أشعر و كأننى أحيا بمجتمع قد انفرط عقده ، فلم يعد هناك أى ضمير لدى التجار ، و انعدمت الرقابة و المتابعة على أسعار السلع التموينية ، و لم تعد هناك حكومة تسيطر على مجريات الأمور .

كل شئ متروك لقانون الصدفة و الإستباحة ، إذا أردت أن تفعل شيئا فأفعل ، و إذا أردت أن ترفع سعر سلعة ما فأفعل دون حرج ، فلن تجد من يحاسبك طالما أنت بمنأى عن السياسة و السلطة و الكرسى ، و أكاد لا أشك أن الأمر متروك هكذا عنوة و عن قصد ، حتى تبيت ليلتك مكبلا بهموم قوت الغد و كيفية تصريفه لأسرتك وسط هذه الموجة الشنعاء من الغلاء الفاحش ، الذى أتى على الأخضر و اليابس ، و لم يترك سلعة إلا و طالها بنيران ارتفاع الأسعار .

أصبح الجميع فى ظل هذا الهوس ، يفكر كيف يحصل على المال بأى طريقة ، حتى لو كان ذلك على حساب الأخرين ، فمقابل ارتفاع أسعار الخضر و الفاكهة التى هى بالكاد تغنى عن شراء اللحوم و الدواجن و غيرها من البروتينات للمواطن العادى ( الذى أصبح من ذوى الإحتياجات الخاصة فى هذا البلد الأمين ) ، مقابل هذا الإرتفاع أصبح من الصعب تدبير ثمن لقمة العيش العادية ، فكيلو الطماطم يباع بأربعة جنيهات ، و الخيار بستة جنيهات و البصل بثلاثة ، عاديك عن أثمان أسعار الخضروات القابلة للطبخ ، فإنك إن فكرت أن تطبخ لأولادك ( أكلة أرديحى بدون لحم ) فسوف تصرف 15 جنيها فى اليوم ، و لو ملكتك نزعة شيطانية لتشترى دجاجة مع هذه الوجبة : فستجد أن سعر الدجاجة قد وصل إلى ثلاثون جنيها ( فى حين أن مثيلتها بالسعودية مثلا لا يتعدى سعرها الإثنى عشر ريالا ، أى ما يساوى 18 جنيها مصريا ) ، و لو أخذتك الجلالة لأضافة كيلو من الأرز أو استخدام الخبز بدلا منه ، فسيكون مجموع ما صرفت هو خمسون جنيها ، و إن فقدت عقلك و أشتريت كيلو أو أثنين من الفاكهة لإرضاء تبجح الأولاد فى أحقيتهم لإستطعام طعم الفاكهة ، فسوف تقابل بالآتى : المانجو بخمسة عشر جنيها للكيلو ، و الجوافة بستة جنيهات و العنب بسبعة جنيهات ، و الموز بسبعة جنيهات ، و البلح بأربعة جنيهات ، و غيرها مما حرمته علينا حكومتنا الموقرة ، لتجدك فى النهاية قد أنفقت سبعون جنيها فى وجبة غذاء ، سيلاحقك الهم غدا فى تدبير نصفها إن أردت أن تطعم الأولاد .

و لاحظوا أيها السادة أننا نتحدث عن وجبة غذاء واحدة ، لن تغنى الفرد عن وجبتين أخرتين هما الإفطار و العشاء ، فإن كنت من أمهر خبراء العالم فى علم الإقتصاد : فستنفق على الأقل ثلاثون جنيها أخرى على هاتين الوجبتين ( إن كان ولا مؤاخذة أبنائك من القنوعين مثلك ) ، و أخيرا تجدك قد أنفقت يوميا مائة جنيها فى بند واحد من بنود أقتصادياتك ألا و هو بند المأكل دون الإلتفات لبنود أخرى قد يجلبها عليك القدر اللعين ، مثل الملبس و العلاج و مصاريف المدارس ، فكيف بالله ستدبر نفقات كل هذه البنود ، أليس من الأجدر أن توزع علينا حكومتنا مصابيح علاء الدين ، ليدعك كلا منا فانوسه راجيا من العفريت أن يدبر له كل هذه الأموال التى تكاد تكفيه شهريا .

سادتى ، أشك فى أن ارتفاع الأسعار مشكلة اقتصادية تسيطر على العالم بأسره ، و لكن الحقيقة أن المشكلة تكمن عندنا نحن ، فلقد سلط الله علينا من لا يخافه و لا يرحمنا ، وأصبح من البديهى أن أذهب للسباك طالبا خدماته فيسلبنى ما بجيبى ، و أن أذهب إلى الكهربائى فيفعل بالمثل ، و أن أمرض و أذهب إلى المستشفى للإستشفاء فأخرج منها للإقتراض من كل من هب و دب ، و هلم جرا ... الحياة جميلة و لونها البمبى قد أعمانا فى ظل ما تفعله بنا حكومتنا المتخبطة القرارات ، الضعيفة الإمكانيات ، منعدمة التخطيط و المهارات ، و التى تركتنا نهبا لشرذمة من محترفى السرقة و منعدمى الضمير من التجار الذين لا ينتمون بالولاء لهذا الوطن ، فكيف بالله يفعل المواطن المسكين فى خضم كل هذه المهازل ؟ و الخوف كل الخوف أن يأتى اليوم الذى يخرج فيه الرجل من بيته ليسرق من أجل رغيف العيش لكى يطعم أولاده ، و إن كنت لا أظنه ببعيد .

فباختصار ، الحال أصبح عبارة عن جملة من السرقة و الرشوة و البطالة و العنف و إهدار المال العام و المخدرات و الزواج غير الشرعى و العلاقات الآثمة و اللقطاء و أطفال الشوارع و غيرها : كل هذه الجرائم ترتكب الآن فى مصر بسبب الغلاء .

كما حذرت لجنة الصحة بمجلس الشعب من أن هناك عدد لا يقل عن 2 مليون مصرى يعانون من الأمراض النفسية بسبب غلاء الأسعار .

أيها المصلحون ضاق بنا العيش

و لم تحسنوا عليه القياما

و غدا القوت كالياقوت

حتى نوى الفقير الصياما

Ramzy-online

محمد رمزى

  • Currently 40/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 124 مشاهدة
نشرت فى 13 سبتمبر 2010 بواسطة Ramzy-online

ساحة النقاش

محمد رمزى

Ramzy-online
مصرى يملك وطنى فؤادى و أكاد أملكه »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

206,587

مصر



يا حبنا الكبير