التصادم النجمي
حينما تتصادم النجوم:
عندما يتهشم نجمان بسبب تصادمهما فقد ترى منظرا جميلا جدا، مادمت بعيدًا عنه بُعدًا كافيًا.
من بين جميع الطرق التي يمكن أن تنتهي بها الحياة على الأرض، ربما كان أكثرها إثارة هو اصطدام الشمس بنجم آخر. وإذا كانت القذيفة الواردة قزما أبيض ـ وهو نجم مفرط في كثافته يكدس كتلة بقدر كتلة الشمس في حجم يعادل واحدا في المئة من حجم الشمس ـ فإن قاطني الأرض سيكونون مدعوين لمشاهدة عرض ألعاب نارية لا مثيل له. سيخترق القزم الأبيض الشمس بسرعة فوق صوتية تتجاوز600 كيلومتر في الثانية، مولدا موجة صدمية شديدة سوف تضغط وتسخن الشمس كلها، لتبلغ درجات حرارة أعلى من تلك التي تحدث عندها الانفجارات النووية الحرارية.
إن اختراق القزم الأبيض للشمس لن يستغرق أكثر من ساعة، لكن الضرر الذي سيسببه سيكون شديدا جدا فالشمس التي سوف تسخَّن بإفراط، ستحرر أثناء تلك الساعة طاقة اندماجية تعادل ما تحرره عادة في مئة مليون سنة. واستفحال الضغط سيجبر الغاز على الخروج منها بسرعات أعلى بكثير من سرعة الإفلات
escape velocity. وفي بضع ساعات، تكون الشمس قد مزّقت نفسها إربا. أما القزم الأبيض، الذي سبب هذه الكارثة، فسوف يواصل في تلك الأثناء طريقه مبتهجا .
وخلال جزء كبير من القرن العشرين، بدا للفلكيين أن دراسة التصادمات النجمية فكرة سخيفة غير جديرة بالاهتمام. فالمسافات بين النجوم الموجودة في جوار الشمس تبلغ من الكبر درجة لا تمكنها من التصادم بعضها ببعض. ثمة كوارث أخرى سوف تحل بالشمس (والأرض) في المستقبل البعيد، لكن اصطدامها بنجم قريب لا يحتمل أن يكون إحدى هذه الكوارث. وفي الحقيقة، فإن الحسابات البسيطة التي أجراها في مطلع القرن العشرين عالم الفيزياء الفلكية البريطاني أوحت بأنه لم يحدث مطلقا أي تصادم بين نجمين من بين النجوم الموجودة في قرص مجرتنا، والتي عددها نحو مئة بليون نجم.
لكن ذلك لا يعني أن التصادمات هي حدث غير شائع. فافتراضات <جينز>، والنتيجة التي توصل إليها، تنطبق على المناطق المجاورة للشمس، ولا تسري على البقاع القريبة الأخرى من درب التبانة. فالحشود النجمية الكثيفة هي بقاع فعلية لعمليات تدميرية. فضمن هذه العقد النجمية التي تكون النجوم فيها مكتزة، اكتشف الفلكيون في السنوات الأخيرة أجساما يستحيل وجودها طبقا لمبادئ التطور النجمي العادي ـ لكن يمكن تفسير وجودها طبيعيا على أنها نجوم محطمة. ويمكن للتصادمات أن تعدل التطور الطويل الأمد للحشود النجمية بكاملها، ويمكن رؤية أعنفها في منتصف المسافة عبر الكون.
