جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
ما أشبه اليوم بالبارحة ؟
جلست وحيدا تنتابنى الأحزان و الهموم .. لأفكر فى صمت .. لعلنى أصل إلى حل توافقى لكل هذه الأفكار و الصراعات التى تجول و تصول و تعبث بعقلى ، منذ بدء ما أسميناه بـ " الثورة " حتى الأن ..
تكاد تتوارى الأمانى ، و يخيم على لحظة الصمت " شبح مخيف " .
و تذكرت للحظة عبارة تلفظ بها المخلوع ، عندما شعر بتهاوى الأرض من تحت قدميه .. ألا و هى ( إما أنا ، أو الفوضى ) ..
فخلال ثلاثون عاما ، لم ينطق هذا الزنديق إلا : كذبا و هراءا و تهكما على شعبه المسكين .. فلماذا قالها حينها ؟ .. أكان هذا الرجل الإمعه من ذوى البركات ؟ .. أم كان يتلفظ بها لمجرد التهديد و من قبيل ( العيار الذى لا يصيب .. على الأقل : يصم الأذان ) .
حقيقة وحيدة أدركتها ، و أنا منزوى أحاول الخروج من هذه الورطة الفكرية : ألا و هى .. " أننا جميعا قد شاركناه فى صناعة هذا الشعار ، دون أن ندرى " .. كلنا آثمون .. كلنا مستهترون .. كلنا خانعون .. إلى المدى الذى جعله يلقى بفلذة أكبادنا إلى قاع آتون النار ، الذى لم نخرج منه بعد حتى الأن .
و لكن الله شاء .. و ليس لمشيئته إلا أن يكون ما شاء .
لقد تركنا هذا الرجل ثلاثون عاما يعبث بمقدراتنا ..
ثلاثون عاما كانت كفيلة بأن يخطط و يحكم التخطيط ، هو و زبانيته ، لإحتمالية أن ينتفض هذا الشعب المسكين بحثا عن كرامته المهدورة ، و حياته الذليلة ، و قناعاته البائسة ..
ثلاثون عاما من الترويض على العبودية .. كانت كفيلة بأن يمنح المجتمع الدولى هذا الرجل ، شهادة تقدير بإمتياز ، عن دراسته لطبيعة شخصية المواطن المصري ، و كيفية التعامل معها .
ثلاثون عاما .. أحكم فيها التحكم بزمام الأمور ، و وضع كل الخطط المسقبلية و البديلة ، لفكرة أن ينتفض هذا الشعب يوما من سباته .
ثلاثون عاما من القهر و سلب الإرادة و تزييف الهوية .. كانت كفيلة بأن تضعنا فيما نحن فيه الأن من " حسبة برما " ، نضرب أخماسا بأسداسا ، كالطفل الصغير التائه وسط الزحام .
لا نجتمع على شئ .. إلا و قد تفرقنا !
لا نثق فى أحد .. إلا و قد إتهمناه بالخيانة !
لا نصدر قرارا .. إلا و قد تخبطنا فى نتائجه !
لا نكاد نثق فى فدراتنا ، و فيما نستطيع أن نفعله من أجل إرضاء أنفسنا !
حتى ما أسميناه بــ ( الثورة ) .. لم نكملها : ليتضح لنا الفارق بين الأبيض و الأسود .. تركنا مواقعنا فيها ، و هى حرب ، ليبحث كلا منا عن بضع مكاسب زائلة ، لا تغنى و لا تسمن من جوع .
تماما كما فعل قادة المسلمين بغزوة أحد ، لم يطيعوا الله و رسوله ، و ظنوا أنفسهم منتصرون ، و إلتهوا فى جمع الغنائم ، و ما فطنوا للمكر المحيق بهم ، فخذلوا و انهزموا ..
هذه هى حقيقة المشهد يا سادة .. فنحن الأن منهزمون ..
هزمنا رجال الزنديق و زبانيته ، و جرونا إلى مكائدهم الشيطانية .. لنلف حبل المشنقة حول رقابنا و بأيدينا ( لا بيد عمر ) .
هزمنا رجال الفاجر مبارك ، بعد أن تركناهم أحرارا ، يمارسون فينا ، تنفيذ ما خططوا له طوال ثلاثين عاما .
هزمنا رجال الفاجر مبارك ، بعد أن تركنا لهم الحبل على الغارب ليتحكموا ثانية فى مصير أمة .. صدقناهم و هم أدعى إلى التكذيب .. و ألتففنا حولهم و هم أدعى إلى التضليل .. ليحق فى النهاية قول زعيمهم المنبوذ : ( إما أنا ، أو الفوضى ) .
و إلى هنا .. انتهى تفكيرى ، مع أخر رشفة لى من فنجان الشاى ، الذى وجدته يترنح فى يدى ..
و لكننى و مع كل هذا اليأس الساكن بعقلى ، و الإحباط الخانق حولى ، و الإحساس بالموت الجاثم على صدرى .. لاحظت بقعر فنجانى ، ما لم أكن أتخيله قط ، ففرغت فاهى ، و خرجت من صمتى ، و صرخت : ما زال هناك أمل .. ما زال هناك أمل ..
و وجدتنى كنت أشعر بكل هذا المرار ، لسبب بسيط ، و هو أننى نسيت أن أقلب و أذيب حفنة السكر بالفنجان .
فيا سادة ..
ما زال هناك حفنة من السكر .. نستطيع أن نتدارك بها أخطائنا ، و نتعلم منها نحو الأصوب ، لنعيد طعم الحياة بداخلنا للطعم الألذ و الأجمل .
و ما سوف يكلفنا ذلك إلا قليل من الجهد و الماء و حبات الشاى .
فما أجمل النجاح بعد الإخفاق ، و ما أتعس الحياة إن رضيت بالإخفاق .
الثمن باهظ ، و لكن عليك أن تدفع فاتورة إخفاقك ، و لن يدفعها عنك أحد ، حتى تستمتع حقيقة بطعم الشاى الأصلى .
ساحة النقاش