حلقة بحث عن التربية الحركية                   

 

مقدمة
تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان, ففي هذه المرحلة تنمو قدرات الطفل وتتضح مواهبه ويكون قابلا للتأثير والتوجيه والتشكيل. لذا فإن العناية بالطفولة والاهتمام بأنشطتها من أهم المؤثرات التي تسهم في تقدم المجتمعات. ويؤكد ويرنر (Werner, 1994) بأن أطفال المجتمعات المتقدمة يتصفون بنمو جسمي وعقلي وانفعالي سليم. كما أنهم أكثر تعليما وأكثر ثقافة بالمقارنة مع المجتمعات الأخرى. لذلك على القائمين بالعملية التعليمية التربوية لأطفال مرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية العناية بتخطيط وتصميم البرامج التعليمية والتربوية التي تشمل أنوع مختلفة من الخبرات التي تهدف إلى النمو المتكامل من جميع النواحي.
التربية الحركية وبرامجها المختلفة من أنجع الوسائل التربوية التي تهدف إلى تحقيق النمو المتكامل للطفل، حيث يرى جالهيو (Gallhue, 1996) ان الحركة إحدى الدوافع الأساسية لنمو الطفل, فعن طريقها يبدأ الطفل التعرف على البيئة المحيط به. وهذا الميل الطبيعي للحركة هو إحدى طرق التعليم فالطفل يتعلم من خلال الحركة وهي عبارة عن مدخل وظيفي لعالم الطفولة ووسيط تربوي فعال لتحسن وتطوير النمو الحركي والعقلي والاجتماعي للطفل.
والتربية عن طريق الحركة المدخل الطبيعي لنظام تربوي مبني على أساس حاجة الطفل الطبيعية للتعلم, وما دام جسم الطفل هو الإطار المادي الملموس لمعنى الوجود فإن - الطفل يعمد من خلال جسمه إلى فهم ذاته من خلال ممارسته للنشاط الحركي الموجة، حيث تهدف التربية الحركية أو التربية من خلال الحركة إلى إخراج التعليم المدرسي التقليدي إلى أساليب أكثر إيجابية وفاعلية في تكوين الطفل وتنميته إلى أقصى ما تؤهله إمكانياته وقدراته ومواهبه.
وعموما تتعدى التربية الحركية مفهوم إكساب الأطفال المهارات الحركية أو تنمية الأنماط الحركية, إذ أن تعلم الحركة يعني مجرد العملية الجزئية المتعلقة بالتعلم, إلا أن الإطار المعرفي للتعلم الحركي ثري بمختلف الخبرات الإدراكية والمعرفية, فمن خلال الحركة ينمي الطفل ملاحظاته ومفاهيمه ، وقدرته الإبداعية ، وإدراكه للأبعاد والاتجاهات كالإحساس بالتوازن, والمكان، والزمان, ويكتسب المعرفة بكل مستوياتها فيتعود على السلوك المنطقي وحل المشكلات وإصدار أحكام تقويميه
(Sayres & Gallagher, 2001).
وبلغة بسيطة نقول إن التربية الحركية هي مجموعة من الأنشطة المتخصصة المقصودة الموجهة التي تندرج تحت مقولة "الحركات البدنية من خلال دروس التربية البدنية", إلا أن تلك الدروس لا تكون قاصرة على تعلم الحركة, بل أن الحركة الوسيلة التي من خلالها يتم تحقيق النمو السليم المتكامل للطفل في جميع الجوانب النفسية والاجتماعية والعقلية والانفعالية، فكل حركة لا يمكن أن تنفذ بغير إدراك عقلي (النمو المعرفي), وبغير ميل ورغبة (النمو الانفعالي) وبغير مشاركة الآخرين (النمو الاجتماعي), باعتبار أن التربية الحركية طريقة يفترض فيها إثارة دوافع الأطفال، وطاقاتهم نحو التعلم. ونظرا لأهمية الحركة للطفل، فقد ظهرت العديد من البرامج الحركية التي تعتمد على أنشطة حركية خاصة تهدف إلى تحقيق مبدأ الشمولية فلا تقتصر على تحقيق التنمية الحركية فقط, أنما تسهم أيضا في تنمية الجوانب المعرفية والوجدانية معتمدة على الإمكانيات الحركية الطبيعية والأساسية المتاحة للطفل.
ويؤكد فزاري (2002) إن مرحلة التعليم الأولى تلائم فترة النمو الفسيولوجي والإدراكي والحركي للطفل, حيث يبدأ خلالها في التدرج من مستوى الإدراك الكلي العام والشامل، إلى مستوى التحديد والثبات والتحليل حيث تنمو لديه أجهزة التحكم في العضلات والتنفس, وهذه العمليات تحتاج إلى رعاية وإلى تنظيم قصد المساعدة على تحقيق ترابط إجمالي لنضجه العضوي ولخبرته العصبية والحركية مما يساعده في إعداده لتعلم القراءة والكتابة والرياضيات. فالتربية الحسية الحركية أساس كل تعلم ومعرفة، فهي تسمح للطفل لاكتشاف ذاته وفق تسلسل منظم.
ويتلخص موضوع البحث في توضيح بعض الأبعاد الرئيسة التي يقوم عليها مفهوم التربية الحركية, وإبراز أهميتها في إعداد الطفل بدنيا وعقليا واجتماعيا وصحيا, حيث يتناول البحث الحالي عرض وتحليل ما توصلت إليه الأبحاث والدراسات السابقة بغرض الإجابة على التساؤلات الآتية:
·ما هي التربية الحركية؟
·ما مفهوم التربية الحركية؟
·ما هي أهداف التربية الحركية ؟
·ما هو واقع منهاج التربية الحركية في التعليم؟
التعريف بالتربية الحركية:
لقد قام العديد من الباحثين بتعريف التربية الحركية نذكر منها:
يعرف اتحاد التربية البدنية للرياضة والترويحوالإيقاع الحركي AAHPER التربية الحركية على أنها "تلك الظروف الخصبة التي تتيحها التربية البدنية لإكساب الأطفال النواحي المعرفية والوجدانية واللياقية البدنية والحركية والصحية عن طريق الحركة".
كما يعرفها فري وكيفارت بـأنها ذلك "الجانب من التربية البدنية أو التربية الأساسية التي تتعامل مع النمو والتدريب لأنماط الحركة الطبيعية الأساسية باعتبارها تختلف عن المهارات الحركية الخاصة بالأنشطة الرياضية".
بينما يعرف جالهيو (1996) التربية الحركية على أنها: تربية تتم عن طريق الحركة البدنية, فهي تعرف الطفل ما يتصل بنفسه وبجسمه, ومن خلالها ينمي لياقته ومفاهيمه وقيمه, على جميع المستويات العقلية والبدنية والانفعالية والحركية, وهو مفهوم أقرب ما يكون للتربية البدنية.
إما عثمان (1985) فتعرف التربية الحركية على أنها "تربية الأطفال عن طريق ممارسة النشاط الحركي الذي يتناسب وقدراتهم الحركية والبدنية والعقلية, وما ينتج عنه من اكتسابهم لبعض الاتجاهات السلوكية".
بينما يعرف الديري (1999) التربية الحركية على "أنها ذلك الجزء من التربية الذي يتم عن طريق النشاط البدني الذي يستخدم الجهاز الحركي لجسم الطفل, وما ينتج عنه من اكتساب الفرد لبعض الاتجاهات السلوكية".
ويعرف الخولي وراتب (1998) التربية الحركية على "أنها نظام تربوي مبني بشكل أساسي على الإمكانات النفس حركية الطبيعية المتاحة لدى الطفل".
والخلاصة ان التربية الحركية، نظام تربوي مبني بشكل أساسي على الإمكانات النفس حركية الطبيعية المتاحة لدى الطفل, وهي جزء من التربية العامة, تتم عن طريق ممارسة النشاط البدني أو الحركي, فهي تعرف الطفل بنفسه وبجسمه, ومن خلالها ينمي لياقته البدنية والصحية ، ومفاهيمه وعلاقاته وانفعالاته ومعارفه في ضوء الظروف البيئية المحيطة به.
مفهوم التربية الحركية:
تعتبر التربية الحركية المرحلة الأساسية لتعليم الأطفال المهارات الحركية والبدنية والعقلية والصحية, فهي جزء أساسي مكمل للعملية التعليمية والتربوية. والتربية الحركية وأن كانت بدنية أو حركية أو جسمية في مظهرها العام, إلا أنها عقلية واجتماعية انفعالية في أهدافها وأغراضها, لذلك كان من الواجب علينا اختيار الأهداف الواضحة التي تحدد طرق إعداد المعلم, ووضع المنهاج المناسب, وطرائق التدريس المناسبة بما يتناسب والإمكانيات المتوفرة. والتساؤل الذي قد يطرح هنا هل التربية الحركية مادة أو طريقة, أو أسلوب بديل عن ما هو قائم في التربية البدنية؟
التربية من خلال الحركة منحى أو اتجاه جديد في التربية بقصد إخراج التعليم المدرسي من الأسلوب التقليدي في طرق التعليم إلى أسلوب أكثر إيجابية وفاعلية في تكوين الطفل وتنميته إلى أقصى ما تؤهله قدراته وإمكانياته.
حيث يرى جالهيو (Gallhue,1996)وعثمان (1998) ان التربية الحركية أو التربية من خلال الحركة تندرج تحت مفهومين فرعيين متصلين متداخلين هما: تعلم الحركة, والتعلم من خلال الحركة. ومن الصعب الفصل بين المفهومين حيث يحتاج الطفل من خلال الحركة وإتقانها, إلى زيادة معارفه وخبراته المعرفية، بالإضافة إلى اكتساب اللياقة البدنية والصحية.
ويقصد بالمفهوم الأول التعلم الحركي أو تعلم الحركة, أن تكون الحركة موضوع التعلم وأن تكون المهارة الحركية واللياقة البدنية هدفان أساسيان من التعلم, بعبارة أخرى أن تعلم الحركة أو المهارة هو الهدف الأساسي من التعلم. وهذا بالطبع يتطلب الاستعانة بالعديد من العلوم الحركية الأخرى كالتعلم والتطور الحركي وعلم الفسيولوجيا وعلم النفس والاجتماع الرياضي وغيرهم من العلوم.

