مازلت أعتقد أن الدكتور كمال الجنزورى، خبير فى صيد الأسماك، ومُلم بعالم البحار.
لكن ماذا يفعل الصياد الماهر، إذا كانت ثقوب شباكه أوسع وأكبر من حجم الأسماك التى تعود على صيدها؟!
ماذا يفعل إذا كانت شباكه ستحصد أسماكاً مثل الأسماك الأفريقية التى تحوى من الشوك والعظم أكثر من اللحم؟!
الشوكة الأكبر فى حلق الجنزورى هى عجز الموازنة العامة، واحتياجه لمزيد من الإنفاق الحكومى العاجل، لإنقاذ الموقف، وسد احتياجات واستحقاقات اجتماعية وفئوية ضخمة وهو ما قد يتسبب فى زيادة العجز فى الموازنة، بسبب زيادة الإنفاق الحكومى عن الإيرادات الحقيقية، والمتاحة التى تحصلها الدولة.
الدولة التقليدية لمواجهة عجز الموازنة بزيادة الإيرادات السيادية «ضرائب - رسوم جمارك» ستؤدى إلى كوارث، وكأن الصياد استغنى عن الشباك وقرر أن يستخدم الصيد بالديناميت، ففجر السمك، والشباك، والبحر، ونفسه أولا.
فلا سبيل أبداً للجنزورى أن يزيد الأعباء الضريبية فى ظل حالة الكساد، والعجز والفقر وانحسار فرص الاستثمار المحلى والأجنبى، كما أنه لا يملك رفاهية التفكير فى بيع بعض الأصول المملوكة للدولة فى ظل مناخ عام معاد لهذا التوجه وصدور أحكام قضائية تبطل بعض الصفقات السابق إبرامها، كاستجابة للمقاومة الاجتماعية لهذه السياسات، فضلاً على الأوضاع غير المواتية فى الأسواق العربية والعالمية التى تصعب فكرة البيع الآن.
الحل البديل لزيادة الموارد -الآن- هو تقليص الإنفاق فى وحدات الجهاز الإدارى للدولة، وتقييد الإنفاق الاستثمارى، وهو حل ملىء بالأشواك -أيضاً- لأنه يحرم الجهاز الإدارى من القدرة على الأداء الأفضل والإنجاز، وكذلك الوفاء بالتزاماته تجاه الآخرين، وهو ما يؤثر على الحالة الاقتصادية فى البلاد ويهدم الهدف الأساسى وهو ضبط الأداء المالى وزيادة الإيرادات.
وفى تقديرى -المتواضع- أن نزع هذه الشوكة الكبرى، لن يتأتى إلا بإقامة علاقة متوازنة وصحيحة، بين الإنفاق الحكومى والغايات المستهدفة منه، وربط الإنفاق بالأداء، وتحقيق أهداف محددة، قابلة للقياس، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بنظام موازنة البرامج التى كثيراً ما دعوت إليها فى برنامجى الانتخابى، وفى برنامج حزب «غد الثورة».
موازنة البرامج، هى موازنة مختلفة تماماً عن تلك التى تعود على هضمها الدكتور الجنزورى وتقتضى تغيير أسلوب إعداد الموازنة العامة للدولة، عما هو معمول به الآن، ومنذ عقود، فبدلاً من تقرير اعتمادات فى أبواب أربعة للموازنة، ثم محاولة تغطية تلك الاعتمادات بمصادر للإيرادات، دون تحديد عوائد محددة لهذا الإنفاق، لابد من وجود علاقة مستمرة ومتوازنة بين إنفاق الدولة وما يتحقق من عائد يمثل بذاته مصدراً لتمويل النشاط.
الشوكة الأكبر التى ستعوق ابتلاع الدكتور الجنزورى وهضمه لهذا التوجه هى الإنفاق الضخم المخصص لبعض المؤسسات السيادية «الجيش، الرئاسة، الأمن القومى، الخارجية» وجميعها يعتبر مصدراً رئيسياً للعجز فى الموازنة، وقد أشارت برامج الإصلاح المالى منذ 1968 «حكومة عبدالعزيز حجازى» لهذه الأزمة، وحاول وزير المالية الأسبق مدحت حسنين التعرض لها دون تحقيق إنجازات حقيقية لعدم وجود إرادة سياسية للمواجهة.
الشوكة الثانية التى تهدد حياة حكومة الجنزورى هى رغبته فى استعادة الإنفاق على مشروعات مثل: «توشكى، وأبوطرطور، وفحم المغارة» وجميعها لا يحقق التوازن السريع بين الإنفاق والعائد.
إذا كان الجنزورى حصل على سمكة «الصلاحيات»، لكن أشواكها ربما تمنعه من هضمها.
اليوم السابع : 11 - 12 - 2011
اعداد : عبير ابراهيم
ساحة النقاش