استهداف المسيحيين العرب: علامات استفهام كثيرة؟
تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية تنذر بمرحلة خطيرة
بقلم: زياد ابوشاويش
في البحث عن الأسباب والدوافع ارتباطاً بصاحب المصلحة فيما جرى ويجري من إرهاب وقتل للمسيحيين العرب في أكثر من بلد عربي سنجد الإجابة واضحة في نتائج تصب في خدمة "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية.
على رأس المصلحة الإسرائيلية يأتي هدف ضرب الجبهة الداخلية لمصر والعراق وسورية ولبنان ويقع هذا الهدف في أولويات السياسة الصهيونية، ويلتقي ذلك مع ذات الرغبة الأمريكية في إضعاف حلفائها الثانويين لإحكام السيطرة والتحكم فيهم ولخدمة حليفتها الرئيسية. كما أن خلق معارك داخلية في البلدان العربية ذات التأثير الاستراتيجي في مستقبل المنطقة يساهم بشكل كبير في رفع العبء الأكبر والأخطر عن كاهل الدولة العبرية، ويجعل إمكانية تسديدها فاتورة السلام الحقيقي والعادل لقضية الشرق الأوسط أضعف احتمالاً وأقل تكلفة. والأخطر أن الأمن القومي العربي يصبح هشاً وعرضة للاختراق والتمزق.
هناك أيضاً أهداف صهيونية أخرى ترتبط بصورة الكيان الإسرائيلي والقول أنه واحة الديمقراطية والتعايش في وسط همجي لا يعرف التسامح وليس لديه القدرة على تقبل التعددية الدينية أو الثقافية أو غيرها من صور الامتزاج الحضاري المتكون منذ آلاف السنين.
إذن المستفيد الأول من تطفيش المسيحيين العرب وإرهابهم هو العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة التي احتلت العراق وخلقت الظروف الملائمة للنيل من مسيحييه وإيذائهم لإجبارهم على الرحيل عن وطنهم كما حدث في الموصل وبغداد وغيرها، الأمر الذي أدى لتناقص عدد المسيحيين العراقيين إلى الثلث تقريباً.
والآن هل هذه المقاربة والتحليل يكفي لتوضيح ما يجري من تطورات خطيرة بهذا الشأن في أكثر من بلد عربي ؟ وهل يكفي أن نتهم أمريكا والدولة العبرية لمعالجة وسبر عمق المعضلة التي نواجهها منذ فترة طويلة وتلقي بظلال كثيفة على مستقبل الأمة العربية وتحديداً في المشرق العربي البوابة الأهم للوطن العربي؟
إن المشكلة التي نواجهها كبيرة وتتعدد وجوهها وخلفياتها وإن أردنا وضع حد لانعكاساتها السلبية والخطيرة لابد أن نفتح كافة الملفات المرتبطة بها وبالخصوص الأسباب والعوامل التي تدفع شاباً عربياً (مسلماً كان أو غير مسلم) لتفجير نفسه ليقتل إخوته في الوطن وربما في الدين أيضاً. لابد أن نبحث في الظروف والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأهم الواقع الثقافي للبلد المعني لنرى إن كانت البيئة خصبة لتوالد هكذا نمط من الإرهاب الأسود.
لا يمكن فهم خلفية جريمة من نمط ما جرى قرب كنيسة القديسين أو هجوم كنيسة سيدة النجاة إلا من خلال فهم العوامل المادية الواقعية لتوليد هذا القدر من الحقد والتربص والإصرار على إلحاق الأذي بالآخرين من أصحاب الديانات أو المذاهب الأخرى.
إن حالة الفقر والاضطهاد بأشكاله المختلفة سواء في مصر أو العراق وغيرها من الدول العربية المعنية بهذه المأساة تولد حالة اغتراب تسمح لمتخصصين وخبراء سواء من أجهزة استخبارات معادية أو قوى ظلامية محلية بأن يسيطروا على عقل ووجدان منفذ هذا النمط من العمليات الانتحارية القاسية والمدمرة.
لابد أن يعترف أولو الأمر في هذه الدول بإهمالهم معالجة ظواهر التطرف الديني قبل أن تستفحل وبالتالي السماح لتلك القوى بتحقيق بعض أهدافها، وسواء كان الإهمال متعمداً لخلق حالة داخلية لخدمة أهداف السلطة أو بسبب عجزها عن المعالجة فإن النتيجة واحدة، ونحن اليوم ندفع ثمنها غالياً.
في الوجه الأول من الصورة المتعلق بالعوامل الخارجية والتآمر الأمريكي الصهيوني وجدنا أدلتنا من خلال حجم الاختراق الأمني الذي قامت به "إسرائيل" لمصر عبر الكشف عن شبكة التجسس وتشعباتها في دول الجوار، كما في تصريحات قادة أجهزة الاستخبارات في كلا الدولتين والتي اعترفت صراحة بأن هناك مؤسسات غربية أمريكية على وجه الخصوص تعمل على قضية الصدام الديني سواء بين مسلمي مصر وأقباطها أو في العراق ولبنان والسودان وغيرها بين الأديان والمذاهب.
أما بالنسبة لواقعنا العربي المشجع على التطرف فهناك أدلة عديدة على صحة ما نقول حيث نجد الجماعات السلفية ذات الفكر الظلامي تسرح وتمرح بين ظهرانينا تنشر سمومها في عقول الشباب دون رادع. كما أننا نرى رجال دين مسلمين من المفترض أنهم دعاة تسامح وتعايش يبثون أفكاراً لا تمت للإسلام بصلة، الأمر الذي نجد بعضاً منه لدى رجال دين مسيحيين وإن كانوا قلة.
المعالجة لمشكلة اتسع نطاقها بهذا الشكل تتطلب جهداً كبيراً يشمل مجالات مختلفة أمنية ومجتمعية وثقافية وهذه نستخدم فيها وسائل تخاطب العقل والوجدان سواء كان هذا في وسائل الإعلام أو دور العبادة أو المدارس أو المنتديات ومنظمات المجتمع المدني كما أنها تتطلب تعاوناً وتنسيقاً بين الدول العربية وعلى وجه الخصوص مصر وسورية والعراق. هي معركتنا جميعاً ولابد أن ننتصر فيها لأن هزيمتنا تعني فقد أحد المكونات الحضارية لأمتنا وتنذر بموتها.
المصدر: جريدة دنيا الرأى الألكترونية
نشرت فى 7 يناير 2011
بواسطة SchoolsAlpatanon
مرحبا بكم
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
725,936
عبدالمقصودمحمدحجازى
موجه بالتربية والتعليم المصرى »
ساحة النقاش