هناك اتفاق واسع النطاق على أن تغير المناخ يمثل تهديدًا وجوديًا، لكن أثناء اندفاعنا لمواجهة هذا التحدى، يجب ألا تؤدى جهودنا لإثارة تهديدات أخرى أكثر إلحاحًا: التدهور العالمى للتنوع البيولوجى.

نحن نفقد أنواعًا مختلفة من الموائل الطبيعية بأكثر من 1000 ضعف المعدل الطبيعى، وفى حال بقينا على هذا المسار، فإننا نخاطر بخسارة ما يصل إلى نصفهم بحلول منتصف القرن، فقد بدأ العلم للتو فى تحديد حجم مشكلة اختلال التوازن فى هذا النظام المعقد الموجود فى الطبيعة الأم، لكننا نعلم أن فقدان التنوع البيولوجى يشكل خطرًا أساسيًا على الصحة والازدهار والرفاهية.

وللأسف، أدى التركيز الفردى على حل أزمة تغير المناخ إلى إهمال التنوع البيولوجى، والنتيجة المقلقة هى أن العديد من الجهود المناخية قد باتت تسرع، دون قصد، من تدمير الطبيعة، ومثالا على ذلك الحاجة الهائلة لإنشاء مزارع الطاقة الشمسية، فإذا لم يتم تحديد موقعها بشكل صحيح، فسيكون لها تأثير كبير على النظم البيئية والموائل الطبيعية.

ففى ولاية فرجينيا، على سبيل المثال، يتم بناء أكثر من نصف مرافق الطاقة الشمسية على أراضى الغابات بدلًا من تثبيتها فى مناطق مثل أسطح المنازل أو مواقف السيارات، وقد يؤدى دفع الولايات المتحدة لتطوير الطاقة الشمسية إلى إزالة ما يقرب من 30 ألف فدان سنويًا.

وفى ولاية كاليفورنيا، تم بناء 161 مشروعًا لتطوير الطاقة الشمسية فى أراض صحراوية غير مطورة تضم موائل طبيعية حساسة فى الحياة البرية، وهو ما يمثل كارثة لمجموعة كبيرة من النباتات والحيوانات فى صحراء موهافى، ومن المتوقع أن يتوسع الدمار بشكل أكبر.

وتمثل مزارع الرياح تحديًا مشابهًا، فمن أجل تحقيق أهداف صافى الانبعاثات الصفرية، نحتاج إلى عمليات بناء هائلة لتوليد الكهرباء بالرياح، لكن من أجل تحقيق الهدف الرائع لإدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن المتمثل فى توليد 30 جيجاوات من الرياح البحرية بحلول عام 2030، فإن معدل نفوق الطيور بسبب الاصطدام قد يرتفع إلى أكثر من مليون سنويًا.

وهناك خطر حقيقى من أن يكون للبنية التحتية للطاقة المتجددة سيئة التخطيط تأثير أكبر على التنوع البيولوجى من البنية التحتية الحالية للوقود الأحفورى، ويقول تقرير صادر عن معهد «بروكينجز» إن توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية يتطلب ما لا يقل عن 10 أضعاف مساحة الأرض لكل وحدة طاقة مُنتَجة مقارنة بمحطات الطاقة التى تعمل بالوقود الأحفورى.

كما أنه يمكن للطاقة الكهرومائية أن تؤدى إلى تعطيل النظم البيئية المائية، وأن تسد طرق هجرة الأسماك وتتسبب فى حدوث فيضانات، فضلاً عن أن تدمير الموائل الطبيعية من أجل إنتاج الوقود الحيوى يؤدى إلى انخفاض سريع فى الغابات المطيرة فى آسيا وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى أن عمليات التنقيب عن المعادن المهمة اللازمة للتكنولوجيا الخضراء تتم فى مناطق حساسة بيئيًا.

نحن بحاجة إلى رسم مسار لا يؤدى للتصدى لأحد التحديات البيئية من خلال خلق تحديات أخرى، فمن خلال النظر فى الخيارات البراجماتية، يمكننا تسخير الطبيعة لمعالجة أزمة تغير المناخ.

علينا النظر فى إزالة الكربون، إذ تظهر الأبحاث أنه فى الفترة بين عامى 2001 و2019، استطاعت الغابات حول العالم امتصاص أكثر من ضعف كمية ثانى أكسيد الكربون المنبعثة، إذ امتصت أكثر من الانبعاثات السنوية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة مجتمعة، فالطبيعة أيضًا عنصر بالغ الأهمية فى التعامل مع التكيف الضرورى للاستعداد للصدمات المناخية القاسية بشكل متزايد، مثل دور المستنقعات وأشجار المانجروف فى التعامل مع العواصف والفيضانات.

ييجب أن تفكر الحكومات بشكل مختلف، من خلال التخطيط بشكل أفضل للبنية التحتية على جميع المستويات، حيث يُظهر تقرير صادر عن «The Nature Conservancy» أن التحديد الدقيق للمواقع يمكن أن يقلل من تأثيرات الطاقة النظيفة المتراكمة بنسبة 70٪ مقارنةً بتحديد المواقع بالطريقة الحالية، كما يمكن إنشاء مزارع الطاقة الشمسية فى الأراضى المتدهورة بالفعل، ويمكن تحديد مواقع توربينات الرياح بما يتناسب مع مسارات الهجرة المهمة، حتى إن طلاء شفرة واحدة فقط باللون الأسود يمكن أن يساعد الطيور على تجنب الاصطدام.

نحن بحاجة إلى حلول إبداعية، مثل أرصدة الكربون عالية الجودة، من أجل حماية النظم البيئية الغنية مثل الغابات المطيرة، مع المساعدة أيضًا فى تمويل الانتقال إلى اقتصاد الطاقة النظيفة.

ويجب أن تتخذ الجهات المنظمة تدابير ملموسة للإشارة إلى السوق بأنه لا يوجد مكان للسياسات التى تضر بالتنوع البيولوجى فى الجهود المبذولة لتحقيق صافى الانبعاثات الصفرية، كما ينبغى إصلاح هياكل الحوكمة العالمية لضمان عدم تفكك جهود المناخ والتنوع البيولوجى، إذ يوجد حاليًا هيئة علمية عالمية مكرسة للتنوع البيولوجى، وهيئة منفصلة للمناخ، وبالمثل، هناك مؤتمر عالمى للأمم المتحدة بشأن المناخ، ومؤتمر منفصل للتنوع البيولوجى.

ويمثل مؤتمر «كوب 28» فرصة للاهتمام بقضية التنوع البيولوجى هذه، حيث يجب على دولة الإمارات العربية المتحدة، التى تتولى رئاسة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف، ضمان التعامل معها بجانب قضية تغير المناخ ووضع أجندة عالمية تتعامل مع كليهما معًا.

أعدته للنشر/ إنجى إبراهيم إمام

                                 إشراف / د. امانى إسماعيل
                           مدير عام الإدارة العامة للعلاقات العامة

المصدر: جريدة المصرى اليوم
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 241 مشاهدة

الإدارة العامة للعلاقات العامة إحدى الإدارات العامة التابعة للمدير التنفيذى لجهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية

PRelations
تحت إشراف مدير عام الإدارة العامة للعلاقات العامة (دكتوره/ أمانى إسماعيل) »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

660,555