جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
بسم الله الرحمن الرحيم
( قصـــة قصيرة )
صــائد وصيـــد وشبـــاك وطعــــــم !!
كانت تبدي المشاعر ثم تخفي .. قلبها ينادي وكبرياءها يحتاط .. هي قصة في ذاتها قبل أن تكون قصة لغيرها .. لقد اشرأبت النفوس لتعرف سيرتها .. حسناء تقول عنها الأسطر .. لقد تخطت أعتاب المراهقة .. وبدأت حياة العقلاء .. كانت جميلة بمعنى الجمال .. رشيقة القوام .. خفيفة الروح والدم .. عزيزة البسمات والضحكات .. جاذبة بروعة شكلها .. فلو كانت حبة عنبة لجاز ابتلاعها دون تردد لعذوبة سمتها .. ولحلاوة وجهها .. ثم لرقة طلعتها وروعة عبقها .. كانت رشيقة خفيفة في جسمها لا تنتمي لأوزان الضخامة .. حيث الأوزان الثقيلة .. ولا تنتمي لأهل القلة .. حيث العظام العجاف .. بل كانت وسطية في حجمها ووزنها .. ثم هي نابغة في تفكيرها وأقوالها .. وكل معالم الصفات فيها توافق الأمزجة دون أي تحفظ أو تردد .. كاذب من يقول وجدت فيها عيباً .. وخاسر من يصرف النظر عنها في لحظات الغفلة .. ثم يأتي الدور لطرف آخر يطرق باب القصة .. شاب في مقتبل العمر قد التقت عينه بعينها لأول مرة في ميدان عام بفرنسا .. حيث الدولة الأوروبية التي كانت تستعد كمثيلاتها للاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية .. النظرة الأولى بينه وبينها كانت مصادفة .. ولكن اجتهد ذلك الشاب أن يتخذ من المصادفة حدثا يلاحق العمر .. فتعمد أن يطيل تلك النظرة الأولى .. حيث وجد في تلك الحسناء الضالة المنشودة .. ولكنها كانت ماهرة في إغلاق نافذة النظرة سريعاً .. وذلك حين صرفت عينها عن عينه في عجالة .. ولم تبدي تجاوباً في تلك المحاولة الأولى بالقدر الذي يقيم الجسر بين القلبين .. ورغم ذلك فإن قلب الشاب قد تعلق بها كثيراً .. وقد اقسم في أعماقه أن تكون هي شريكة الحياة .. كانت تلك هي البداية بين صياد وصيد .. وأول المشوار لمغامرات كالعادة بين الابن آدم والبنت حواء .. ومنذ تلك اللحظة بدأ يراقبها ويراقب خطواتها عن كثب .. وتلك الدقائق كانت كافية في إشباع القناعات في نفسه .. كما كانت كافية في خلق نشوة الإعجاب من كل الجهات .. ولكن فجأة قررت الحسناء أن ترحل من قلب الميدان .. عند ذلك تحسر الشاب قليلاً ثم قال في نفسه لا بأس فإن تلك الأيام بيننا .. وكما توقع الشاب فإن تلك الواقعة لم تكن هي الخاتمة والأخيرة .. بل جرت لقاءات أخرى في مرافق أخرى وفي مناسبات عديدة .. وكان فيها يجتهد الشاب لإقامة الجسر بين القلبين .. ولكن كانت المحاولات تتم من جانب الشاب دون أن تكترث به تلك الحسناء .. ورغم ذلك فإن الفتاة مع مرور الأيام بدأت تدرك أنها مقصودة من قبل ذلك الشاب .. وأدركت جيداً أن تلك اللقاءات ليست من قبيل الصدفة كما كانت تظن في البداية .. وعند ذلك غيرت أسلوب التعامل مع الشاب بطريقة فيها الكثير من المهارة .. كانت مختصرة للغاية ولم تكسر حاجز الحذر إطلاقاً .. بل تعاملت بحزم وجزم .. ورغم ذلك كانت تسرق النظرات عنه حين يصرف النظرات عنها .. كما كانت تتقارب عنه المسافة حين يتباعد عنها المسافة .. كانت حريصة للغابة بعدم التجاوب السريع الذي يؤكد الوفاق .. بل أكثر من ذلك كانت في بعض الأحيان تترك له المكان حين يتواجد بالقرب منها .. ولكنها كانت حريصة جداً في إبقاء خيط معاوية قائما دون انقطاع .. وذلك الأسلوب الغريب قد حير الشاب كثيراً ,, فهي كانت لا تبدي الجفاء بمعنى الجفاء .. كما كانت لا تبدي الوفاق بمعنى الوفاق !.
في حديقة الحيوانات بباريس كان الرواد يقفون حول حوض الدلافين .. وقد انهمك الكل في متابعة حركات تلك المخلوقات الجميلة .. كانت تقفز عاليا في الهواء ثم تتمحور دائريا لتعود مرة أخرى إلى الماء .. رشيقة في حركاتها تلك المشوبة بالانسيابية العجيبة .. ذكية للغاية حين تتابع إشارات المدرب حرفا بحرف .. تقف أحياناً فوق صفحة الماء كالإنسان استجابة لأوامر المدرب .. ثم تتراجع رقصاً إلى الخلف ثم تسجد في الماء .. وأحياناً تؤمي برؤوسها اتفاقا ووفاقا حين تتجاوب مع إيماءات المدرب القائد .. وتلك كانت علامات الإعجاب والتصفيق من الرواد الذين كانوا يراقبون رقصات الدلافين بنهم وتشوق .. وهنالك حول الحوض توجد تلك السياج المعدنية التي تقي الرواد ليخلق الأمن والسلامة .. وهي سياج تمثل شبكة معدنية فضية اللون لامعة .. والرواد أثناء المشاهدة يضعون الأيدي فوق الحافة العليا لتلك السياج الفضية البراقة .. وكان الشاب من ضمن الرواد في ذلك اليوم .. وكان منهمكا في مشاهدة ألعاب الدلافين الراقصة .. ثم التفت فجأة فإذا بالفتاة تقف بالقرب منه على مسافة ليست بالبعيدة !.. حينها عرفت الحسناء أن الشاب قد علم بوجودها .. ورغم ذلك كانت تدعي مظهر البراءة .. وأنها من ضمن الرواد دون أن تكترث بوجوده .. فهي كانت تتظاهر بأنها جاءت هنالك لمشاهدة عروض الدلافين .. أما الشاب فقد تيقن في تلك اللحظة أن الفتاة كانت تلاحقه دون أن يلاحظ ذلك .. كانت الفتاة تضع يدها فوق الحافة العليا للسياج .. فمد الشاب يده خلسة حتى لامست يده بيدها .. وعند ذلك سحبت الفتاة يدها بسرعة .. ثم أبدت نوعاً من الانزعاج .. فسحب الشاب يده على استحياء .. فإذا بالفتاة تعيد وضع يدها فوق السياج من جديد .. وعند ذلك عاود الشاب تجربة اللمس مرة أخرى .. فمد يده خلسة فوق حافة السياج حتى لامست يده بيدها .. ولكن هذه المرة فإن الفتاة لم تسحب يدها ولم تنزعج .. بل ظلت ساكتة دون إبداء أي نوع من الاعتراض .. وتلك كانت أولى التباشير التي توحي بالوفاق .. فعاود الشاب تجربة اللمس بالأيدي .. فإذا بالفتاة تسكت ولا تمانع إطلاقاً !.. وعند ذلك أتخذ الشاب خطوة أخرى جريئة حيث وضع كامل كفه فوق كفها .. فلم تسحب الفتاة كفها من تحت كفه .. مما أوجد الأمان بقدر أكبر .. ثم أجتهد الشاب بخطوة أخرى أكثر جرأة حيث عانقت أنامله بأناملها .. فإذا بأناملها تعانق أكثر شدة وقوة .. وعند ذلك نظر في عينيها مباشرة فإذا بها تنظر في عينه مباشرة لأول مرة !.. هنالك التقت العيون في صراحة حطمت القواعد والأصول .. وقد قالت القلوب ماذا تريد .. جلس الشاب والشابة في كافتيريا الحديقة .. ثم كانت لحظات التعارف ثم قرار المصير .. عرفت عنه ما تريد وعرف عنها ما يريد .. ولم تطول المراسيم حتى كشف لها الرغبة في الزواج بها .. فإذا هي تبدي غاية السرور .. وتقول تلك كانت شروطي في نوع العلاقة والوفاق بيننا .. ولكن أنت قد سبقتني الآن بما تسقط تلك الشروط .
هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .
ساحة النقاش