أما المفهوم الثاني للتربية الحركية وهو التعلم عن طريق الحركة, وفيه تتسع دائرة التعلم فتشمل جميع جوانب نمو الطفل وتكون الحركة أداة لتحقيق الأهداف المرجوة المتمثلة في النمو الجسمي والنمو الاجتماعي والنمو الانفعالي. أنظر الشكل رقم (1).
يتضح من الشكل رقم (1) أن تعلم الحركة هو نتاج مرور الطفل بمرحلة الحركات الأولية والحركات الأساسية، وهي مجموعة من الحركات يمر بها ويمارسها الطفل ليدرك إمكانياته الحركية, ويمكن تقسيم الحركات الأولية والحركات الأساسية كما في الجدول رقم (1).
يتضح من الجدول رقم (1) إن أسفل كل محور من مكونات الحركات الأولية و الأساسية تأتي مجموعة من المهارات والحركات يقوم بها الطفل عن طريق استكشافه لإمكاناته وقدراته, حيث يتمثل دور المعلم في الاستثارة والتوجيه والمساعدة الفردية والجماعية من أجل تمكين الأطفال من الاستكشاف والتدريب والإتقان في ضوء أمكانتهم البدنية واللياقية , ويمكن ن تلخص في الخطوات الآتية:
·تحديد المهارة أو المهمة الحركية مثل القفز أو الطيران من قبل المعلم.
·استكشاف الأطفال الأساليب المختلفة للقيام بتعلم وممارسة الحركات واختباراهم لقدراتهم.
·توجيه الأطفال للحركات والأساليب التي يمكن بمقتضاها حسن الأداء في نطاق المهمة التعليمية التي تم اختيارها.
·التكرار والتدريب للحركات التي تم اختيارها.
·الصقل والإتقان للحركات من خلال التدريب.
ومن هذا المنطلق, تتضح إن التربية الحركية ما هي إلا جزءا لا يتجزأ من التربية البدنية التي ينبغي أن تكون النظرية الموجهة للحياة المدرسية ككل سواء داخل الصف وخارجه. من ناحية أخرى فإن استمرار الطفل في المدرسة الابتدائية يتطلب اكتساب مهارات نفس-حركية أكثر تعقيدا لمواجهة متطلبات مستويات التعلم الأكثر تقدما، بينما عدم اكتساب مثل هذه المهارات يؤدي إلى انخفاض مستوى التحصيل في عملية التعلم.
فالتعليم أو التربية التقليدية أعطت العقل والمعلومات والمعارف كل اهتمامها, وأهملت النشاط الحركي, وهذا لا شك يتعارض مع مفهوم التربية الحركية الحديثة التي تؤكد على أهمية التوازن فاتخذت من حركة الجسم مدخلا أساسيا لتنمية جميع الجوانب البدنية والنفسية والاجتماعية والعقلية. أنظر الشكل (2).




الجدول (1) الحركات الأولية والحركات الأساسية
الحركات
الحركات الأولية من الولادة وحتى الثانية
الحركات الأساسية من الثانية وحتى السابعة
أولا الحركات الانتقالية
Locomotion Movements
يهتم بتطور القدرات الانتقالية التي تساعد الطفل على أداء الحركة خلال البيئة المحيطة به, وتشمل حركات الزحف والحبو.
الحركات التي يؤديها الطفل بجسمه, أي الانتقال من مكان إلى آخر , وهناك نوعين من الحركات الانتقالية, النوع البسيط ويشمل المشي, والجري, والوثب, والحجل. النوع المركب ويشمل الزحف الجانبي, وتبادل الخطو والحجل وجري الحصان.

