أبحاث وفكر

أبحاث منطقية في القرآن الكريم، وموقف القرآن من قضايا العادات الموروثة

authentication required

التوافقُ الخَلْقِي بينَ البيئةِ والأَحْيَاء

نعلم جميعا بالمشاهدة أن كل كائن حي لابد له من عدة عوامل ليظل على قيد [الحياة]، ومن هذه العوامل الماءُ اللازم لممارسة عملياته الحيوية، والموطنُ الذي يؤويه والغذاء الذي يمده بالطاقة اللازمة لنشاطه وبناء جسمه.

وهذه العوامل موجودةٌ في البيئة المحيطة بالكائنِ الحي، ولكلِّ نوعٍ من الكائناتِ الحية عواملُ بيئية تناسبها ولا تناسب غيرَها، وعلى سبيلِ المثال نجدُ أن مسكنَ الذئابِ لا يصلح أن يكونَ مسكنا للطيور ولا مسكن الطيور يصلحُ كمسكنٍ للإنسان، وكذلك الغذاء فلكلِّ نوعٍ غذاؤُه الذي يناسبه ويمكن ألا يناسبَ غيرَه من الأنواعِ الأخرى.

ومع أن أنواعَ الكائناتِ الحيةِ كثيرةٌ إلا أن البيئةَ تكفي الجميعَ في تناسقٍ ونظامٍ مدهشين، وخاصة عندما نعلم أن هذا التناسقَ مستمر منذ بدءِ خلقِ الحياةِ على الأرضِ.

هذا التناغمُ أو التناسق بين صفاتِ وخصائص الكائناتِ وبين البيئةِ يثيرُ سؤالا شديدَ الأهميةِ لموضوعِ هذا البحث، وهذا السؤال هو ...

نفترض أن الكائن طرف أول والبيئة طرف ثانٍ فأي الطرفين سبق الآخر في الخلق ثم جاء الأخير بعده ليتناسق معه؟

مع العلم بأن الإجابة مهمة في فهم مقصد كل التطوريين حتى <داروين>.. وكذلك مقصد رافضي التطور.

وأمامنا احتمالان:-
الاحتمال الأول:-

إن قُلنا بأن الكائن الحي خُلق ليتناغمَ مع البيئة، فهذا معناه أن البيئةَ قد سبقت في الخلقِ، وجاء الكائنُ الحيُّ بعدها في الخلقِ متطورًا بناءً على تَغَيُّرَاتِ البيئةِ ومتمشيا مع تعددِ الأحوالِ فيها، كما يقوم الفلاح بشقِّ القنوات بنظامٍ يريدُه في أرضِه، ثم إذا صبَّ الماءَ على رأسِ أعلى قناةٍ، جرَى الماءُ وتشكَّلَ مسارُه بناءً على ما تمَّ رسمُه من تعَرُّجاتِ القنواتِ سابقًا، فالماء يمثِّلُ الكائنَ الحي، والقنوات تمثلُ البيئةَ، وفي إطار هذا التصور ظهرت نظرياتُ التطور عند التطوريين حتى <داروين> ومنهم <إخوان الصفا>.

تقول نظرية النشوء والارتقاء بأن الحياةَ قد بدأت من خليةٍ واحدةٍ حية، ثم تطورت تجاهَ التعددِ والتخصص.

وتقول نظرية التطور بأن العضوَ المستعملَ في الكائنِ الحي ينمو ويقوى، والعضوَ المهملَ يضمرُ ويختفي.

وقد لاقت هذه النظريات هجوما عنيفا من المفكرين الدينيين من اليهود والمسيحيين والمسلمين على اختلاف مناهجهم.

فهذا الشيخ <محمـود شلتـوت> في كتابه (الفتاوى ط12 ص401 وما بعدها) يقول بأن القرآن يحدِّثُ بأن الإنسان خُلق نوعا مستقلا وليس متطورا عن نوعٍ آخر من الأنواع، ولم يذكر الآيات التي حدَّثت بذلك صراحةً.

وهذا الدكتور <مصطفى محمود> في كتابه (لغز الحياة) يقول بأن نظريةَ <داروين> لاشك هي ثوب نظري جميل، ومليء بالخروق وأنه لا يجب النظر إليها على أنها علم ولكن نعتبرها نظرية أو احتمالا أو فرضا هو أرجح الفروض الموجودة، وكان وجه اعتراض الدكتور <مصطفى محمود> من زاويتين، الزاوية الأولى أن النظرية أهملت ذكر أي تدخل من خارج الكائن الحي، مثل كيفية اهتداء الكائن الحي إلى أداء وظائفه وكيفية خروجه إلى الوجود في صورة جميلة رائعة، والزاوية الثانية هي وجود حلقة مفقودة بين القرود العليا والإنسان؛ بافتراض أن <داروين> قال بأن القردة العليا هي أصل الإنسان، في حين أن <داروين> قال بأن الإنسان والقردة العليا لهم أصل واحد أو ربما غير رأيه في الطبعات الأحدث من كتابه (أصل الأنواع).

