مفاهيم الإرشاد الأسري بين الدين والعلم
د0 محمد نور العلي
مقدمة
لعل من أهم معاني الأسرة في اللغة العربية " الدرع الحصينة وأقارب الرجل الأدنون وأهل بيته الذين يتقوى بهم حيث أن المرء ذكرا كان أو أنثى يحتمي بأقاربه كما يحتمي المحارب بالدرع . المعجم الوسيط " مادة أسر "
وبناء على هذا المعنى فإن الأسرة عماد المجتمع، وقاعدة الحياة الإنسانية، وأنها إذا أسست على دعائم راسخة من الدين والخلق والترابط الحميم، فإنها تكون لبنة قوية في بنيان الأمة، أوخلية حية في جسم المجتمع، ومن ثم كان صلاح الأسرة هو السبيل لصلاح الأمة، وكان فسادها أو انحلالها مناط فساد المجتمع أو انهياره.ولأهمية الأسرة البالغة كان الاهتمام الكبير الذي أولته التشريعات الإلهية والقوانين الوضعية لها،خاصة الشريعة الإسلامية التي بعث بها خاتم النبيين سيدنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام للناس كافة . . فقد قرر الإسلام المبادئ والقواعد التي تؤسس عليها الأسرة، والتي تكفل لها حياة فاضلة تقوم على معاني المودة والرحمة والسكن والوئام والسلام، قال الله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوآ إليها وجعل بينكم مودة ورحمةً إن في ذلك لأيتٍ لقوم يتفكرون ) (الروم:21)
وظلت الأسرة المسلمة عبر مراحل التاريخ الإسلامي تتمتع بقسط وافر من القيمالإسلامية، قيم الترابط والتراحم والتعاطف والتآلف والتكافل، وقيم الإحسان والتعاون على البر والتقوى، قيم احترام الكبيروالعطف على الصغير، قيم الإيثار والمحبةوالكلمة الطيبة، وصلة الرحم، ومن ثم كان لها دورها الفاعل في حياة الأمة والمجتمع وقوتها ونهضتها . . وكان لها القيادة والريادة والسبق الحضاري الذي أنار للغرب طريقالعلم والتقدم
ونعني " بكلمة الأسرة " بوجه عام :
الجماعة الصغيرة ذات الأدوار والمراكز الإجتماعية مثل " الزوج والأب والابن والابنة . يربطها رباط الدم أو الزواج وتشترك في سكن واحد وتتعاون اقتصاديا .إن النمط التقليدي للأسرة في العادة يضم الزوجين وأطفالهما إلا أن ذلك لا يمنع من وجود أنماط أخرى , مثل ( المرأة المطلقة وأطفالها ) تعتبر أسرة .وكذلك ( الزوج المطلق وأطفاله ( و) الأرمل والأرملة وأطفالهما (
وهناك نماذج لكنها لا تتناسب مع ديننا وشريعتنا وتقاليدنا وأكثرها في الدول الغربيةمثل " التبني " و" الذين لم يتزوجوا إطلاقا وأصبحوا آباء غير شرعيين "
وبناء عليه عرف كل من برجس ولوك : بأن الأسرة تتكون من أشخاص مرتبطين برباط الزوجية أو برباط الدم أو التبني .وتحريم التبني جاء حين طلق زيد بن حارثة رضي الله عنه - وكان قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم - زينب وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم , وهي قصة ذات دلالة في تحريم التبني
ضوابط تكوين الأسرة
بما أن تكوين الأسرة مهم جدا حيث هي المهد الأول الذي يتربى فيه الإنسان وأن الأخلاق والآداب والأحكام الشرعية في غالبيتها تصب في بناء الأسرة وترابط أفرادها ترابطا وثيقا لا مثيل له في أي نظام إنساني في العالم فهي مضبوطة بضوابط شرعية تخص الدولة أولا والعصبة ثانيا والأسرة ثالثا
أما الدولة : فإن الإسلام حرم الزواج عند اختلاف الدين باستثناء أهل الكتاب فهو جائز عند المذاهب الأربعة لكنه مكروه عند جميعهم لأسباب عديدة منها " الخوف على الرجل أن تفتنه وخوفا على الأولاد أن يتغذوا بما لا يتناسب مع دينه . وفيه تفريط بالفتيات المسلمات .
فقد ذكر القرافي " وهو مالكي المذهب " في الذخيرة 4/ 322 كراهة نكاح الكتابيات وعلل هذه الكراهية بسوء تربية الولد ولأمر عمر رضي الله عنه بمفارقة الكتابيات .
وذكر ابن عابدين " وهو حنفي المذهب " في حاشيته 2/ 289 أن الأولى عدم نكاحهن وشدد في كراهة نكاح الكتابيات الحربيات وعلل ذلك بقوله " لا فتتاح باب الفتنة وتعرض الولد على التخلق بأخلاق أهل الكفر وذكر النووي " وهو شافعي المذهب " في المجموع 15/ 122 كراهة ذلك لأنا لا نأمن أن يميل إليهافتفتنه عن الدين أو يتولى أهل دينها فإن كانت حربية فالكراهة أشد .
وذكر ابن قدامة " وهو حنبلي المذهب " في المغني 6/ 590 : أن الأولى عدم ذلك لأنه ربما مال إليها قلبه ففتنته وربما مال ولدهما إليها .وبناء عليه أمر عمر رضي الله عنه من تزوج من الكتابيات زمن الفتح مع سعد بن أبي وقاص أن يطلقوهن . وفيه قصة رفض حذيفة الطلاق أولا ثم الاستجابة لأمر عمر رضي الله عنه . مصنف ابن أبي شيبة كتاب النكاح 4/158
فلو علمت الدولة بزواج مسلم بوثنية مشركة فرقت بينهما ولا يحتاج الأمر إلى طلاق لأنه باطل من أصله " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " البقرة 221
وأما العصبة : فإن لهم حق التدخل شرعا إذا فقدت الكفاءة بين الزوجين . قال أبوحنيفة : فقد الكفاءة يوجب للأولياء حق الإعتراض والقاضي يفرق بينهما بطلب من الولي , وعند أحمد روايتان أظهرها أن الزواج يبطل بفقدها . أما مالك والشافعي فلا يبطل النكاح بفقدها , الافصاح على المذاهب الأربعة لابن هبيرة 2/ 122 المجموع 15/ 72 المغني 6/ 481
وأما الأسرة :
فكذلك لها حق التدخل شرعا في الزواج ولذلك لا بد من وجود الولي بالنسبة للفتاة على رأي الجمهور . ولا بد أن يكون الخاطب صاحب دين وخلق ولذلك جاء الخطاب للأولياء " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " الترمذي وحسنه برقم 1091
المقاصد الإسلامية من تكوين الأسرة
1-اسل : لحب البقاء حيث إن حياة المرء ببقاء نسله . قال تعالى على لسان زكريا " فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب " مريم رقم الآية 5
والولد ذخر في الدنيا والآخرة " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ..." متفق عليه
تعليق
هناك حياة معنوية خالدة تكون بالعلم والمعرفة . وأن ليس المقصود من التناسل تكثيرالنسل وتركه هملا , وإنما المقصود الذرية الصالحة .
1-حفظ الأنساب : وهذا من الكليات الخمس التي حافظت عليها الأديان وهي " الدين والعقل والنفس والنسب والمال " الموافقات للشاطبي 2/10
الحكمة من حماية الأنساب
1- رعاية الأطفال
2- رعاية النساء
3- الحفاظ على الترابط الأسري
4- تهذيب الميول والغرائز الفطرية التي أودعها الله للإنسان .
الأسرة المتكاملة
يرى علماء النفس أن الأسرة المتكاملة ليست تلك التي تكفل لأبنائها الرعاية الاقتصادية والاجتماعية والصحية فحسب , بل هي الأسرة التي تهيئ لهم الجو النفسي الملائم أيضا ,ومن هنا فإن مجرد وجود طفل في بيت واحد مع والديه لا يعني دائما أنه يحيا في أسرة متكاملة أو يلقى العناية الأبوية الكافية .
وليست هناك أية بدائل يمكنها أن تحل محل عطف الأم وحيوية الأب بالإضافة إلىالدور الذي يقوم به الأخوة والأخوات في حياة كل فرد من أفراد الأسرة , وكم من أخ كان بمثابة الأب في حال فقد أبيه وكذلك بعض الأخوات .
الأسرة الصحية وغير الصحية
من خصائص الأسرة الصحية ما يلي :
1-الإتصال الواضح والمفتوح بحيث لا أسرار بينهم
2-التحدث مع بعضهم بشكل مستمر
3- النصح لبعضهم البعض
4- الوصول إلى اتفاق وتفاهم
5-القيادة فيها مشتركة وواضحة وإن كان يفضل أن تكون للكبير حتى يحترمهم الجميع ولا يستخف بالكبير أحد
أما الأسرة غير الصحية :
هي على عكس الأسرة الصحية حيث لكل فرد أجندته الخاصة وأسراره الخاصة والشعور بالغربة عن بعضهم البعض ودرجة التعاطف منخفضة وكذلك الثقة .
مفهوم الإرشاد الأسري
يعتبر الإرشاد الأسري من التخصصات الدقيقة، حيث أخذ اهتماماً كبيراً على مستوى العالم، منذ النصف الثاني من القرن العشرين. والملفت للنظر أن الإرشاد الأسري يرتبط بأكثر من تخصص علمي، إذ يهتم به المتخصصون في الخدمةالاجتماعية والطب النفسي وعلم النفس، ولعل هذا ما ساهم في تسريع حركة تطوره كشكل من أشكال التوجيه والإرشاد؛ إلاّ أننا لا نستطيع أن نعمم هذه الفكرة على كافة المجتمعات، " الإرشاد الأسري" د0 عبدالعزيز عبدالله البريثن
أقول : والنظريات في الإرشاد النفسي والأسري والإجتماعي كثرت حتى قال بعض الباحثين " تشبه الغابة كثيفة الأشجار " وبناء عليه نأخذ منها ما يتناسب مع ديننا ومجتمعاتنا علما أن عندنا منهجا إسلاميا رائدا في مجال الإرشاد وإن لم يكن كمنظومة متناسقة إنما هو متناثر في القرآن والسنة والأثر . وله مسلمات تتعلق بخيرية الإنسان وأفضليته وقدرته على التمييز بالإضافة لحمله معه الضعف البشري قال تعالى " زين للناس حب الشهوات " آل عمران رقم الآية 14
مفهوم الإرشاد الأسري وأهميته
فأصل مادةالإرشاد لغة : من أرشد يرشد إرشادا بمعنى هدى ودل، أما اصطلاحا:فهو عملية مساعدة أفراد الأسرة, الوالدين والأولاد وحتى الأقارب فرادى أو كجماعة في فهم الحياة الأسرية ومسؤولياتها؛ لتحقيق الاستقرار والتوافق الأسري وحل المشاكل الأسرية. والفرد والجماعة يحتاجون إلى التوجيه والإرشاد، وكل فرد خلال مراحل نموه المتتالية يمر بمشكلات وفترات حرجة يحتاج فيه إلى إرشاد، ونحن نعيش في عصر نطلق عليه عصر القلق، هذا كله يؤكد أن الحاجة ماسة إلى التوجيه والإرشاد في مدارسنا، في أسرنا، في مجتمعنا بصفة عامة لتحقيق التوازن بين الفرد وبيئته، أو هناك هدف بعيد المدى للتوجيه والإرشاد وهو توجيه الذات في حدود المعايير الاجتماعية وتحديد أهداف الحياة
ونعني بالإرشاد الأسري هو التوجيه الأسري الخاص بالزوجين والأبناء الذين هم أساس الأسرة وتأتي أهمية العملية الإرشادية للعمل على زيادة تبصير وتنوير الفرد ومحاولة تعديل مشاعره وأفكاره نحو ذاته والآخرين وبالتالي زيادة قدرته على السلوك الإيجابي وذلك للحد من انتشار المشكلات والظواهر الاجتماعية مثل: (التفككالأسري، الخلافات الزواجية، انطواء الذات..الخ) ومحاولة تذليل كافةالسبل وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق التوافق الأسري
هناك العديد من التعريفات تناولت الإرشاد الأسري لعل من أهمها أن الإرشاد النفسي الأسري هو المدخل الإرشادي الذي يتخذ من الأسرة نقطة انطلاقه ومحور ارتكازه، وليس الفرد الذي حدد كمريض فقط، بل أن الأسرة ككل تحتاج إلى الرعاية بعد تشخيصها جيدا.
وكل من عرّف ونظّر للإرشاد الأسري سواء كانوا مسلمين أوغيرهم يركزون على الأسرة كنقطة انطلاق ومحور ارتكاز كوحدة تشتمل على مجموعة من الأفراد .وهذه حقيقة تقرب من روح الإسلام حيث جعل المؤمنين كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر
" أهدافه يهدف الإرشاد الأسري بصفة عامة إلى :
1-تحقيق سعادة واستقرار واستمرار الأسرة وبالتالي سعادة المجتمع
2-تأهيل الشباب والفتيات لمرحلة ما قبل الزواج وبعده .
3-توعية المقبلين على الزواج بالحقوق والواجبات الأسرية .
4-نشر مفاهيم الثقافة الأسرية الصحيحة في ضوء تعاليم وأحكام الشريعةالإسلامية.
5-تحقيق الألفة والتقارب بين الأزواج وزيادة الترابط العائلي .
6-تهيئة الجوالأسري السليم لتنشئة الأولاد نشأة اجتماعية صالحة .
7-بحث أسباب الخلافات والمنازعات الزوجية والعائلية، واقتراح الحلول الملائمة لها
8-التقليل من نسبة الطلاق عن طريق إصلاح ذات البين.
9-تحقيق الطلاق الآمن الذي يضمن لكل فرد حقوقه
كيف تتحقق هذه الأهداف؟
بتنشئة الأولاد تنشئة صحيحة إسلاميا واجتماعيا و بنشر تعاليم أصول الحياة الأسرية السليمة، ، والمساعدة في حل وعلاج المشكلات والاضطرابات الأسرية، وفي هذا تحصين للأسرة ضد احتمالات الاضطراب أو الانهيار، وتحقق التوافق الأسري والصحة النفسية في الأسرة.
ويدخل الوالدان كعنصر فعال وضروري لإنجاح برامج التوجيه والإرشاد، وقد تعددت وسائل الإرشاد الأسري ولم تعد قاصرة على الاختبارات والملاحظة بل اشتملت على وسائل جديدة ومتطورة : مثل دراسة الحالة والسيرة الشخصية،
وأصبح الإرشاد خدمات ذات برامج مخططة بعد أن كان مجرد خدمات محدودة
.وبناء على ذلك لا بد من القول على الآباء أن يدربوا أنفسهم أولاً على ضبط النفس والتحكم في ثورات الغضب واتجاهاتهم، فالطفل يقلد والديه والراشدين من حوله، ويكون ضحية لسلوك الكبار الذي يتقمص شخصيتهم ويقلدهم.
وهذا واضح حين يقوم الوالدان بالصلاة داخل البيت فإنك ترى الصغار يقلدونهم في هذا الأمر ويقلدونهم في القيم الفاضلة والعكس صحيح إذ أن الأولاد منذ نعومة أظفارهم يتشربون من آبائهم وأمهاتهم نقاء الفطرة وصفاء السريرة وحب الخير للغير وكيف لا وهم القدوة في البيت وهم المرآة لأولادهم فلذات أكبادهم فحيث أن الأب سوي في خلقه كريم في مروءته قوي في دينه مكرم لزوجته بار بأبويه فإن هذا كله ينعكس إيجابا على الأولاد وهذا ما يعرف بطريق المشاهدة فترى الطفل حين يشاهد أباه يقوم بفعل الخير فإنه ينشأ عنده حب التقليد سواء في الخير أو الشر .ونحن نشاهد في بيوتنا أن الطفل يقلد أمه وأباه في الوضوء والصلاة بطريقة طفولية جميلةولذلك رغب الإسلام بذات الدين والصلاح وأنها خير ما يكنز المرء لأجل إنشاء جيل صالح ومجتمع فاضل فالأم الصالحة الصادقة التي تنكر ذاتها من أجل الغير تورث أبناءها الخير والصدق وتغرس فيهم السلوك الراشد والعادات الحسنة ويتعلمون منها لغة أقوالهم وأفعالهم حيث هي راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها كما جاء في الحديث الشريف " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وذكر " والمرأة راعية على بيت زوجها وولده " متفق عليه وقولهم " وراء كل عظيم امرأة " فأكثر ما تكون هي الأم ولا مانع أن تكون الزوجة أو الأخت وما شابه ولنا في التاريخ شواهد , وإذا نظرنا إلى كثير من العظماء لوجدنا أن وراءهم أما عظيمة ضحت بكل شيء لتساهم في تنشئة أبنائها على الخير والمروءة .والأمثلة كثيرة على ذلك :
البخاري وراءه أمه حيث ربي يتيما وكذلك الشافعي والإمام أحمد وابن الجوزي وغيرهم الكثير .ولكن مما يؤسف له أن كثيرا من الأمهات اليوم لا يهتمون إلا بأنفسهن تاركين العبء على الخادمة أو على أمهاتهن أو غير ذلك , فالنتيجة ستكون عكسية على الأسرة .قصة ذات دلالة سهل بن عبد الله التسترى ولد سنة 200هـ ببلدة تُسْتَر إحدى مدن خراسان .و هو إمام عصره فى الورع و المجاهدات و قد عرف الطريق إلى مولاه منذ الصبا فنشأ فى بيت تأسس على التقوى.فخاله محمد بن سوار أحد الزهاد الورعين و كان سهل فى الثالثة من عمره يرى خاله يقوم الليل مصلياً و قد بدأ سهل محاكاة خاله . و ذات ليلة قال له خاله :اذهب فنم فقد شغلت قلبى. فقال له أنت اذهب فنم ,و لما رأى منه خاله هذا الميل الفطرى للعبادةأقبل عليه قائلاً: ألا تذكر الله الذى خلقك؟ فقال:و كيف أذكره؟ قال له:قل بقلبك عند تقلبك فى ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك : الله شاهدى ففعل ذلك ثلاثة أيام ثم زاد عدد الذكر إلى سبع ثم إلى إحدى عشر مرة وكانت النتيجة كما قال السيد سهل نفسه: فوقع فى قلبى له حلاوة.مضى سهل إلى الكُتاب و هو ابن سبع سنين و حفظ القران فاكتمل له فى طفولته ما لم يكتمل لأحد من قرنائه فى عصره، حتى لقد رُوى عن أحمد بن سالم فى كتاب صفة الأولياء أنه قال :"ذَكَرَ سهل التسترى و هو ابن ثلاث سنين و صام و هو ابن خمس سنين و ساح فى طلب العلم و هو ابن تسع سنين." وصل سهل فى سيره إلى الله إلى مقام خاص لم يظفر به إلا خواص الخواص و هو مقام "سجود القلب" ثم أصبح من كبار العلماء العاملين في تاريخ الإسلام . كل هذا بفضل الله أولا وبمشاهدة خاله ثانيا . ترجم له الذهبي في سير أعلامه
موقف الشريعة في الإرشاد الأسري
مما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية السمحة بتعاليمها هي خير من قام بهذا الأمر ومن تكريس الوعي الديني، ومراعاة الأخذ بمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة التي تحض على العدل والمعاشرة بالمعروف والمودة والرحمة بين الزوجين وسائر أفراد الأسرة ،قال الله تعالى " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " النساء 1
والمعاشرة تتضمن أمورا عديدة :
1- الصبر على صعوبة أخلاقهن
قال الغزالي : ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال للأذى منها والحلم عند طيشها وغضبها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ,وهذا يصدقه قولالنبي صلى الله عليه وسلم لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر " رواه مسلم 1469 والفرك هو البغض .هذا إرشاد أسري من النبي صلى الله عليه وسلم يوصي به كل الأزواج حرصا على سلامة الأسر والمحافظة عليها .وشرحا للحديث يقول الإمام النووي : ينبغي ألا يبغضها لأنه إن وجد فيها خلقا يكره وجد فيها خلقا مرضيا بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به وبأولاده ومحافظة على بيته وأمواله ونحو ذلك قصة ذات دلالة ذكر الهيتمي في الزواجر 2/ 342 أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَشْكُوَ إلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَرُدُّ عَلَيْهَا فَانْصَرَفَ قَائِلًا : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ حَالِي ، فَخَرَجَ عُمَرُ فَرَآهُ مُوَلِّيًا فَنَادَاهُ مَا حَاجَتُك ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جِئْت أَشْكُو إلَيْك خُلُقَ زَوْجَتِي وَاسْتِطَالَتَهَا عَلَيَّ فَسَمِعْت زَوْجَتَك كَذَلِكَ فَرَجَعْت وَقُلْت : إذَا كَانَ هَذَا حَالَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ حَالِي ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا أَخِي إنِّي احْتَمَلْتُهَا لِحُقُوقٍ لَهَا عَلَيَّ ، إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِي خَبَّازَةٌ لِخُبْزِي غَسَّالَةٌ لِثِيَابِي مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِي وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا وَيَسْكُنُ قَلْبِي بِهَا عَنْ الْحَرَامِ فَأَنَا أَحْتَمِلُهَا لِذَلِكَ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَمِيرَ الْمُومِنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتِي قَالَ : فَاحْتَمِلْهَا يَا أَخِي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ .
تعليق
إن الحياة الزوجية ليست عشقا وحبا وهياما فحسب ، إنها احترام متبادل ، ومراعاة للمصلحة ، وتربية للأجيال ، إضافة إلى عامل السكن والمودة ، لهذا قد يضطر الزوج إلى البقاء مع زوجة لا يحبها تلك المحبة ، وذلك لحسن خلقها ، أو لوجود أطفال بينهما ، وكذلك قد تضطر الزوجة إلى البقاء مع زوج لا تحبه ذلك الحب ، إما لحسن خلقه ، أو لوجود أطفال بينهما ، فالحياة الزوجية كما نفهمها من الآية السابقة هي ( مودة ، ورحمة ) ، وليست مودة وحبا فقط . وما تصوره وسائل الإعلام للرجل ، أنه لا يمكن له البقاء مع امرأة لا تجتمع فيها أعلى مواصفات الجمال مع أرقى مواصفات الأدب ، مع غاية مواصفات الأنوثة ، إضافة إلى تملكها لقلب زوجها ،!! إما أن تملك قلبك حتى الثمالة ، أو النساء غيرها كثير !
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية السابقة :" فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد ، أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهماوغير ذلك قصة ذات دلالة والقصة مذكورة في كتب الآثار ككنز العمال وذكر طرفا منها البيهقي في سننه : ليتبين كيف كان السابقون يفهمون الحياة الزوجية ، ولماذا كانت معدلات الطلاق بينهم معدودة على الأصابع ، بخلاف نسب الطلاق في عصرنا ،
كان هناك رجل يقال له أبو غرزة يعيش في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكان متهما – أي الرجل - بأنه يكثر من تطليق نسائه ، بسبب وبدون سبب ، وفي يوم من الأيام أخذ ( أبو غرزة ) بيد صديق له يدعى ( ابن الأرقم ) ، وجعله يستمع إلى الحوار الذي دار بينه وبين زوجته .دخل ( أبو غرزة )على امرأته ، فقال لها : أنشدك بالله هل تبغضيني ؟ قالت : لا تنشدني ، قال ( أبوغرزة ) : فإني أنشدك الله ، هل تبغضيني ؟ قالت : نعم ، فقال ( أبو غرزة ) لابنالأرقم : هل تسمع ؟ ثم انطلقا إلى عمر ، فقال ( أبو غرزة ) له : إنكم لتحدثون أنيأظلم النساء وأخلعهن ، فاسأل ابن الأرقم ، فسأله عمر ، فأخبره بالذي سمعه من زوجة أبي غرزة ، فأرسل عمر إلى امرأة ( أبي غرزة ) ، فجاءت هي وعمتها فقال : أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه ، فقالت : إني أول من تاب وراجع أمر الله تعالى ، إنه ناشدني فتحرجت أن أكذب ، أفأكذب يا أمير المؤمنين ؟ قال : نعم فاكذبي ،" وهذا من الكذب المباح " فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك ، فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب ، وفي رواية أخرى قال لها عمر : بلى فلتكذب إحداكن ولتجمل ، فليس كل البيوت تبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام .
إن القصة السابقة تدلنا على أن من أسس قيام الحياة الزوجية ( الحب ) ، ولكن ليس هذا هو كل شيء ، فهناك الاحترام المتبادل بين الطرفين ، وهناك معرفة الحقوق الشرعية للزوج والزوجة على حد سواء .
2- العدل بين الزوجات
وهذا من الإرشاد الأسري أخرج أبو داود بإسناد صحيح ( من كانت له امرأتانفمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " ) برقم 3133وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم "النساء 129لأن المقصود بالآية : العدل القلبي , ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل بين نسائه ويقول " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " أبو داود برقم 2134
قال الغزالي في الإحياء 2/ 48 قوله " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " النساء " أي في شهوة القلب وميل النفس .
3- العدل بين الأولاد
وهذا من الإرشاد الأسري , قال النبي صلى الله عليه وسلم اعدلوا بين أولادكم في الأعطيات " رواه البخاري. وفي الحديث قصة عمرة بنت رواحة .
4- إصلاح ذات البين
قال تعالى " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " النساء 35
وهناك الكثير من النماذج من الإرشاد الأسري جسدتها الشريعة الإسلامية .
هذه بعض جوانب هذا البحث استقيتها من مصادر كثيرة وأضفت إليه ما رأيته مفيدا ومناسبا وحاولت فيه أن أجمع بين الدين والعلم والواقع رجاء نفعه ورجاء وصوله إلى قلب القارئ
ساحة النقاش