بداية  لابد أن نسلم بأنه لا يمكن أن تقوم حضارة أو تقدم إنسانى  بلا منظومة نقل جيد تتناسب مع  حجم آمال وطموحات الشعوب فى التقدم والرقى والتمدد الجغرافى للتنمية  .

 وأيضا لا يمكن قبول ضخ إستثمارت لتطوير منظومة النقل المصرية  إلا بعد الإستخدام  الأمثل للمتاح وخاصة بعد التكاليف الباهظة التى تحملها الشعب المصرى على مدىعشرات السنين لتطوير منظومة النقل بأنواعه ولكن الإدارة كانت المعوق الرئيسى  لتحديدها أولويات التشغيل بعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن والمطلوب الأن تفعيل ما هو قائم فعلا  وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية الضيقة  إذا أرادت الإدارة الحالية الخروج من دائرة النزيف الإقتصادى و التى تحت أيديها أكوام من الدراسات والأبحاث الجاهزة للتطبيق والخاصة بتطوير إستخدامات عناصر منظومة النقل فى مصر .

فمصر من الدول التى تتميز بإمتلاكها  مختلف وسائط النقل  (  بحرى  - نهرى – سكة حديد – طيران – برى  ) وكان يجب  أن تكون هناك برامج للربط بين تلك الوسائط والإستفادة من هذه المنظومة وعلى نطاق واسع يشمل كامل مصر وبما يحقق المصلحة الإقتصادية لمصر وشعبها الصابر ولكن ماحدث هو العكس  مما تسبب فى إهدار فرص الإستفادة من  إستثمارات مهدرة أنفقت  بالفعل على قطاع النقل بكل مكوناته وعناصره وخاصة منظومة النقل النهرى التى لم تستغلها الدولة  وضياع فرص إقتصادية هائلة كانت متاحة  لمصر تتمثل فى .

أولا : - تلك الإستثمارات المعطلة سواء كانت منح أو  قروض خارجية أو داخلية تمثل فوائد خدمة الدين لها  عبء على الدولة  التى أنفقتها  ولم تستفيد منها  بما يمثل فرصة ضائعة  .

ثانيا : -   هذه الإستثمارات المعطلة كان يمكن الإستفادة منها فى  إنشاء مشروعات أخرى أو لتحسين وتطوير خدمات مرافق قائمة ترفع من مستوى خدماتها للمواطن المصرى والمساهمة فى تشغيل شباب عاطل مما يمثل فرصة ضائعة .

ثالثا : -  تشغيل مشروعات النقل والتى أنفقت عليها  تلك الإستثمارات بشكل تكاملى كان سيوفر على الدولة  الكثير إقتصاديا وبيئيا مما يمثل فرصة ضائعة .

 و لسبب ما غير مفهوم أحجمت الإدارة المصرية طيلة  ما يقرب من 30 عام عن الإستفادة من هذه الإستثمارات رغم  أنها  متاحة بالفعل  .

وما يجب اليوم هو الإستفادة من أخطاء الإدارة  السابقة  فى التعامل مع منظومة النقل المصرية وإعادة ترتيب أولويات تشغيل وسائط النقل و لابد من إعداد خطط وبرامج تكامل  تلك الوسائط التى تمكن مصر من الإستفاده مما تملكه بالفعل   وبعد مرور عشرات السنين  على الإهمال وكأنه  مقصود وفيما يشبه تعمد الإدارة  السابقة لعدم إستفادة الدولة المصرية مما أنفقته من إستثمارات ونرىذلك التعمد فى تشجيع الإدارة المصرية السابقة الإعتماد الكبير فى النقل على الشاحنات وإهمال الوسائط الأخرى الأقل تكلفة فى التشغيل  والأكثر  أمانا  والأقل مخاطر وما سببه هذا التوجه  من خسائر باهظة للإقتصاد القومى المصرى  .

 

مجددا ما أقوله ليس بالكلام الجديد  ولكن هو  موجود بالفعل  فى دراسات  تفصيلية كثيرة ومتراكمة  وهذا مكمن الخطر فكيف لإدارة دولة فقيرة أن تضرب بتلك الدراسات  عرض الحائط  وتصر على الخيار الخاطىء وتهدر ثروات الشعب  الفقير وعلى إدارة الدولة المصرية تعظيم دور النقل النهرى فى خدمة الإقتصاد القومى المصرى  .

من المسلم به  أن مصر  حباها الله بمجرى  ملاحى يخترقها من أقصى جنوبها  لأقصى شمالها  ولكن إدارة الدولة منذ 1990  إتخذت قرار بحرمان هذا الشعب  من وسيلة نقل  رخيصة  يصنع 70 % من وحداتها الناقة  محليا  و لا أفهم لماذا تصر إدارة  الدولة على إستخدام وسائل  نقل أخرى  تستوردها بالكامل وقطع غيارها من الخارج وبالدولار المحقق من إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج و الذى كان يجب إستخدامه  فى مشروعات التصنيع  وتحسين المرافق  لخدمة هذا الشعب المنكوب بمن يديروا شأنه .

فالنقل النهرى  كوسيلة مهمة  من وسائل النقل متعدد الوسائط لما يتميز به من قلة التكلفة  والأمان وقلة استهلاك الوقود وبالتالى هو وسيلة صديقة للبيئة  وميزة إقتصادية هائلة لبلد يستورد الوقود والطاقة فضلا عن قدرته على نقل  الحمولات الغير تقليدية والتى لا يمكن نقلها بالشاحناتالبرية  أو السكة الحديد .

