عندما تلج من إحدى البوابات الثلاث لسوق السمك في منطقة شرق، يخيل إليك أنك أمام مجموعة من «الكومبارس» يقفون واجمين متعجبين أمام مشهد ما، ولكن المفاجأة أن هؤلاء ليسوا كذلك، فالحقيقة التي صعقوا لسماعها ورؤيتها على أرض الواقع أسكتت أفواههم، حتى إن البعض عاد قافلا إلى بيته من دون أن يحمل معه بعض الأسماك التي يزين بها مائدته.

جاء عيد الأضحى المبارك وجاءت معه فرحة الجميع بنحر الأضاحي تقربا إلى الله، ومن الطبيعي أن ترتفع أسعار الأضاحي بهذه المناسبة الكريمة وأن تنخفض أسعار الأسماك بسبب قلة الطلب عليها وزيادة الطلب على لحوم الأنعام، ولكن الحال لم يكن كذلك، فأسعار الأسماك فاجأتنا كما فاجأت جميع من دخل سوق السمك للشراء، فالأسعار مرتفعة ونارية بشكل لا يصدق، فإذا أردت على سبيل المثال شراء سمكة الزبيدي فسعر الكيلو 9 دنانير ويصل إلى 10 دنانير، وأما سيد المائدة الروبيان؛ فسعر الكيلو منه وصل إلى 4 دنانير فما فوق، وهكذا أسعار جميع أنواع السمك.

ولابد أن لهذا الارتفاع أسبابا، ولكن هذه الأسباب سواء كانت تحميل المسؤولية في هذا لقرار الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية منع الصيد بالشباك أحادية الشعيرة واستبدالها بالشباك متعددة الشعيرات، ومنع صيد سمكة الميد في جون الكويت، أو قلة المعروض من السمك، لا تقنع الراغبين في شراء السمك وتناوله بأن تكون الأسعار بهذا المستوى من الارتفاع، فهل يعقل أن يدفع من يريد شراء كيلو واحد من السمك 9 دنانير؟

«الأنباء» كعادتها تواجدت في سوق السمك ورصدت آراء رواده وشعورهم بالضيق والأسى وخيبة أملهم حتى في أيام عيد الأضحى بهذا الارتفاع للأسعار، وفيما يلي الآراء:

بداية، شدد عبدالله العتيبي، على أن هناك ارتفاعا واضحا وغير منطقي في أسعار السمك، وصل في سمكة الزبيدي إلى 9 دنانير وفي الروبيان إلى 4 دنانير فما فوق، مشيرا إلى أن ثمة استغلالا لحاجة المستهلكين ورغبتهم في تناول سيد الموائد، ورغم الإضراب الذي تم تنظيمه أخيرا لإجبار باعة السمك على تخفيض الأسعار إلا أنه لم تكن هناك جدوى من هذا الأمر.

وحمل العتيبي وزارة التجارة الدور المهم في مراقبة الأسعار والوقوف إلى جانب المستهلكين من مواطنين ومقيمين، والحيلولة دون حدوث أي من ممارسات الغش التجاري والاحتكار واستغلال حاجة المستهلكين.

كالندر: المستهلك هو الضحية

بدوره، أعرب يوسف كالندر عن تذمره من الارتفاع الكبير في أسعار الأسماك خصوصا الأنواع التي تحظى بشعبية على المائدة الكويتية مثل سمك الهامور، والربيان، والزبيدي، في حين أن أسعار بقية أنواع السمك مناسبة إلى حد ما، مرجعا أسباب الارتفاع إلى ضعف الرقابة على باعة السمك من جهة، وانخفاض كميات الأسماك لاسيما الأنواع المرغوبة فيها والمحبوبة للمستهلكين من جهة أخرى.

وذكر كالندر أن المستهلك هو الضحية أولا وأخيرا لهذا الارتفاع، فهو لا يجد أمامه حلا للمشكلة إلا بالرضا بهذه الأسعار وألا يحرم نفسه من وجبة السمك الشهية والغنية بالفوائد، أو أن يمتنع عن الشراء ويفكر في اللحم أو الدجاج.

من جانبه، أكد سليمان بوطارق على أنه قصد سوق الأسماك في منطقة شرق بناء على خبر صحافي قرأه في إحدى الصحف المحلية مفاده أن أسعار السمك في العيد منخفضة جدا، وذلك بناء على توجه الناس إلى تناول لحوم الأضاحي والعدول عن الأصناف الأخرى من اللحوم، لكن بوطارق جاء كغيره من هواة السمك الذين اكتظ بهم السوق في اليوم الرابع من العيد وفوجئ مثلهم بالأسعار التي رآها بعينه، فسعر كيلو الزبيدي بلغ نحو 9 دنانير، وهذا أمر قد يرهق كاهل المواطن الكويتي ذي الدخل المحدود وكذلك المقيمون أيضا.

مسلم: «شنو فيه المستورد؟»

البائع أشرف مسلم من الجنسية الهندية، كان على خلاف ما رآه زبائنه، فالارتفاع في أسعار السمك الذي تذمر منه هؤلاء، اعتبره وصفا غير دقيق، بل أكد على أن ثمن كيلو السمك عادي جدا يستطيع ذوو الدخل المحدود وغيرهم شراءه دون أن يؤثر عليهم، مشيرا إلى أن بإمكان الجميع تناول الهامور الإيراني في حال ارتفع سعر نظيره الكويتي، وهكذا دواليك في بقية الأصناف المحبوبة من السمك، وقال: إن وجود السمك المستورد على بسطات السوق يعمل على إيجاد توازن في الأسعار إلى حد ما، متسائلا: مم يشكو الزبيدي السعودي والإيراني إذا كان سعره 5 دنانير في حين أن سعر الكويتي يصل إلى 9 دنانير؟ ولماذا لا نرضى بالهامور المستورد إذا كان سعر الكيلو الطازج منه 2.5 دينار في حين أن المحلي منه يصل سعره إلى 5 دنانير.

أما ياسين صالح ـ وهو من هواة سمكة النويبي ـ فقد بين أن أسعار السمك عادية إلى حد ما، فالكيلو يصل إلى 3 دنانير، ومع ذلك فهناك أسماك وأنواع أخرى يمكن أن تكون جيدة وقريبة الطعم من الهامور والنويبي وغيرهما، مؤكدا أن السمكة المحلية هي الخيار الأفضل بالنسبة له حتى وإن كانت المستوردة أقل منها ثمنا.

مندوح: الصياد مهدد بالإبعاد

البائع نزيه مندوح ذكر هو الآخر أن الأسعار ليست بتلك المرتفعة، بل إنها مناسبة إلى حد كبير جدا، والسبب هو أن هذه الأيام أيام عيد، مؤكدا أن الأسعار تتجه إلى الارتفاع والانخفاض تبعا للكميات التي تأتي من البحر عبر شباك الصيادين، فالكمية في الوقت الحالي منخفضة وذلك بسبب انخفاض درجة الحرارة من جهة، ومنع الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية للصيد في الجون من جهة اخرى، والصياد الذي يصيد هناك مهدد بالإبعاد من الكويت، وهذا الخوف يجعله يبحر بعيدا ليصيد بمنأى عن هذه المشاكل لكنه لن يجد الصيد الوفير خارج الجون.

ولفت مندوح إلى أن السماح بالصيد في الجون سيعمل بلا شك على تخفيض الأسعار بنسبة كبيرة جدا، فكثرة العرض تؤدي إلى انخفاض السعر وتمكن المستهلك من شراء السمك في أي وقت، متوقعا الارتفاع الكبير في الأسعار عقب عطلة عيد الأضحى المبارك، خاصة سمك الميد وسمك الربيان الذي وصل سعر سلة الجامبو منه اليوم إلى 80 دينارا، كما دعا الجهات المعنية في الدولة وعلى رأسها هيئة الزراعة إلى التخفيف عن الصيادين.

رحاب: فوجئت بالأسعار

رحاب من هواة السمك فوجئت بالأسعار المرتفعة للسمك رغم أنه انخفض إلى حد ما عن فترة ما قبل العيد، فالزبيدي وصل سعر الكيلو منه إلى 10 دنانير، والهامور الذي ترغب فيه كثيرا هو والشعوم والربيان سعره مرتفع جدا، وذلك على الرغم من أن هذه الأيام هي أيام عيد الأضحى المبارك الذي يتجه فيه الناس إلى لحوم الضأن والأضاحي مما يقلل الطلب على السمك.

وطالبت رحاب وزارة التجارة بتشديد الرقابة على شركات الأسماك، وإيجاد توازن في الأسعار ليتمكن المستهلك ـ أيا كان دخله ـ من شراء السمك واللحوم تبعا لرغبته وحاجة أسرته، وقالت: إن كميات غير وفيرة من الاسماك في السوق ستفرض بلا أدنى شك واقعا لا يمكن تحمله من الاسعار المرتفعة، مما يستدعي من هيئة الزراعة تغيير آلية توريد السمك المحلي والسماح للصيادين بالصيد في الأماكن الغنية بالأسماك بدلا من إجبارهم على الصيد في أماكن تشح فيها الثروة السمكية مما يقلل العرض ويزيد في السعر.

زويل: الميد هاجر لدول أخرى بعد منع صيده لدينا

أما محمود زويل وهو أحد الباعة من الجنسية المصرية فقد أكد أن منع الصيادين من الصيد بالشباك أحادية الشعيرة وهو الذي كان يتم بواسطته صيد سمك الميد ساهم في ارتفاع الأسعار على جميع أنواع الأسماك، وقال: إن قلة سمك الميد، الذي يسمى سمكة الرجل الفقير والأسرة الفقيرة، في السوق تتسبب في التفكير بالأنواع الأخرى، بل إن عدم صيده في الجون يعمل على هجرته إلى الدول الاخرى التي لا تتورع عن صيده بشكل جائر، وطالب هيئة الزراعة بالسماح للصيادين في الجون بالصيد بالشباك الخاصة بسمك الميد.

من جانبه، أكد جاسم محمد أن الأسعار مناسبة إلى حد ما، ومنظر السوق والإقبال عليه من قبل الزبائن يتماشى بشكل واقعي مع الأسعار، فسمك الشعوم الذي كان قبل العيد يباع الكيلو منه بسعر 3 دنانير يباع اليوم على بسطات السوق بسعر دينارين، كما أن الروبيان متوافر هذه الأيام، مضيفا أن أكثر أنواع السمك التي يرغب بها هي النقرور والنويبي والشعوم.

العريفان لـ «الأنباء»: الشباك متعددة الشعيرات أثبتت التجربة العملية فشلها الذريع وإيذاءها للبيئة البحرية

شدد رئيس الاتحاد الكويتي للصيادين محمد العريفان في تصريح خاص لـ «الأنباء»، على أن سنة ونصف السنة مرت على قرار منع الصيد بالشبك أحادي الشعيرة دون أي جدوى منه، بل إن استبدال هذا النوع من الشباك بالشباك متعددة الشعيرة أثبت بالتجربة العملية فشله وتسببه في إيذاء البيئة والكائنات البحرية، وقلة المعروض من الأسماك، وشح أحد أهم الأنواع المحببة لسكان الكويت وهي سمكة الميد، موضحا أن ما تشهده أسعار السمك من ارتفاع كبير لا يتماشى مع ذوي الدخل المحدود، له من الأسباب والدواعي المنطقية ما يبرره، ويجنب الصيادين توجيه أصابع الاتهام إليهم لأجله، ومن أهم تلك الأسباب قرار هيئة الزراعة بمنع شباك الغزل واستبدالها بالشباك متعددة الشعيرات، ومنع صيد أسماك الميد والروبيان والزبيدي في الجون. ولفت العريفان إلى أن هذه العوامل ساهمت في انخفاض منسوب السمك المحلي ما أدى إلى ارتفاع أسعار جميع أنواع السمك، فوجود سمك الميد والروبيان المحلي في السوق بكميات وفيرة وأسعار مناسبة سيعمل على تخفيض أسعار الأسماك الأخرى، مشيرا إلى أن الشبك متعدد الشعيرات أثبت فشله على مدار السنة ونصف السنة الأخيرة، فعلاوة على أنه غالي الثمن وغير متوافر في السوق، فإن وزنه الثقيل على الطراد يساعد في سقوطه بسهولة في قاع البحر وضياعه من الصياد وبقائه في القاع مما يؤذي البيئة البحرية وما فيها من أسماك ويرقات، بخلاف الشبك أحادي الشعيرة ذي الوزن الخفيف، والذي لا ينزل إلى القاع بل يطفو بعيدا عنه كما أنه لا يتسبب في زيادة الحمل على الطراد، كما أن الشبك متعدد الشعيرات يعمل على إيذاء الأسماك غير التجارية والتي لا يستفيد منها الصياد مثل: اللخم والجراجير والقناديل إلا أن الأسماك التجارية التي يتم صيدها تتغذى على تلك الكائنات وتستفيد منها. وناشد العريفان الجهات المعنية بالرجوع إلى الشبك أحادي الشعيرة وبإعادة النظر في استبداله بالشبك متعدد الشعيرة، لاسيما بعدما تبين بالتجربة العملية فشله، وقال: ما حذرنا منه قبل سنة ونصف السنة رأينا نتائجه اليوم بأعيننا من ارتفاع الأسعار وقلة المعروض، ونحن لا خلاف بيننا وبين الإخوة في هيئة الزراعة وهم أعزاء علينا وإذا كنا نختلف في قضايا تهم مصلحة الوطن والمواطن، فإننا نلتقي بحكم أننا إخوة، لكننا نناشدهم التراجع عن قرار الصيد بالشبك متعدد الشعيرة نظرا لفشله، والتراجع لا يعيب صاحب القرار، بل إن ثمة مراسيم أميرية تغيرت وتعدلت، وأن تصل متأخرا خير من ألا تصل.

من جانب آخر، اعتبر العريفان أن منع الصيد في الجون فكرة صائبة، لأن الجون مفقسة، لكنه في نفس الوقت دعا إلى السماح بصيد سمك الميد في جون الكويت بضوابط مكانية وزمانية وبرقابة من قبل هيئة الزراعة، وذلك لأن هذا النوع من الأسماك لا يتكاثر إلا في جون الكويت والمياه الضحلة مما يجعل من الصعوبة بمكان صيده في مناطق أخرى، مؤكدا أن أسعاره بالتالي ستعود كما كانت في السابق إلى 3 دنانير للسلة بدلا من 50 دينارا في الوقت الحالي. ورأى العريفان أن سمك الميد موجود في جون الكويت، وإذا لم يتم صيده والاستفادة منه فإن هجرته في هذه الأيام التي بدأت بالبرد هي النتيجة التي لا مفر منها، ومن ثم ستستفيد منه الدول المجاورة، مشيرا إلى أن كثرة الميد في جون الكويت تؤثر كذلك على محطة تقطير المياه في الدوحة، ويعمل على انغلاق شباك فلاترها مستشهدا بما أكدته وزارة الكهرباء والماء في هذا الخصوص، وبالتالي، فإن الميد سيكون مصدر قلق وإزعاج بعد أن كان ثروة سمكية يستفيد منها الوطن والمواطن.

وعلى صعيد آخر، حذر العريفان من موجة ارتفاع قادمة في الأسعار ستحيق بأهم المنتجات الغذائية والاستهلاكية خلال الفترة المقبلة، مستندا في توقعه هذا الى أن انتهاء فترة المنحة الأميرية للمواطنين بتقديم المواد التموينية بالمجان، سيعمل على زيادة الطلب على تلك المواد في منافذ البيع، مع ما يرافق ذلك من استفحال صفة الطمع والجشع عند التجار ورفعهم الأسعار على المواطنين والمقيمين مستغلين حاجتهم إلى السلع. وأشاد العريفان بالمكرمة الأميرية التي تفضل بها صاحب السمو والتي لن ينساها له التاريخ، لاسيما أن سمعة الكويت ارتقت عاليا وأصبحت محط أنظار الدول المتقدمة قبل المتخلفة بعد هذه المكرمة التي لم تفعلها أي دولة في العالم من أجل إسعاد مواطنيها وذلك من خلال التوزيع العادل في الثروة، ما ساهم في تخفيض الأسعار طيلة هذه الفترة على المواد الغذائية، وهو الأمر الذي يمكن أن يعدمه سكان الكويت في حال لم يتم تجديد هذه المكرمة، وبالتالي، زيادة الأسعار التي سيكون المواطن ضعيف الدخل والمقيم أكثر المتأثرين بها.

اعداد : عبير ابراهيم

المصدر: جريدة الأنباء

ساحة النقاش

Publishing
المهندسة/ عبير إبراهيم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

673,902