ثانيا: ثبات واتزان الجسم
Body Stability
يهتم بطبيعة العلاقة بين جسم الطفل والجاذبية, والتحكم العضلي لأجزاء الجسم بما يحقق ثباته واتزانه, وتشمل مهارات التحكم في الرأس والرقبة.
ويقصد به أداء الحركات في المكان, وهذا النوع يرتبط بتطوير القدرات الإدراكية, والارتكاز بأجزاء الجسم المختلفة, والمحافظة على التوازن. وتقسم إلى نوعين, الارتكاز أو السند مثل الوقوف وغيرها من التمرينات التي ترتبط بنفس الوضع. ثم الحركات المحورية مثل المرجحات, والدوران, والانثناء واللف, والتكور, الامتداد.

ثالثا:حركات التحكم
والسيطرة
Manipulation
تهتم بالقدرات الأولية وكيفية اتصال أطراف الطفل بالأشياء كمسك الأشياء والقبض عليها.
وهي المهارات التي تعني بالتحكم والسيطرة بالأدوات التي يمكن أن تنفذ من خلال أجزاء الجسم المختلفة, كالرمي, واللقف, والضرب بالعصا وغيرها.



ولكي تكون التربية الحركية وما تتضمنه من برامج حركية سليمة, فإنها تستمد مقوماتها من العناصر التالية:
1-الطفل هو نقطة البداية والنهاية في برامج التربية الحركية, وما تعنيه هذه الطبيعة من إيجابية, ومن خصائص ونمو واتجاهات, وبخاصة جانب النمو الحركي المرتبط بالجانب النفسي. وهناك بعض المبادئ التي استقاها مفهوم التربية الحركية من علم النفس بعضها يتعلق بنمو الطفل وتعلمه, وإمكانياته وقدراته ودوافعه, والتي ينبغي الاسترشاد بها حين الإعداد والتقويم والتطوير لبرامج التربية الحركية وهي:
أ- إيجابية الطفل, وتأتي عن طريق استثاره ميوله والبدء بكل ما هو مألوف لدى الطفل في البيئة المحيطة به.
ب- أن للطفل مستوى نضج يعبر عن نفسه من استعدادات وقدرات بدنية ونفسية, وان هذه القدرات لا بد من التعرف عليها وأخذها بعين الاعتبار وتوظيفها من خلال التربية الحركية.
ج- أن معدل نمو الطفل يتسم بالشمول, فهو ينمو بدنيا وجسميا وعقليا واجتماعيا في آن واحد, وأن اختلفت معدلات النمو في كل جانب بسبب اعتبارات وراثية وبيئية.
د- مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال, ويتضح ذلك بصورة واضحة من تفوق بعض الأطفال في أداء بعض المهارات الحركية المتقدمة, وتأخر البعض الآخر في ممارسة بعض المهارات الحركية الأساسية من خلال (مرحلة المعوقات) التي قد تواجه بعض الأطفال. لذا فإن شعار التربية الحركية "التربية الحركية لكل فرد لا تربية حركية للجميع". (أنظر الشكل رقم 3).
يوضح الشكل رقم (3) مراحل التسلسل الهرمي لتطور المهارات الحركية عند الأطفال. وهو عبارة عن خطة يمكن استخدامها لتكوين منهاج التربية الحركية، كما أنه يتصف بطابع وصفي، حيث يؤكد على الأوضاع والمراحل التي يجب أن يمر عليها أو خلالها الطفل حتى يستطيع اكتساب وممارسة الأنشطة الحركية المختلفة بكفاءة وقدرة عالية.
2-طبيعة الحركات وما تعنيه من أشكال أو حالات وما يحكمها من عوامل, وما تتطلب من قدرات وحدود وما يرتبط بها من أمور أخرى تسهل دراسة الجانب الحركي, مثل:
أ-التعرف على أجزاء الجسم, وكيفية عمل كل عضو ومراحل نموه البيولوجية.
ب- معرفة النواحي العلمية للتحليل الحركي بهدف الوصول إلى أفضل الأداء الحركي, وتجنب الحركات الزائدة.
ج- الفهم الصحيح لعمل الجسم كأساس حيوي في مجال الحركة وإمكانياته وذلك بهدف الأداء الحركي بأقل مجهود.
3-طبيعة اللياقة الحركية والصحية التي هي الهدف المباشر من التربية الحركية, وما تتضمنه هذه اللياقة من عناصر كالسرعة والتوافق والقوة والتوازن. وجميعها عناصر يحتاج لها الطفل ليس من أجل اللياقة البدنية والصحية والاستمتاع بوقت الفراغ, بل هي هامه أيضا في مساعدته على التعلم المعرفي في مجالات العلوم التربوية الأخرى كي يصبح عضوا فاعلا في مجتمعه.
4-طبيعة التربية الحركية هي في الواقع تمثل خصائص البيئة التي ينتمي إليها الطفل من عادات وتقاليد وقيم واتجاهات وهي ترتبط بالأساس الاجتماعي والثقافي للطفل.
أهداف التربية الحركية:
لقد سبق وأن تم تعريف التربية الحركية على أنها نظام تربوي مبني بشكل أساسي على الإمكانات النفس حركية الطبيعية المتاحة لدى الطفل عن طريق ممارسة النشاط الحركي, بالرغم أن التربية الحركية وسيلة بدنية وحركية في مظهرها العام, إلا أنها ترتبط بالنواحي العقلية والاجتماعية والوجدانية في أهدافها وأغراضها Ritson (1986) , لذا تقسم أهداف التربية الحركية لمرحلة الطفولة إلى نوعين أساسيين هما:
الخلاصة:
النوع الأول: الأهداف الرئيسة وتشمل:
1.إكساب الطفل عناصر اللياقة البدنية واللياقة الصحية التي تؤهله للقيام بمتطلبات العمل اليومي, وذلك من خلال الاشتراك في النشاط الحركي من أجل الترويح.
2.تنمية وتطوير الإدراك الحسي-الحركي لدى الأطفال التي تتلخص في: (أنظر الجدول 2).
·الوعي بالجسم Body Awareness ، معرفة الطفل بأجزاء جسمه وعلاقتها بالحركات المختلفة.
·الوعي المكاني Spatial Awareness ، معرفة الطفل بحجم الفراغ وعلاقته بالأشياء الخارجية.
·الوعي الاتجاهي Directional Awareness ، معرفة الطفل بالاتجاهات المختلفة (يمين ويسار وأمام وخلف).
·الوعي الزماني Temporal Awareness ، معرفة الطفل بالوقت وعلاقته بالإيقاع والموسيقى وأنماط توقيتية مختلفة.
3.تنمية المهارات الحركية التي تؤهل الطفل للاشتراك في الأنشطة والألعاب الرياضية الجماعية والفردية.
4. تنمية الصفات البدنية, وتقوية أجهزة الجسم الحيوية بما يتناسب والخصائص العمرية للطفل.