 ويكفى أن نعرف أن الخسائر الناشئة  عن حوادث الطرق تكلف مصر سنويا 8 مليار جنيه مصرى  كان يمكن  تقليلها  إن تم تقليل كثافة مرور شاحنات نقل البضائع على الطرق والتى تسبب الكوارث المرورية  والإقتصادية لمصر وبإستثمار جزء منها فى تطوير  منظومة النقل النهرى .

و نذكر مثال  واحد يوضح كارثة إقتصادية على مصر وشعبها  بإصرار إدارة  الدولة  الإعتماد على وسائل نقل  مكلفة  بينما تهمل إستخدام وسيلة متوافرة تحت أيديها  قليلة الإستثمارات  فى بنيتها التحتية  قليلة الإستثمارات فى صيانة عناصر تشغيلها .

ونضرب مثلا  لذلك  بأسطول نهرى ( دافع ومدفوع  أى وحدة  بها محركات وتحمل بضاعة تدفع أمامها وحدة أخرى تحمل بضاعة  وليس بها محركات  وتعتمد فى حركتها على دفع الوحدة الدافعة ) تصل حمولة الأسطول  الدافع والمدفوع معا فى حدود 900 طن  قدرة المحركات التى  تستخدم لتسييرها  محركين كل محرك  قدرة 230 حصان  بإجمالى 460 حصان  .

الشاحنات البرية  المطلوبة لنقل  حمولة مكافئة  لحمولة هذا الأسطول النهرى  ( 900 طن )  بفرض أن حمولة الشاحنة  40 طن  سنحتاج إلى 23 شاحنة نقل برى  تحتاج قدرة حصانية  لتحريكها  قدرها 7200 حصان .

لو تم نقل شحنة مكافئة  لحمولة شحنة أسطول نقل نهرى  ( 900 طن ) بالقطار  فسنحتاج قطار  طوله 30 عربة حمولة العربة الواحدة 30 طن تحتاج قدرة محركة قدرها 1600 حصان .

فضلا عن ما سبق وذكرناه من أنه يتم تصنيع 70 % من قيمة الوحدة النهرية محليا وإستيراد 100 % من  الشاحنات البرية والقطارات فنجد أن التكلفة  الإستثمارية لتطوير مجرى ملاحى بطول 1500 كيلو متر بما فى ذلك من أهوسة  وموانى ومراسى ستكون فى حدود 900 مليون جنيه  بينما التكلفة ألإستثمارية لإنشاء طريق برى بنفس الطول  بدون حساب نزع ملكية الأراضى  فى مسار  ذلك الطريق ستتخطى ال3000 مليون جنيه  وسنجد تكلفة إنشاء خط سكة حديد بنفس الطول وبدون كبارى او محطات  تبلغ 6000 مليون جنيه ( لم نتمكن من تحديث  التكلفة الإستثمارية  للوسائل الثلاثة  والأرقام الموجودة  منذ 2010 )  .

فبأى عقل تصر الدولة على  تشجيع  هذا النمط  من وسائط النقل  وتهمل  أرخص وسيلة   متوفرة فعلا  لديها والتى إن رفعت طاقة النقل بها  إلى 30 % من حجم النقليات  فى مصر  ستوفر 30 % من حجم الوقود المستخدم فى النقل البرى  بما يساعد على سد الفجوة والعجز الهائل فى إستهلاك الوقود .

ثم أن علاج بطء الوحدات النهرية  يمكن علاجه بتصميمات مصرية  لزيادة سرعات وحمولات  الوحدات النهرية وبخامات محلية  وكذلك  تطوير قطاع المجرى الملاحى وزيادة الغاطس  بأعمال التطهير  للطمى الذى يمكن أن يستخدم لزيادة الرقعة الزراعية على جانبى المجرى الملاحى للنيل  وخاصة فى الوجه القبلى وتقليل مساحة المسطح المائى المعرض للبخر  مما يوفر مليارات الأمتار المكعبة  وكذلك تحديد المجرى الملاحى  فى نهر النيل وفروعه والرياحات والترع الملاحية بالشمندورات والعلامات الإرشادية  التى  تعمل بالطاقة الشمسية  وتفعيل الملاحة النهرية ليلا  .

   ولذا يجب على  إدارة الدولة المصرية تعظيم دور النقل النهرى  والإستفادة من مميزاته العديدة  ويجب على الدولة   ربط  النقل النهرى بموانى السويس وبورسعيد  وتفعيل النقل النهرى  من ميناء دمياط وتنشيط النقل النهرى من ميناء الإسكندرية  ويجب التنسيق بين وزارة النقل ووزارة الرى وكذلك إنشاء صوامع الغلال على طول المجرى الملاحى .

 

وإن شاء الله المقال القادم سنخصصه للملاحة النهرية فى محافظة دمياط وما تشهده من إهمال  والنقل النهرى من ميناء دمياط  إلى محافظات مصر  ال15 الواقعة على  المجرى الملاحى لنهر النيل وفروعه  . 

 

مهندس / أحمد حسين مجاهد

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 12 فبراير 2018 بواسطة Shiphousemisr

عدد زيارات الموقع

2,979