وعلينا أن نقر بالمجهود الكبير الذي بذله <داروين> وأنه لا يكذب في مشاهداته حيث أنه طاف حول كثير من بقاع الأرض، ولم يتكلم إلا وهو وسط المحيطات والغابات، يبحث ويدرس ويضع نتائج أبحاثه، راجع أصل الأنواع لـ<داروين>.

ومن الواضحِ أن <داروين> قد افترضَ أنَّ البيئةَ سابقةٌ في الخلقِ للكائناتِ الحية وتتطور هذه الكائنات طبقًا لما تمليه عليها ظروفُ وأحوالُ البيئة ولم يدرك غير هذا الاحتمال، حيث قال في نظرية التطور بأنَّ العضوَ المستعملَ يبقى ويقوى، والعضوَ المُهْمَلَ يضمرُ ويختفي.

ولما كانت مشاهداتُ <داروين> واقعٌ لا مراء فيه، فيجبُ أن يعادَ تفسيرُ هذه المشاهداتِ دون تكذيبٍ لها على ضوءِ الهدى الإلهي وهذا جزءٌ من هذا البحث.

والاحتمال الثاني:-

إن قلنا بأن البيئةَ قد خُلقت لتتناغم أو تتناسق مع الكائنِ الحيِّ، فهذا معناه أن الكائنَ الحيِّ قد خُلق قبلَ البيئةِ، وتشكَّلت البيئةُ على مواصفاتِ الكائنِ الحي السابقِ لها في الخلقِ، كالمدرسة التي تنشأ، ويوضع فيها المقاعدُ والسبوراتُ والمعاملُ والمكاتبُ والورشُ، ثم يدخلُها المدرسون والطلابُ، فيجدُ كلُّ واحدٍ منهم أنها صُمِّمَت من أجلِ خدمتِه، وعلى راحتِه وللهدفِ الذي دخلَ المدرسةَ من أجلِه، وأن المقاعدَ إنما صُمِّمَت متناسبةً تماما مع طبيعةِ جسمِهِ ووظيفتِه، فالطلاب يمثلون الكائن الحي، والمدرسة وما فيها تمثل البيئة.

وهذا الاحتمال على غرابته قد أكده القرآنُ كمبدأٍ من مبادئ الخلقِ، وعدم العلم بهذا المبدأ هو الذي جعل المفكرين الدينيين ينكرون بكل شدة نظريات <داروين>، وهو من المواضيعِ الرئيسية في هذا البحثِ، وسوف تقرأُ تفصيلاتِ هذا في الفصولِ القادمةِ مع مراعاةِ أن الخلقَ في لسان القرآنِ نوعان، هما:-

خلق التصميم   و  خلق التنفيذ.

 

وهذا التعريف غاب عن المفكرين الدينيين من قبل، وعلى هذا وإن صح تحليلي القادم لآيات القرآن في هذا المجال، فإن نظرية <داروين> الأولى صحيحة جزئيا فهي تفسر جانبا من سلسلة الخلق، حيث قال بأن الحياة بدأت من خلية أولية حية، وهذا الجانب على ضيق حيزه صحيح، لأن الحديث عن الخلق يشمل التصميم منذ البداية التي لم يدركها <داروين> ويشمل أيضا التنفيذ وله مراحل كبيرة جدا ولها عمق كبير في الزمن قبل ظهور أول خلية حية، أما النظرية الثانية فقد جانبها الصواب تماما، حيث أعلن الله أن [الخلق] بدأ بالإنسان ومقومات وجوده تصميميا، ثم استوى إلى السماء وأنشأها تنفيذيا كما بيَّن، والظاهر لـ<داروين> وللعلماء أن نماء وضمور الأعضاء طبقا للاستعمال أو الإهمال لا يمكن قبولها أمام بعض المظاهر، مثل حياة المشاركة بين أكثر من كائن بملاءمة تثير العجب، وكذلك وقوف تطور الكائنات عند نقاطٍ أو أُطرٍ محدِّدةٍ للأنواع أو الأجناس، ولو كانت النظرية صحيحة لكانت أشكال الحياة بلا نهاية، ولن تجد حدودا بين أشكال وصفات الأنواع والأجناس.

SaidAM

عدم تعريف الألفاظ يربك القارئ

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 154 مشاهدة

سعيدعبدالمعطي حسين عبدالمعطي

SaidAM
مواطن مصري يحب بلده، ويحب العالم كله، له فكر مستقل حر، درس القرآن منذ عام 1967م وحتى الآن، له العديد من المؤلفات والاختراعات الهندسية الالكترونية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

49,127

تعريفات التعبيرات

عندما يكتب معبرٌ ما نصًا؛ ولا يُعَرِّفُ معاني تعبيراتِه يُصبحُ النصُّ كلُّه غامضًا.