الجدول (2) : مفهوم الحركة في التربية الحركية


الجهد (كيف يتحرك الطفل)
الفراغ (أين يتحرك الطفل)
العلاقات (التحرك مع الزملاء ، والأدوات)
الدفع
قوة خفيف - وسط
مستويات
عالي منخفض متوسط
الأدوات
على أسفل بين- أمام|خلف - حول
الوقت
سريع - بطيء - متوسط
مفاجئ
الحركة
سلسلة - متشنجة
الاتجاهات
أمام|خلف جانبي متغير زقزاق|مستقيم | منحنى
المدى:
واسع |ضيق _ كبير|صغير
الأقران
الظل مع بعض ضد بعض- مجموعات

النوع الثاني: الأهداف الاجتماعية والنفسية والصحية والانفعالية وهي:
1.إكساب الطفل المهارات الاجتماعية عن طريق الاشتراك في الأنشطة والألعاب الحركية والرياضية.
2.إكساب الطفل مفاهيم السلامة العامة والخاصة المرتبطة بالممارسة البدنية.
3.أن يدرك الطفل المفاهيم الثقافية المرتبطة بالنشاط البدني.
4.أهمية ممارسة النشاط البدني من أجل الصحة والوقاية من الأمراض.
5. أهمية المحافظة على البيئة كالملاعب وكل ما يتعلق بالخدمات العامة.
6.تعريف الطفل بأهمية الغذاء الجيد من أجل الصحة.
7.إكساب الطفل التحكم في الانفعالات في حالات التنافس مع أقرانه.
8.ويمكن أن تضيف ما شأت من الأهداف التي تتناسب وعمر الطفل.
إن تجسيد أهداف التربية الحركية مرتبطة بجميع المواد التربوية التي تقدم للطفل في مرحلة التعليم الأولى, فهذه التربية تحدد باعتبار نقطة تقاطع ما هو ترفيهي (اللعب)، في توظيف الحركات والأعضاء لتنفيذ الحركة، وما هو لغوي في تدريب أعضاء الجهاز الصوتي، وتوافق مخارج الحروف وكذلك في أنشطة الرياضيات من خلال اكتشاف الفعل المباشر على الواقع وإدراك خصوصية الأشياء وعلاقتها ومكوناتها.
وعلى هذا الأساس, فإن أهم ما تحرص عليه برامج التربية الحركية الاستفادة من مزايا القدرات الإدراكية للطفل التي تؤكد على العلاقة الايجابية بين هذه البرامج والنمو الإدراكي والحركي للطفل. ويمكن لمعلم التربية الحركية أن يستقري بعض المبادئ أو القواعد التي تعينه في اكتشاف بعض حالات القصور لدى الأطفال وهي:
1)أن الأطفال الذين يظهرون ضعفا في تعلم المهارات الحسية لحركية مرجعها صعوبات تتعلق بالإدراك وتكوين المفاهيم.
2)أن الأطفال الذين يظهرون ضعفا في أداء المهام التعليمية مثل القراءة والرياضيات, يكون نتاج مشاكل في الإدراك الحسي.
3)ان حرمان الطفل من الخبرات الحركية الإدراكية قد يعوقه نمو القدرات الإدراكية.
4)ان برامج التدريب الحركي الإدراكي يحفز القدرات الإدراكية السمعية والبصرية والإحساسية عند الطفل.
5)أن الأنشطة الحركية الإدراكية ينبغي أن تكون جزءا من البرامج التمهيدية في التربية الحركية.
6)أن نجاح الطفل في المدرسة هو نتاج لمستوى إدراكه (السمعي والبصري والحسي...) كما ان عجز الإدراك من شأنه أن يؤدي إلى صعوبات التعلم والفهم.
ان تدريس تلاميذ المرحلة الأساسية من أصعب وأهم المراحل العمرية التي يجب الاهتمام بها، وبمناهجها, وبإعداد معلميها. وبالرغم من أهمية إعداد المنهج, إلا أن ذلك يتطلب منا أيضا تأهيل المعلم تأهيلا كافيا يمكنه من التعامل مع التلاميذ والتأثير عليهم، وهذا بالطبع يتطلب من معلم التربية الحركية أن يلم بالأمور التالية:
أولا: أن يلم بالتاريخ والشخصيات الإسلامية, وان يتابع الأدب التربوي والثقافي المحلي والعربي والعالمي.
ثانيا: أن يلم بمظاهر النمو العقلي المتمثل بالذاكرة الحسية, والقصيرة الأمد لأطفال المرحلة الأساسية ودورهما في تسهيل عملية التعلم والتذكر والانتقال الحركي خلال مواقف اللعب المختلفة.
ثالثا: أن يلم بمتغيرات النمو والتطور البدني والحركي لأطفال المرحلة الأساسية.
رابعا: أن يلم بمستويات تعلم المهارات الحركية
خامسا: أن يلم بطرائق التدريس الملائمة لهذه المرحلة العمرية. ان طرائق التدريس التي يستخدمها المعلم تعكس مدى اتجاهه وفهمه لظروف التلاميذ وإمكانياتهم والفروق الفردية بينهم, (أنظر كتاب موستون طرائق التدريس)(Mosston, 1994) ، لذا على المعلم أن يضع بعين الاعتبار قبل اختيار أية طريقة من طرائق التدريس الأمور التالية:
·هل أهداف الدرس واضحة؟
·ما هي الطريقة المناسبة التي تساعد التلاميذ على التعلم؟
·هل المهارات الحركية تتناسب ونضج التلاميذ البدني والعقلي؟
واقع منهاج التربية الحركية:
يقوم مفهوم التربية الحركية على الاستكشاف الحركي الحر, حيث تتاح الفرصة للطفل التجريب والمحاولة لأداء المهارة الحركية المطلوبه تحت إشراف وتوجيه المعلم. ويحاول الأطفال حركيا ترجمة هذا الواجب الحركي أو حل تلك المشكلة الحركية. ويترك للطفل الحرية الحركية الاستكشافية وإيجاد الحل المناسب دون أي نموذج للحل. وبالرغم أن ذلك يتطلب وقتا طويلا في معظم الأحيان, إلا أنها تعمل على تأكيد الشخصية المستقلة للطفل في ضوء قدراته وإمكانياته. وبإتباع هذا الأسلوب يكون الطفل قد مر بخليط من طرائق التدريس المتمثلة بالطريقة المباشرة والغير مباشرة وغيرها من خلال الحرية التامة للطفل لحل تلك المشكلات الحركية. ويتمثل دور المعلم في توجيه الاحتمالات نحو الحل المناسب.
والتعلم من خلال الحركة ليس قاصرا على تعليم الحركة, أو أن تكون الحركة هدف التعلم فحسب بل أن تكون الحركة الوسيلة التي من خلالها يتم تحقيق النمو المتكامل للطفل من جميع جوانب النمو المختلفة . ويؤكد المصطفى (1995) و Ignico (1989) وعثمان(1985) على أن الحركة وسيلة من الوسائل التعليمية للتنمية المعرفية, خصوصا إذا كان التعلم بالطريقة الصحيحة. باعتبار أن التربية الحركية طريقة يفترض فيها إثارة دوافع الأطفال وطاقاتهم نحو التعلم. ويرى العديد من علماء التربية وعلم النفس وعلوم الحركة ضرورة أن تبدأ التربية الحركية للطفل مبكرا ما أمكن. لأن عدم إشراك الطفل في البرامج الحركية خلال هذه المرحلة قد يؤدي إلى إصابته بضعف في القدرات الحسية الإدراكية والحركية, مما قد ينعكس ذلك بصورة سلبية على علاقاته الاجتماعية ومستواه الدراسي .
ويوضح الشكل رقم (4) النموذج التطوري التطبيقي لأطفال مرحلة الطفولة المبكرة الذي يشتمل أنواع المهارات (ثبات واتزان الجسم, والحركات الانتقالية, وحركات السيطرة والتحكم), ومحتوى المنهج والمفاهيم الحركية، وطرائق التدريس المناسبة لهذه المرحلة. أن الشكل هو عبارة عن خطة يمكن من خلالها تحديد منهج التربية الحركية، وطرائق التدريس المناسبة.
والخلاصة, أن برامج التربية الحركية هي تلك المساحة من منهاج مرحلة الطفولة المبكرة التي تقابل احتياجات هذه المرحلة العمرية مستعينة بالأداء الحركي المتنوع من خلال إطار مرجعي يشتمل على أربعة عناصر أساسية تعبر عن جوانب الحركة:
أولا: الحركات الأساسية وتشمل التالي:
1.الوعي بالفراغ (إلى أين يتحرك الجسم).
2.الوعي بالجسم (ما لذي يستطيع الجسم عمله)
3.نوع الحركة (كيف يتحرك الجسم)
4.العلاقات الاجتماعية (مع من يتحرك الجسم, أو مع ماذا يتحرك الجسم)
ثانيا: تعلم المهارة الحركية:
ويرى البعض أن المهارة الحركية ترتبط بإنجاز عمل ما يتطلب توافر قدرات بدنية ومهارية, ويمكن التعبير عنها بالسرعة والدقة والقدرة والكفاية بالمقارنة مع نفسه وأقرانه.
ثالثا: الكفاءة الإدراكية الحركية:
رابعا: ميكانيكية الجسم
خامسا:الطلاقة الحركية.
اعتبارات أساسية يجب وضعها في الحسبان عند تصميم المنهاج الخاص بالتربية الحركية, فالواجبات الحركية يجب أن تتلاءم من حيث المحتوى والتتابع مع مستوى النمو البدني والحركي والعقلي والاجتماعي.

العوامل الأساسية التي تسهم في إنجاح منهاج التربية الحركية:
ان نجاح برامج التربية الحركية تتوقف إلى حد كبير على عدد من الاعتبارات التي يجب على المعلم مراعاتها وهي كالتالي:
1.الخبرة الحركية يجب أن تكون ذات معنى للطفل:
يجب أن تشتق أغراض البرنامج التعليمي في التربية الحركية من اهتمامات واحتياجات واستعدادات الطفل, ويساعد في ذلك الأجهزة والأدوات والساحات الملائمة لتعليم الأنشطة الحركية.
2.إعداد الأنشطة الحركية للطفل يكون من خلال فرص التحدي والمتعة:
على المعلم أن يعمل على تنويع الأنشطة الحركية لتتلاءم مع كافة المستويات واضعا في اعتباره بعض الاعتبارات الأساسية كالتدرج من السهل إلى الصعب, وعدم الاستخفاف بقدرات الطفل الحركية التي قد تدفعه للعزوف وتحرمه من التحدي والاستمتاع.
3.مراعاة عامل الحمل في العمل مع الأطفال:
التوازن مطلب أساسي في كل ما يتعلق بحمل العمل والراحة في كافة الأنشطة الحركية, حتى لو تتطلب إيقاف النشاط لفترة زمنية.
4.إتاحة فرص الاشتراك والممارسة لجميع الأطفال:
إشراك جميع الأطفال أمر أساسي في جميع الأنشطة الحركية, ويراعى عدم عزل الأطفال عن المشاركة حتى لو كان استعدادهم وقبولهم للحركة ضعيف.
5.دمج الخبرة الحركية بالأنشطة المدرسية والبيئة:
يجب ربط الخبرات الحركية بالبيئة, وكذلك بالخبرات والمعارف المدرسية مما يتيح للطفل الإدراك والتبصر.
6.توفير الوسط الملائم للممارسة الحركية للأطفال:
وذلك بإتاحة التصور والإدراك للأدوات والأجهزة مع الأخذ بالاعتبار عامل الأمن والسلامة.
7.توفير الإمكانيات وكفاءة استخدامها:
يجب الاستفادة من كافة الأدوات والمساحات المتاحة والأجهزة من خلال الأنشطة الحركية المختلفة.
8.الابتعاد عن المقارنات بين الأطفال:
يتفاوت الأطفال في الخبرات الحركية, تبعا للفروق الفردية كأن يتفوق في أداء بعض الخبرات الحركية ويخفق في البعض الآخر, لذا يراعى عدم عمل مقارنات بين الأطفال خوفا من خلق صفات سلبية لدى الطفل.
9.إبراز فرص الفوز والنجاح من خلال الأنشطة الحركية:
أن التغيير والتفاوت في مستوى الخبرات الحركية تتيح للقدرات الإدراكية أن تنال حضها من خبرات النجاح والتفوق باعتبارها خبرات نفسية مطلوبة في تشجيع الطفل للاستمرار والممارسة.
الخلاصة:
يتلخص موضوع البحث الحالي في توضيح الأبعاد الأساسية لمفهوم التربية الحركية, وإبراز أهميتها لأطفال مرحلة الطفولة المبكرة, من خلال عرض وتحليل ما توصلت إليه الأبحاث والدراسات السابقة. وقد أوضحت النتائج إن التربية الحركية نظام تربوي مبني بشكل أساسي على الإمكانات النفس حركية الطبيعية لدى الطفل, وهي جزء من التربية العامة التي تهدف إلى تحقيق النمو المتكامل للطفل عن طريق النشاط الحركي الموجهة، وذلك بهدف إخراج التعليم المدرسي التقليدي إلى أساليب أكثر إيجابية وفاعلية في تكوين شخصية الطفل وتنميته إلى أقصى ما تؤهله إمكانياته وقدراته ومواهبه.
التربية الحركية أو التربية من خلال الحركة تندرج تحت مفهومين فرعيين متصلين متداخلين هما: تعلم الحركة, والتعلم من خلال الحركة. ومن الصعب الفصل بين المفهومين في مرحلة الطفولة المبكرة حيث يحتاج الطفل من خلال الحركة وإتقانها, إلى زيادة معارفه وخبراته المعرفية، بالإضافة إلى اكتساب اللياقة البدنية والصحية.
والخلاصة, إن تجسيد أهداف التربية الحركية مرتبطة بجميع المواد التربوية التي تقدم للطفل في مرحلة التعليم الأولى, حيث تمثل برامج التربية الحركية تلك المساحة من منهاج مرحلة الطفولة المبكرة التي تقابل احتياجات هذه المرحلة العمرية مستعينة بالأداء الحركي المتنوع من خلال إطار علمي. وعلى هذا الأساس, فإن أهم ما تحرص عليه برامج التربية الحركية الاستفادة من مزايا القدرات الإدراكية للطفل التي تؤكد على العلاقة الايجابية بين هذه البرامج والنمو الإدراكي والحركي والمعرفي للطفل.


المراجع:
1.المصطفى, عبد العزيز (2000). أثر ممارسة الأنشطة الحركية الموجهة على النمو الحركي لأطفال مرحلة ما قبل المدرسة. مجلة جامعة أم القرى, العدد 1, المجلد 12, ص 21-32.
2.المصطفى, عبد العزيز (1998). النشاط الحركي وأهميته في تنمية القدرات الإدراكية الحسية-الحركية عند الأطفال. أبحاث اليرموك, العدد 1, المجلد 14, 29-40, الأردن
3.المصطفى, عبد العزيز (1995). علم النفس الحركي. دار الإبداع الثقافي, الرياض.
4.المصطفى, عبد العزيز (1995). مقدمة في علم التطور الحركي للطفل. دار الإبداع الثقافي, الرياض.
5.الديري, علي (1999). طرق تدريس التربية الرياضية في المرحلة الأساسية (التربية الحركية). مؤسسه حمادة ودار الكندي للنشر, اربد, الأردن.
6.عثمان, فريدة (1985). التربية الحركية لمرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية. دار القلم , الكويت.
7.فزاري، عبد السلام (2002). واقع الطفل المغربي وعلاقته بالمناهج والوسائل التربوية ما قبل المدرسية. مجلة الطفولة العربية, المجلد 4، ع 3, الكويت.

 REEM alNEIMI

المصدر: د مصطفى عبد العزيز
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 7538 مشاهدة
نشرت فى 27 يوليو 2012 بواسطة REEMSY

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

15,745