الجمال والزينة
".. وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ..*" 12 فصلت41
الجمال سمةُ الخلقِ وقد وضع اللهُ مقاييسَ الجمالِ في فطرةِ المخلوقات ومنها الإنسان، ولكلِّ عالَمٍ مقاييسُ جمالٍ خاصةٌ به، فأجملُ فرسةٍ في العالم لا يتعدى جمالها في نظر أي إنسانٍ عن كونِها حيوانٌ رائعُ الجمالِ للزينةِ والركوب، وعالم الحشرات عالم جميلٌ أمام الناس، حيث أشكالها وألوانها وحركاتها جميلةٌ ورقيقة، ولكن فيما بين الخيول والفراشات يختلف الأمر.
وفي زينة السماء يقول الله عز وجل:-
"وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ{16}" الحجر15
وفي زينة المخلوقات وجمالها إلى جانب منافعها يقول الله عز وجل:-
"وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6}" النحل16
"وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ{8}" النحل16
وفي الزينة التي أخرجها الله للناس يقول الله عز وجل:-
"يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ..{31}*" الأعراف7
"الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ..{46}" الكهف18
وفي زينة السماء الدنيا يقول الله عز وجل:-
"إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ{6}" الصافات37
وفي استنكار تحريم الزينة يقول الله عز وجل:-
"قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِۚ..{32}" الأعراف7
و[الجمال] إطار عام لكل شيء، فإن نظرت إلى [السماء] فلن تجد شيئا قبيحا على الإطلاق، وإن صعدت على سطح [القمر]، ونظرت في [السماء] لرأيت جوهرةً باهرة معلقة في صفحتها، ومن حولها [نجوما] لامعة، والكل كأنما رُسِم على خلفية سوداء، هذه الجوهرة هي كوكب [الأرض].
والغريب في الأمر أن كل أكوام القمامة التي تؤرق أصدقاء البيئة لن ترى لها أثرا في جمال السماء أو صفائها، وتبقى [الأرض] ببريقها الخلاب زاهية في عيون الناظرين إليها من [القمر]، وكأنها عروسٌ تزينت وفي انتظار الحبيب المرتقب.
هذا يحدث عندما تبتعد بعدا كافيا عن تلك المخلفات، والأعجب أنك إن أحضرت مسحة منها ووضعتها تحت المجهر لرأيت عالما آخر، وإن ازددت تكبيرا للمسحة لرأيت عالما منتظم التكوين، فتكوين خلايا الأحياء جميل، وترتيب الذرات في المواد منسق، وترتيب الجسيمات الذرية في الذرة هندسي الشكل، وتصنيف الجسيمات الذرية متناظر، حتى القوانين التي يكتشفها الإنسان رشيقة، وبسيطة التكوين ومتناظرة.
ومن هنا فالدهشة تأخذ قلبك، إذ البعد الكافي يُخفي القبحَ تماما وكأنه غير موجود، والقرب الكافي يخفيه أيضا، فكأنما القبح استثناء مقصود وليس قاعدة، أما القاعدة أو المبدأ هو [الجمال] و[الزينة].
والقبح أيضا نسبي، فما يراه الإنسان قبيحا يعيش عليه غيره، كالأسمدة التي تدخل في دورة حياة النبات، وما يضر بعض الكائنات ويتخلص منه يعتبره الإنسان مصدرا طيبا، مثل ما يحدث من فطر الخميرة، إذ تطرد الكحول وثاني أكسيد الكربون أثناء التمثيل الغذائي، والكحول من المواد المفيدة للإنسان في الصناعات المختلفة والتطهير، وثاني أكسيد الكربون هو من المواد التي يدخلها النبات في تكوين السكر والنشا والسليولوز وغيرها.
وللجمال والقبح في النفس دوال[1] موروثة، فالمناظر التي تدركها النفس توعز إلى ما في النفس من دوال، فتثير مدلولات هذه الدوال مقدارا من الرغبة أو النفور ومشاعر أخرى، هذه المشاعر تميز كل منظر عن غيره شعوريا.
وللقبح فوائد، إذ ينفِّر الإنسان من مخلفاته، وينفِّره من أعدائه، وينفِّره من بعض أفعاله، وبذلك يتقي الضرر [بالفطرة]، ويستفيد من الطيبات [بالفطرة] أيضا، ويميل إلى [الزينة] و[الجمال] [بالفطرة]، فتجده معطرا بأطيب العطور ويجمع أبدع الزهور ويرسم أجمل الصور، ويتكلم بأدب رفيع، فالجمال هو أيضا جمال الأخلاق مثل ما قال الله -سبحانه وتعالى- عن [الصبر] الجميل والسراح الجميل.
ويكفي أن يكون القبح مؤطرا بأطر من الجمال، لنقول بأن الجمال والزينة مبدأ من مبادئ الخلق البديع الباهر.
وفي أحد أعداد مجلة العلوم الكويتية مجلد 14 عدد3 ص4 ذُكر أن رواد رحلة "أبوللو 8" قد بثوا في شهر 12/1968م أول صورة للأرض وهم يدورون حول القمر، "وقد راقب الناس بإعجاب شديد الكرة الأرضية الجميلة الزرقاء (من لون المحيطات التي تغطي أكثر من 75% منها) وهي تعلو فوق أفق القمر في سمائه السوداء الداكنة".
وهناك أدلة كثيرة حول وجود [الجمال] في كل المخلوقات.
[1] الدالة هي المتغير التابع لمتغير مستقل أو أكثر مثل النتائج هي دوال للأسباب كالنجاح هو دالة أو نتيجة لأسباب سابقة وهي الاجتهاد في تحصيل العلم والمواد الدراسية والمعلمين والظروف الصحية والبيئية.
