفارة الإسرائيلية واقتحام بعض مكاتبها هى القضية المحورية التى أثارت الانفعال واستدعت الحديث عن تهديد هيبة مصر وسمعتها، وعن المحنة الخطيرة التى يواجهها الوطن.
لست مع اقتحام مكاتب السفارة الإسرائيلية، لكننى أرى فيما حدث من اقتحام وانزال للعلم وتحطيم للسور وترديد هتافات عدائية ضد الإسرائيليين ومن لف لفهم، تعبير رمزى عن كم البغض الذى يكنه الشعب المصرى للسياسة الإسرائيلية خصوصا بعد قتل المصريين الستة مؤخرا، علما بأن كل ما فعله المصريون الغاضبون لا يمكن أن يقاس أو يقارن بما يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين علما بأن الممارسات والجرائم التى ترتكب بحق الفلسطينيين تعد طقسا يوميا، كما أنها أكثر جسامة وأعمق أثرا مما أقدم عليه المتظاهرون المصريون فى كل تجليات غضبهم.
لم أفهم لماذا أثيرت مسألة هيبة الدولة فى البيان، لأننى أزعم أن قتل العسكريين المصريين الستة برصاص الجيش الإسرائيلى فى 20 أغسطس الماضى مع سبق الإصرار والعمد، ينال من هيبة الدولة المصرية، بأكثر مما ينال منها اقتحام بعض الشبان الغاضبين لمكاتب السفارة الإسرائيلية وتعارض ذلك مع اتفاقيات جنيف. التى لم تحترمها إسرائيل يوما ما، وإنما تخصصت فى إهدارها والاستهتار بأحكامها.
ان إسرائيل التى نؤِّنب أنفسنا ونجلد ذواتنا لأن بعض شبابنا اعتدوا على مكاتبها، هى ذاتها التى انقضَّت على سفينة الإغاثة التركية «مرمرة» وتعمدت قتل تسعة من أبنائها، رغم أن السفينة كانت فى المياه الدولية ولم يثبت أنها حملت سلاحا من أى نوع، الأمر الذى اعتبرته الحكومة التركية إهانة لها، واتخذت بحق إسرائيل عدة إجراءات حازمة عقابا لها.
كان يمكن بدورنا أن نعرب عن الأسف لأن بعض شبابنا ارتكبوا خطأ بحق السفارة التى يفترض أن تتمتع بالحصانة حسب القوانين السارية. لكننا كان ينبغى أن نقول إن ما دفع الشبان للإقدام على اقتحام السفارة، هو بالأساس كم الجرائم الإسرائيلية التى ارتكبوها ولايزالون يقترفونها بحق المصريين والفلسطينيين.
يحضرنى فى هذا السؤال سؤال أطرحه راجيا ألا «يزعل» منه أحد، هو: ترى لو أن المجلس العسكرى اتخذ موقفا حازما وشجاعا (قريبا مما اتخذته الحكومة التركية) بعد قتل المصريين الخمسة فى سيناء (السادس أسلم الروح خلال الـ48 ساعة الأخيرة)، هل كان يمكن أن ينفجر الموقف أمام السفارة الإسرائيلية على النحو الذى رأيناه؟ ــ ذلك أننى أزعم أن رد الفعل الرسمى المصرى جاء بكثير دون مشاعر الغضب والمهانة التى شاعت بين المصريين بعد إذاعة خبر قتل الجنود فى سيناء، وبالتالى فإن الجماهير المصرية تصرفت بصورة تلقائية وحاولت أن تصوب القرار الرسمى، وتوصل الرسالة إلى السلطات الإسرائيلية كاملة وغير منقوصة قدر الإمكان.
بكلام آخر فإننى لست معنيا كثيرا برأى «الخواجات» فينا، لكنى معنى أكثر بالدفاع عن كرامة الشعب الذى أراق الإسرائيليون دماء أبنائه ورفضوا أن يعتذروا عن جريمة جيشهم، علما بأن الخواجات سوف يحترموننا أكثر إذا ما تمسكنا بالدفاع عن حقوقنا، وليس إذا تهاونا وفرطنا فى تلك الحقوق.
بقيت عندى ثلاثة اسئلة هى: هل يعقل أن يتحدث البيان الرسمى عن مخطط داخلى وخارجى يستهدف اسقاط مصر وإحراجها أمام المجتمع الدولى، دون أن يحدد لنا من وراء ذلك المخطط الجهنمى؟ ثم: لماذا غاب الأمن عن حراسة السفارة الإسرائيلية أثناء المظاهرة، وبماذا يفسر انقضاضه بعد ذلك على المتظاهرين، وبماذا نفسر هذه المفارقة؟ أما السؤال الثالث فهو كالتالى: هل هناك علاقة بين إسراف البيان الرسمى فى التنديد بالمتظاهرين، وبين الضغوط التى نقلها الأمريكيون إلى الجهات المعنية فى مصر، وإنذارها بأنها ستواجه عواقب وخيمة إذا لم توفر الحماية الكافية للسفارة الإسرائيلية كما ذكرت صحيفة «هاآرتس» أول أمس (السبت 10/9).

المصدر: الشروق / بقلم : فهمي هويدي
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 364 مشاهدة

ساحة النقاش

TAHA GIBBA

TAHAGIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

721,399

السلام عليكم ورحمة الله وبركات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته