لم يكن الشروع فى عمل هذه الدراسة بالعمل العادى فى مجال الكتابة. فالحقيقة أن تضارب الأرقام والإحصاءات قد أدى بى أكثر من مرة إلى إلغاء العمل فى هذا الموضوع ولكن الحقائق التى ظهرت لى خلال البحث المستمر وراء كل معلومات تتعلق بهذا الموضوع قد مثل لى دافعا للاستكمال حتى استطيع أن أضع أمام القارئ حجم وقيمة هذه الثروة الهائلة المتاحة لدينا وكالعادة لا تجد من يستغلها.
- مياه العرب (مغارة على بابا السمكية):
فى الصغر كنت استمتع كثيراً بقراءة رواية راكبان على السفينة للكاتب حسين قدرى والتى كانت تمثل تجسيداً للتجربة المصرية فى مجال صيد الأسماك فى اعالى البحار بواسطة ثلاث سفن تم شراؤهما من روسيا وكان ذلك ضمن الخطط الطموحة التى تبنتها الثورة المصرية لتحقيق الأمن الغذائى فى مجال الثروة السمكية ولكن الأهم اننى وغيرى عندما تقدم بنا العمر صرنا ننظر الى الأسماك باعتبارها ركنا أساسيا فى غذائنا جميعا لنا وأطفالنا بل أنها تمثل الملجأ الأمن لبروتين رخيص وصحى وآمن.

- من أين يأتى هذا البروتين؟
كثيرون منا يحبون تناول اسماك الماكريل وهم يعلمون أنها تأتى مستوردة والبعض القليل فقط يعلم انها تستورد من اسبانيا ولكن الذى لا نعلمه أنهم يصيدون هذه الأسماك من المياه الموريتانية أو المياه المغربية بموجب اتفاقيات للصيد يوقعها الاتحاد الاوروبى مع هاتين الدولتين للسماح لسفن دول الاتحاد الاوروبى للصيد بتلك المياه مقابل أموال هزيلة مقارنة بالقيمة المضافة لتلك الاحياء البحرية بعد إعدادها وتجهيزها للبيع والتصدير والحقيقة أن الصيد لا يقتصر فقط على الأسماك وانما يشمل الإحياء المائية الاخرى كالإخطبوط والحبار والجمبرى بالإضافة إلى مائة وسبعين نوعا من الأسماك تصلح للاستهلاك الادمى من اجمالى أكثر من ثلاثمائة نوع من الأسماك تستخرج من أمام المياه الموريتانية التى تمتد سواحلها بطول 720 كيلو مترا (صالحة كلها للصيد) وتمثل موريتانيا وحدها مخزونا استراتيجيا لا ينتهى للثروة السمكية بالنسبة للعالم العربى لا يتم استغلاله سوى من قبل مراكب الصيد الأوروبية واليابانية ولا وجود لنشاط عربى فى هذه المنطقة التى يحلو للأوروبيين أن يطلقوا عليها مغارة اسماك على بابا وهى ثروة متجددة ليست كالنفط أو الغاز ويمكنها أن تحول موريتانيا إلى بلد غنى بعائدات تفوق عائدات البترول.
وإذا كان طول السواحل الموريتانية يبلغ 720 كيلو متر. فكم يبلغ طول السواحل العربية؟
السواحل البحرية العربية تقدر فى مجموعها بنحو 22.4 ألف كيلو متر وهذه يمكن تقسيمها إلى أربع مجموعات وذلك على النحو التالي:
أ ـ منطقة الساحل المطلة على المحيط الهندي:

 وتشمل المسطحات المائية لبحر العرب وخليج عمان والخليج العربى وإقليم عدن. ويبلغ طول السواحل العربية ضمن تلك المجموعة نحو 4.9 الف كيلو متر، كما تبلغ مساحة جرفها القارى نحو 121 الف كيلو متر مربع. وتشمل الأقطار المطلة على هذه السواحل كلا من الامارات، البحرين السعودية، الصومال، سلطنة عمان، قطر، العراق، الكويت واليمن.
ب ـ منطقة البحر الأحمر:

يقدر طول الساحل العربى فى هذه المنطقة بنحو 6.5 ألف كيلو متر، بينما تبلغ مساحة جرفها القارى نحو 189 ألف كيلو متر مربع والأقطار العربية المطلة على ذلك الساحل تشمل كلا من: الأردن. السعودية، السودان، جيبوتى ومصر واليمن.
ج ـ منطقة البحر الأبيض المتوسط

 ويقدر طول ساحلها بنحو 7 ألاف كيلو متر، بينما تبلغ مساحة جرفها القارى نحو 200 ألف كيلو متر مربع. وتشمل الأقطار العربية المطلة على ذلك الساحل كلا من تونس، الجزائر، سوريا، ليبيا، فلسطين، لبنان، المغرب ومصر. وشرق البحر الأبيض المتوسط له إمكانية صغيرة من حيث كمية الأسماك المتاحة لنشاط الصيد، حيث ان الافريز القارئ من جنوب البحر الأبيض المتوسط أقل إنتاجا من مثله فى شمال البحر الأبيض المتوسط نظرا لقلة عدد الأنهار التى تصب المواد المغذية فى البحر، على الرغم من هذا فانه فى بعض السنوات والفصول تكون هناك زيادة مفاجئة فى وفرة بعض الأسماك الساحلية الصغيرة كنتيجة لبعض الظروف البيئية المؤقتة كما توجد بعض المناطق الغنية نسبيا مثل تلك الموجودة فى خليج غابيس فى تونس، وخليج سرت فى ليبيا ودلتا النيل فى مصر.
د ـ منطقة المحيط الاطلسي:

 ويقدر طول ساحلها العربى بنحو أربعة آلاف كيلو متر، ومساحة جرفها القارئ يقدر بنحو 94 ألف كيلو متر مربع ويطل عليها كل من موريتانيا والمغرب.
أما الموارد التى تعتمد على مسطحات المياه العذبة فإنها تتمثل فى مجارى الأنهار والخزانات والسدود السطحية، وتقدر أطوال الأنهار التى تمر فى الأراضى العربية بحوالى 16.6 ألف كيلو متر، بينما تقدر مساحة الخزانات والسدود بنحو 2.4 مليون هتكار، منها حوالى 744.2 ألف هتكار مساحة الخزان التى يقع معظمها فى كل من العراق ومصر والسودان. كما أن هناك مساحة واسعة من المستنقعات تغطى حوالى 6.85 مليون هتكار تقع غالبيتها العظمى (حوالى 97.8%) فى السودان.

- ما هو الجرف القاري؟
الجرف القارى (بالانجليزية: Neritic zone) هى المنطقة المحصورة بين خط الجزر والحرف القاري، تقع فوق المنحدر القاري، أقصى عمق تصل إليه هو 180 م فقط. وتتميز الحياة هنا بتنوعها ووفرتها بحيث تعيش فيها معظم أنواع الأسماك. والإنتاجية هنا عالية نسبياً ويرجع ذلك إلى وفرة النترات فى هذه البيئة من جهة (مصدر النيتروجين فى عملية التركيب الضوئي) وضحالة مياهها من جهة أخرى مما يسمح لاختراق الأشعة الشمسية لهذه المياه.

- هل يحقق قطاع الصيد العربى مكاسب اقتصادية؟
يبلغ حجم الانتاج العربى من الصيد البحرى ما يوازى 2.6% من الانتاج العالمى لا تكفى الاستهلاك المحلى فى بعض الدول وبالنظر الى الامكانيات القليلة فى البنية الاساسية من موانئ للصيد ومصانع تجهيز الاسماك والاحياء البحرية الأخرى فأن القول بوجود صناعة للاسماك فى العالم العربى هو أمر عبثى وان كانت هناك بعض المكاسب نتيجة تصدير الأسماك إلى بعض الدول القريبة جغرافيا من مناطق الاستهلاك كموريتانيا والمغرب وسلطنة عمان التى تتقاسم النصيب الأكبر من عائدات تصدير الأسماك المصادة من البحار باجمالى ما يعادل 969 مليون دولار ويدخل معهم بعض الدول العربية الأخرى كتونس والسعودية واليمن والصومال ولكن بنسب قليلة لا تتجاوز 11% من هذا الانتاج وعلى الرغم من أن مصر تحتل المركز الأول عربيا فى انتاج الأسماك نتيجة نشاط الاستزراع السمكى وهو ما ستتناوله الدراسة إلا أنها لا تصدر الأسماك الى الاتحاد الاوروبى نتيجة الشروط التى يضعها الاتحاد الاوروبى لعمليات تداول الاسماك وهو ما يكبدها خسائر فى إنتاج الأسماك نتيجة نشاط الاستزراع السمكى وهو ما ستتناوله الدراسة الا انها لا تصدر الاسماك الى الاتحاد الاوروبى نتيجة الشروط التى يضعها الاتحاد الاوربى لعمليات تداول الأسماك وهو ما يكبدها خسائر تتجاوز المائتى مليون دولار يمكن ان تحصل عليها من تصدير الأسماك كان يمكن ان تساعد على تحسين الظروف الحياتية لقطاع كبير ممن يعملون فى مجال الاستزراع السمكي.

- هل يتمكن الاستزراع السمكى من خفض نسبة الفقر؟
كشف تقرير حديث صادر عن منظمة الاغذية والزراعة للأمم المتحدة "FAO" أن تربية الأحياء المائية تشكل أسرع القطاعات نمواً فى العالم لتلبى الطلب على البروتين الحيوانى وتكاد تغطى فى الوقت الراهن نحو نصف مجموعة الاسماك المستهلكة على الصعيد الدولى وتوقع التقرير أن أكثر من 50 بالمائة من استهلاك الاسماك فى العالم سيعتمد قبل عام 2012 على موارد تربية الأحياء المائية.
وأورد تقرير "تربية الاحياء المائية 2010" الصادر عن المنظمة "فاو" أن الإنتاج العالمى للاسماك من قطاع الاستزراع السمكى سجل نمواً بمعدل 60 بالمائة خلال الفترة بين عامى 2000 و2008، من 32.4 مليون طن إلى 52.5 مليون طن وذكر التقرير أن "ركود إنتاج الاسماك من أنشطة الصيد الطبيعى على الصعيد العالمى مقروناً بالنمو السكانى يسترعى الأنظار باتجاه قطاع تربية الاحياء المائية نظرا للإمكانيات الكبيرة لإنتاج الأسماك فى المستقبل تلبية للطلب المتزايد على الأغذية المائية الآمنة والممتازة".

- "خفض الفقر ودعم الأمن الغذائي"
ساهمت تربية الاحياء المائية فعلياً بنموها من حيث الحجم والقيمة فى خفض مستويات الفقر وتحسين الأمن الغذائى على نحو واضح فى العديد من أجزاء العالم.
غير أن نمو القطاع لم يأت متسقا حول الكوكب إذ تسود اختلافات ملحوظة فى مستويات الانتاج، وفى تكوين الأنواع ونظم الإنتاج على مستوى كل إقليم وفيما بين الاقاليم ومن بلد إلى أخر.

- ما هى الحلول؟
الاجابة لا توجد حلول حتى الان فبعيدا عن الشعارات حتى الان لم توقع اية اتفاقيات للصيد بين دولتين عربيتين ومازال يتم القاء القبض على الصيادين المخالفين حتى لو كانوا عربا والزج بهم فى السجون وفرض الغرامات وسوء المعاملة وانتقاء المشروعات المشتركة سواء من ناحية انشاء الاساطيل المشتركة أو مشاريع مشتركة للاستزراع السمكى او اى نواح اخرى للتعاون فى هذا المجال ليبقى السؤال متى سنستخرج الكنز المدفون.

 بقلم:   سامح عماره

اعداد : عبيرابراهيم

المصدر: جريدة التعاون

ساحة النقاش

Publishing
المهندسة/ عبير إبراهيم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

674,421