جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
تدخل الحكومة المركزية في تشكيل المجالس المحلية بالإحلال- د.ندى فهد الناصر
لا ينطوي تدخل السلطة المركزية فقط على سلطة التعيين ضمن المجالس المحلية بل يظهر أيضاً من خلال ممارستها للسلطة التنفيذية المحلية؛ مما قد يتعارض مع جوهر اللامركزية المقصد الرئيسي للإدارة المحلية، و يتجلى هذا التدخل للسلطة المركزية من خلال: (أ) الحرمان القانوني للسلطة التنفيذية المحلية من ممارسة سلطاتها، (ب)سلطة الإحلال.
أ- الحرمان القانوني للسلطة التنفيذية من ممارسة سلطاتها :
يحدث هذا الحرمان بموجب القانون من خلال منح مقعد ضمن المجلس المحلي لممثل من الحكومة المركزية. هذا ما نراه على سبيل المثال على مستوى السلطة التنفيذية المحلية في سورية و لبنان؛ حيث أسند المشرع السوري وظائف رئيس المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة في سورية إلى المحافظ ، و كذلك منح المشرع اللبناني وظائف رئيس مجلس بلدية بيروت إلى المحافظ .
إن مثل هذه الحالة المنصوص عليها بالقانون تخلق نوعاً من المشاركة بين السلطة المركزية والمحلية في إدارة الشؤون المحلية، و تخضع هذه الأخيرة لرقابة مباشرة من قبل الحكومة المركزية. هذا الخليط من الهيئات المكلفة بالإدارة المحلية لا يتوافق مع المبدأ الديمقراطي للانتخاب ويضعف السلطة المحلية و استقلاليتها المحلية. هذا ما يمكن وصفه ب {شبه اللامركزية}.
ب- سلطة الإحلال :
يفترض شرط الاستقلالية المحلية أن تمارس السلطة المحلية اختصاصاتها الممنوحة لها من قبل القانون بدون تدخل من قبل السلطة المركزية، إلا أنه من الصعب تحقيق التوفيق بين هذه الحقيقة وضرورة المصلحة العامة. لهذا السبب يتيح القانون غالباً للحكومة المركزية إمكانية الحلول محل السلطة المحلية لتجنب أي إهمال من قبل هذه الأخيرة في أداء مهامها و وظائفها.
إذن تقوم سلطة الإحلال على أداء السلطة المركزية لأعمال تدخل -من حيث المبدأ- في نطاق اختصاص السلطة المحلية. وتعتبر هذه السلطة واحدة من أشكال الرقابة المطبقة ضمن سياق العلاقة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية.
أسند قانون الإدارة المحلية لعام 2011 في سورية سلطة الإحلال إلى وزير الإدارة المحلية فيما يتعلق بالقرارات الصادرة عن المجلس المحلي للمدينة و البلدة والبلدية. و تشمل هذه السلطة الأعمال ذات الصلة بتطوير الخطط والبرامج والأنظمة المخالفة لقوانين وأنظمة الدولة. حيث تنص المادة 117/1 من هذا القانون على أنه إذا تعارضت قرارات المجلس المحلي للمدينة و البلدة والبلدية مع قوانين الدولة وخططها وأنظمتها، فإن للمحافظ طلب إلغائها أو تعديلها من قبل المجلس الذي أصدرها خلال مدة خمسة عشر يوماً، وفي حال أصر المجلس على قراره في أول جلسة له بعد الاعتراض جاز رفع الأمر إلى الوزير ويكون قراره نهائياً و ملزماً.
أما في لبنان، فقد نص المشرع على تدخل الحكومة المركزية عن طريق سلطة الإحلال في المرسوم التشريعي للبلديات لعام 1977. نجد أن سلطة الإحلال مقيدة إما من حيث المدة أو من حيث الموضوع. أراد المشرع من خلال هذا التقييد منع تعسف الحكومة المركزية أو إساءة الاستعمال في تنفيذ سلطة الإحلال.
ينص المشرع اللبناني في المادة 24 من المرسوم التشريعي للبلديات على سلطة الإحلال المؤقتة في لبنان عند حل المجلس البلدي أو اعتباره منحلاً. في هذه الحالة سمح المشرع لممثلي السلطة المركزية [ القائمقام أو رئيس القسم الأصيل في القضاء والمحافظ أو أمين السر العام في مركز المحافظة ] بأداء أعمال المجلس البلدي لحين انتخاب مجلس جديد بقرار من وزير الداخلية. يصار إلى انتخاب مجلس جديد في مهلة شهرين من تاريخ مرسوم الحل أو قرار إعلانه وذلك للمدة الباقية من ولاية المجلس البلدي المنحل. إلا أن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل في لبنان رأت أن : » لا تعود سلطة الإحلال إلى المحافظ فيما يتعلق بقرارات المجلس البلدي في بيروت. لقد أسند القانون له بشكل استثنائي السلطة التنفيذية ونقل سلطاته الرقابية و سلطات قائمقام إلى وزير الداخلية». إن اعتبار جميع اختصاصات رئيس المجلس البلدي ممنوحة أيضاً إلى المحافظ باعتباره رئيس السلطة التنفيذية يتعارض مع قصد المشرع. لأنه لو أراد ذلك لكان من المتوجب عليه أن ينص في هذه الحالة على أن يتعهد محافظ بيروت رئاسة المجلس وليس فقط السلطة التنفيذية»(1) .
أما بالنسبة لسلطة الإحلال المقيدة بالمدة و التي تمس الشؤون البلدية، فقد حددها المشرع اللبناني على الصعيد المحلي وعلى المستوى بين المحليات؛ حيث تناط هذه السلطة الاستثنائية إلى سلطات الوصاية القريبة من البلديات، وهي القائمقام ، وذلك بموجب المادة 135 من المرسوم التشريعي للبلديات لعام 1977. و تشمل السلطة التشريعية والتنفيذية في البلدية على حد سواء. وفي الواقع، إذا تمنع المجلس البلدي أو رئيسه القيام بعمل من الأعمال التي توجبها القوانين والأنظمة ، للقائمقام أن يوجه إلى المجلس البلدي أو إلى رئيسه أمراً خطياً بوجوب التنفيذ خلال مهلة تعين في هذا الأمر الخطي . سمح المشرع اللبناني بسلطة الإحلال إذا انقضت المهلة دون التنفيذ. عندها يحق للقائمقام بعد موافقة المحافظ أن يقوم بنفسه بذلك بدلاً من الهيئات البلدية وذلك بموجب قرار معلل.
وعلى المستوى بين الوحدات المحلية ، فإن المشرع اللبناني قد نص على سلطة الإحلال في المادة 128 من المرسوم التشريعي للبلديات لعام 1977 عندما ترفض البلديات الأعضاء تنفيذ قرارات مجلس اتحاد البلديات. إن جميع القرارات التي يتخذها مجلس الإتحاد ضمن نطاق صلاحياته لها صفة الإلزام القانوني للبلديات الأعضاء. فإذا تمنعت إحدى البلديات الأعضاء عن تنفيذ قرارات مجلس الاتحاد فعلى القائمقام أو المحافظ إما من تلقاء أنفسهم أو بناء على طلب رئيس مجلس الإتحاد أن يوجه إلى البلدية المختصة أمراً خطياً بوجوب التنفيذ خلال مهلة عشرة أيام وإلا حل محل المجلس البلدي أو رئيس البلدية في اتخاذ القرار الذي يضمن حسن تنفيذ قرار مجلس الإتحاد.
وتشكل سلطة الإحلال التي تمارسها الحكومة المركزية حداً واضحاً لمبدأ اللامركزية، فهي تضع الاختصاصات الخاصة بالمجالس المحلية موضع تساؤل و تقود المجتمع المحلي اللامركزي إلى العودة إلى النموذج المركزي. فعندما تملك السلطة المركزية « سلطات تقديرية تتمثل بالسماح أو بالمنع أو بالفعل أو بعدم الفعل أو بالإحلال، فإنه لا يكون هناك أبداً لامركزية بل مركزية»(2). وبالنظر إلى الخطر الذي تشكله سلطة الإحلال على توزيع الصلاحيات بين السلطات المركزية و المحلية ، فإننا نرى أن استخدامها يجب أن يقتصر على حالات محددة جداً في القانون.
إن التلاؤم مع مبدأ اللامركزية هو أمر مهم عند تشكيل المجالس المحلية؛ ومن ثم يعتبر احترام المبدأ الانتخابي ضروري من أجل تحقيق اللامركزية وتحسين الكفاءة الوظيفية للوحدات المحلية.
المصدر: 1. هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل في لبنان، رأي 10 أيار 1982, رقم 69، مجلة الآراء الاستشارية، المجلد الأول، الجزء الثاني، البلدية.
2. EISENMANN (Ch.), Cours de droit administratif, Tome I, L. G. D. J., Paris, 1982, p.273
موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم -
يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس