* حكم التكافل الاقتصادى فى الإسلام

        لقد وصف الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية بأنها أمة واحدة وأمرها بعبادته سبحانه وتعالى، وأصل ذلك قوله تعالى :[ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ](الأنبياء : 92) وأمرنا بالتعاون فى كل نواحى الحيـاة كما فى قوله سبحانه وتعالى : [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] (المائدة : 2) ،وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأوامر القرآنية كما فى قوله: مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى . وفى تقدير الأرزاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض على أغنياء المسلمين فى أموالهم بقدر الذى يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلاّ بما يصنع أغنياؤهم ، ألا وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليما . "وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ...  ثم ذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أن لا حق لأحدنا فى فضل ".

يُستنبط من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة المذكورة آنفاً أن التكافل الاقتصادية بين المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها ضرورة شرعية ، ومن لم يقم بتحقيقه عملياً فهو آثم ويسأل يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى ، ولقد طبقت أحكام التكافل الاقتصادى فى صدر الدولة الإسلامية وتحقيق الخير للمسلمين جميعاً ، والنموذج العملى لذلك عندما نادى عمر بن الخطاب عمرو بن العاص فى مصر وقال : واغوثاه ، فأجابه عمرو بن العاص بقافلة من الطعام والشراب أولها الفسطاط وآخرها المدينة المنورة.

ويتم تحقيق فرضية التكافل الاقتصادى على مستوى الأفراد فيما بينهم، وأيضا هى ملزمة كذلك على مستوى أقطار الأمة الإسلامية كما كانت مطبقة فى صدر الدولة الإسلامية وفى عصر الخلافة الإسلامية وهى من مسئولية الملوك والرؤساء والحكام والشيوخ والأمراء ، فالإمام راع ومسئول عن رعيته.

ويحقق التكافل الاقتصادى التنمية الاقتصادية والحياة الكريمة للناس وإلى حفظ مقاصد الشريعة الإسلامية ، وهو من أهم أساليب التكافل الاجتماعى ولا يمكن فصلهما عن بعض.

* دواعى الحاجة إلى تطبيق التكافل الاقتصادي

        لقد من الله تعالى على المسلمين بنعم عظيمة منها : نعمة الرزق ونعمة الأمن كما ورد فى قوله تعالى: [الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ] (قريش : 4) ، ولقد قسَّم الله سبحانه وتعالى الأرزاق بين أقطار الأمة الإسلامية فمنها ما يملك النفط والأموال والنقدية ، ومنها ما يملك الأرض الخصبة والمياه الوفيرة ، ومنها ما يملك العنصر البشرى ، ومنها ما يملك التقنية ، ومنها من يملك المعادن ، ومنها ما يملك الثروات البحرية ... وهكذا بحيث لو طُبقت أحكام التكافل الاقتصادى ما وُجِد فقيراً ولا مسكيناً ... ولكن للأسف الشديد عُطِلت الدول الإسلامية الفتية تطبيق أحكام التكافل الاقتصادى وقال بعض رؤسائهـا ما قاله قارون : ] إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [ (القصص : 78) ، وقال البعض الآخر:] أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ [(يس : 47) ، وكان من آثار ذلك أن شقيت الدول الإسلامية الفقيرة وأصبحت ذليلة لدول الكفر والشرك التى تقترض منها وتستجدى منها المعونات والهبات والقروض الربوية ... وسُجلت تلك الدول الفقيرة فى ذيل سجل الدول المتخلفة ... بسبب سلوكيات الدول الإسلامية الغنية .

ومن المتناقضات أن نجد الدول الإسلامية الغنية تودع أموالها فى الدول الأجنبية بفوائد ربوية وتفضل التعامل معها وتعطيها من المزايا والامتيازات ما لا تعطيها للدول الإسلامية الفقيرة ... وبلغت نسبة معاملاتها الاقتصادية معها (مع الدول الأجنبية ) إلى 93% مع الدول الإسلامية الفقيرة نسبة 7 %، وعلى الوجه الآخر نجد الدول الإسلامية الفقيرة تقترض من الدول الأجنبية (دول الكفر والشرك والإلحاد) بفائدة عالية وتمد يدها تطلب القمح والزيت والسمن حتى تسد جوع المسلمين الفقراء وتذلهـم وتتدخـل فى شئونهـم الداخلية والخارجية وما يحدث الآن فى العراق ومصـر وسـوريا واليمـن والسعوديـة وقطـر وتركيا ...ليس مِنّا ببعيد .

وتأسيساً عليه ولكى نحقق العزة والكرامة والاستقلال للمسلمين ونحافظ على عقيدتهم وأخلاقهم وأعراضهم وثقافتهم وأموالهم ومقدساتهم ... يجب أن نطبق أحكام ومبادئ التكافل الاقتصادى ، فما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب .

ويعتبر التكافل الاقتصادى بالمفهوم الإسلامى أحد أساسيات تحقيق التعاون والتكامل الاقتصادى بين أقطار الأمة الإسلامية ، ومرحلة أساسية من مراحل السوق الإسلامية المشتركة التى هى أمل الأمة ، وتحرير اقتصادياتها من التبعية لأعدائها ، ومن أهم أسلحة مواجهة هيمنة العولمة والجات والمنقذ لثروات المسلمين وحتى يتحقق المبدأ القائل : يجب أن تكون خيرات المسلمين للمسلمين .

المصدر: إعداد دكتور حسين حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأزهر
  • Currently 156/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 430 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2010 بواسطة Rohamabinahom

ساحة النقاش

تسجيل الدخول

جمعية رحماء بينهم الخيرية

Rohamabinahom
رئيس مجلس ادارة ومؤسس جمعية رحماء بينهم 0020101369068 0020141479569 [email protected] »

ابحث

عدد زيارات الموقع

72,937