عالَمٌ تأكل فيه النجوم بعضها بعضا
إن اكتشافات الكوازارات عام 1963 هي التي دفعت بالفلكيين المتشككين لأخذ موضوع التصادمات النجمية على محمل الجد. وكثير من الكوازارات يشع من الطاقة ما تشعه 100 تريليون شمس. وبسبب كون بعضها يسطع أو يأفل بشدة في أقل من يوم، فإن مناطقها التي تنتج الطاقة يجب ألا تكون أكبر من المسافة التي يقطعها الضوء في يوم ـ وهذا يعادل حيز نظامنا الشمسي تقريبا. ويطرح الفلكيون السؤال التالي: لو تمكنْتَ أن تحشر ـ بطريقة ما ـ ملايين النجوم في مثل هذا الحيز الصغير، فهل ترتطم هذه النجوم بعضها ببعض؟ وهل يمكن لهذا التدافع تحرير تلك الطاقة الهائلة؟
بحلول عام 1970، صار من الواضح أن الجواب عن السؤال الثاني هو لا. ثم إن الرقص النجمي العنيفslam dancing لم يفسر التدفقات الضيقة التي تنبعث من مصادر الطاقة المركزية لكثير من الكوازارات. لذا أُرجع السبب إلى الثقوب السوداء الفائقة الكتلة. (ومن قبيل المفارقة، فقد اقترح بعض الفلكيين، منذ عهد قريب، أن التصادمات النجمية قد تساعد على ضخ المادة في تلك الثقوب)
وفي الوقت الذي كان الفلكيون، الذين يدرسون خارج مجرتنا، يرفضون التصادمات النجمية كسبب لهذه الظاهرة، فإن زملاءهم من المتخصصين بدراسة مجرتنا أخذوا على عاتقهم دراسة التصادمات دراسة مكثفة ومستفيضة. هذا وإن القمر الصناعي ساتل أوهورو Uhuru، الذي أُطلق عام 1970 لمسح السماء بحثًا عن الأجسام التي تصدر أشعة سينية، اكتشف نحو 100مصدر متألق في درب التبانة. وكان 10 في المئة منها موجودة في أكثف أنماط الحشود النجمية، ألا وهي الحشود الكروية. لكن هذه الحشود لا تشكل سوى 0.01 في المئة من نجوم درب التبانة. ولسبب ما، تحوي هذه الحشود من منابع الأشعة السينية عددا كبيرا لا يتناسب البتة مع عدد نجوم تلك الحشود.
التصادمات النجمية/ نظرة إجمالية
هذه إحدى الحالات التي تقتضي إجراء تعديلات للكتب الدراسية في علم الفلك. إن الرأي التقليدي القائل بأن تصادم نجمين أمر مستحيل هو رأي خاطئ؛ فالتصادمات يمكن أن تحدث في الحشود النجمية، وبخاصة في الحشود الكروية، حيث تكون كثافة النجوم عالية، وحيث تعزز التفاعلات التثاقلية من احتمالات حدوث هذه التصادمات،
الدليل الرصدي الرئيسي على حدوث هذه التصادمات ذو شقين.
أولهما هو أن الحشود الكروية تحوي نجوما تسمى النجوم الزرقاء المنتشرة في غير نظام، وأفضل تفسير لها هو أنها تكونت نتيجة تصادمات.
ثانيهما هو أن الحشود الكروية تحوي عددا هائلا من منابع الأشعة السينية ـ من المحتمل أيضا أن تكون هذه المنابع نتيجة للتصادمات النجمية.
للتعبير عن هذا الغموض بطريقة أخرى، لننظر فيما يولّد منابع الأشعة السينية هذه. يُظن أن كلا من هذه المنابع هو زوج من النجوم، أحدها مات وانهار متحولا إلى نجم نيوتروني أو ثقب أسود. ويقوم النجم السابق بالتهام رفيقه، وبفعله هذا يسخِّن الغاز إلى درجات حرارة عالية جدا ومن ثم يطلق أشعة سينية. إن مثل هذه الاقترانات المروعة حدث نادر، والتطور المتزامن لنجمين حديثي الولادة في نظام ثنائي، لا ينجح في توليد ثنائي مصدِّر لأشعة سينية ساطعة إلا مرة واحدة فقط في كل بليون محاولة.
ماذا عن العامل الذي يتيح للحشود الكروية أن تتغلب على هذه العقبات؟ لقد تبين للفلكيين أن ظروف الازدحام في هذه الحشود قد تكون هي العامل الحاسم. فيوجد نحو مليون نجم مكدّس في حيز عرضه بضع عشرات من السنين الضوئية ولا يتسع مثل هذا الحجم بالقرب من الشمس إلا لنحو مئة نجم فقط. وكما هي الحال بالنسبة إلى النحل الذي يحوم حول خليته، فإن النجوم تتحرك في مدارات دائمة التغير. أما النجوم التي لها كتل أقل، فإنها تميل إلى أن تُقذف خارج الحشد وذلك نتيجة اكتسابها طاقة خلال مواجهتها عن كثب نجوما وحيدة أو ثنائية ذات كتل أكبر؛ وتسمى هذه العملية تبخرا evaporation لأنها تشبه فرار الجزيئات من سطح سائل. أما النجوم المتبقية التي فقدت طاقة، فإنها تتمركز بالقرب من مركز الحشد. وبمرور قدر كاف من الوقت، تبدأ النجوم المكدسة بكثافة بالتصادم بعضها ببعض.
العمليات التي تزيد من احتمال حدوث التصادمات النجمية
1 ) التبخر : إن النجوم في حشد كروي تندفع بحيوية ونشاط كأنها سرب من النحل. وبين الفينة والأخرى، تقترب ثلاثة أو أربعة نجوم بعضها من بعض. إن الاقتراب الشديد لبعضها من بعض يعيد توزيع الطاقة، ويمكن أن يسمح بقذف واحد من هذه النجوم خارج الحشد كليا. أما العناصر المتبقية من الحشد، فإنها تتجمع معا على نحو مكثف جدا. وإذا ما قذف عدد كاف من النجوم، فإن النجوم المتبقية في الحشد تبدأ بالتصادم. وتحدث هذه العملية عادة عبر بلايين السنين.
2 ) التبئير التثاقلي : في المعيار الكوني للأشياء، تكون النجوم أهدافا صغيرة عندما يتعلق الأمر بالصدم. فكل منها يمسح منطقة ضيقة جدا من الفضاء، ويبدو، للوهلة الأولى، أنه من غير المحتمل أن تتراكب منطقة منها مع منطقة أخرى. لكن الثقالة تحوّل النجوم إلى أهداف كبيرة، وذلك بأنها تحرف مسارات أي أجرام تقترب منها وفي الواقع فإن كل نجم يمسح منطقة أكبر من حجمه بعدة مرات، وهذا يزيد كثيرا من احتمال التراكب والتصادم.
3 ) الأسر المدّي : يمثل الثقب الأسود أو النجم النيوتروني هدفا أصغر حتى من النجم العادي لكن يمكنه أن يوفر قوى مدّيّة جبارة بمقدورها تشويه شكل نجم عابر. ويبدّد هذا التشوه طاقة، كما يمكن أن يجعل الجسمين يغيران مداريهما. إن حدوث التصادم بينهما يصبح عند ذلك مسألة وقت فقط، لأن المواجهات القريبة المتتالية بينهما تواصل سلبهما طاقة مدارية
وحتى في حشد كروي، فإن متوسط المسافة بين النجوم يكون أكبر بكثير من النجوم ذاتها. لكن هيلز دايوكان كلاهما يعمل في جامعة ميشيگان بآن آربر،
بيّنا عام 1975 أن احتمال التصادم لا يتوقف على مجرد المقطع العرضي الفيزيائي للنجوم. فلما كانت النجوم في حشد كروي تتحرك ببطء (بالمعايير الكونية) لأن سرعاتها تقع بين 10 و 20 كيلومترا في الثانية، فسوف يتسع الوقت للثقالة لكي تؤدي دورها خلال المواجهات القريبة بين النجوم. ومن دون ثقالة، لا يمكن لنجمين أن يتصادما إلا عندما يكون كل منهما متجها مباشرة نحو الآخر؛ أما بوجود ثقالة، فيقوم كل من النجمين بسحب الآخر، وبذلك يحرف مساره. وتتحول النجوم من قذائف بالستية، خط طيرانها معد سلفا، إلى قذائف موجهة تندفع نحو هدفها. وعندئذ يزداد احتمال التصادم بمعامل يصل إلى نحو 000 10 مرة. والواقع أن نصف عدد النجوم في البقاع المركزية من الحشود الكروية يحتمل أن تكون قد تعرضت لحادث تصادم واحد أو أكثر خلال الثلاثة عشر بليون سنة المنصرمة
وفي نفس الوقت تقريبا، افترض علماء من جامعة كمبردج أن تصادمًا، أو مسًا عابرا رفيقا، يمكن أن يجعل نجمين منعزلين يقترنان. وفي الأحوال العادية، فإن مواجهة عن قرب لجرمين سماويين تكون تناظرية: فهما يقتربان أحدهما من الآخر، ويستجمعان سرعة، ويتأرجحان أحدهما أمام الآخر، وما لم يجر تماس بينهما فإن كلا منهما يذهب في سبيله بمعزل عن الآخر.
إذا كان أحدهما نجما نيوترونيا أو ثقبا أسود، فإن ثقالته الشديدة يمكن أن تحرف مسار النجم الآخر، وتجرده من بعض طاقته الحركية وتمنعه من الفرار، وهذه عملية تسمى أسرا مديّا tidal capture. ويواصل النجم النيوتروني أو الثقب الأسود التهام فريسته التي وقعت في شَرَكِه، مطلقا أشعة سينية.
ساحة النقاش