بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصـة قصيـــرة جــــدا )

برعــــــــم اليــــــوم هــــــو عمــــــلاق الغـــــــــــد !!

النظرة كانت حادةً وشرسة .. والعمق في التفكير كان مجهولاً .. والإصرار كان مؤكداً .. فيا ترى ما الذي كان يدور في خلد ذلك اليافع الصغير ؟ .. كان يتحدى بجرأة رغم أن المقدرة الجسدية ليست بمستوى التحدي .. وعادة تتراجع نظرات الصغار عند مواجهة نظرات الكبار .. ولكن ذلك اليافع كان يرفض الاستسلام .. وكان يتحدى متناسيا أدب المقام .. ولم يتنازل خائفاً كعادة الصغار بالبكاء والنحيب .. ولكنه تصرف بشجاعة وإقدام غير معهود .. وذلك التصرف منه ليس وقاحة .. وليس خروجا عن نطاق الأدب والتأدب .. ولكن احتجاجا على شائنة قد جرت .. وعلى حدث غير مألوف .. فعين الصغير قد لمحت منكراً يخدش الحياء .. فقد شاهد ممارسة الخطيئة أمام عينه .. والذين أخدشوا الحياء كانوا كبارا يفترض فيهم الوقار.. ولكنهم تعدوا حرمة المحارم بجرأة السفهاء .. وتلك مصادفة لم تكن في حسبان الصغير .. كما لم تكن في حسبان الفاعلين .. ولم يخطر في بال الصغير يوما أن يشاهد حدثا مثل ذلك .. فتلك ممارسة تخالف الأخلاق والدين .. وهو ذلك الصغير الذي أدرك فداحة الحدث رغم الفطرة المبكرة .. واستنكر الواقعة رغم حجمه الضئيل .. وقد فوجئ الكبار بتواجد الصغير في حضرة المعصية .. ذلك التواجد الذي جري مصادفة في غفلة الأعين وفي غفلة الحرص الشديد .. واليافع قد شاهد ما لا يجوز من الممارسة التي تخالف الفطرة البريئة .. حينها كانت الحيرة في أذهان الكبار .. الذين ارتعبوا قليلاً في بداية الأمر .. ثم استهانوا بالأمر .. وقالوا صغير لا يفقه الكثير في تلك الأمور .. ثم اكتفوا بزجره وإسكاته .. كما تم تهديده بعدم البوح لأحد بما رأى .. وأنه سوف ينال العقاب الشديد إذا أباح بحرف في حضرة الآخرين .. وأخيرا قرروا تجاهله التام وكأن شيئاً لم يكن .. ورغم ذلك فإن اليافع لم يتراجع ولم يستسلم .. بل كان يحاججهم بالاستنكار الشديد .. ويعاتبهم على الفعلة القبيحة الشنعاء .. حتى أنهم فكروا في ضربه ضربا مبرحاً .. ثم رحلوا عن ساحة الحدث وهم يلعنون حظهم العاثر.. أما الصغير فإن ذك الحدث الخطير قد أربك وجدانه وتفكيره .. وظل يستنكر تلك الواقعة في أعماق نفسه بقدر يقلق مضجعه ومنامه .. والإنسان مهما يكون في معدلات العمر والحجم فهو ذلك الكائن الذي يملك المشاعر والأحاسيس .. ولا يجوز التقليل من شأن الصغار بحجة الأحجام والأعمار .. وهؤلاء العصاة قد أجرموا حين أارتكبوا الكبيرة في حضرة الصغير .. ثم تمادوا حين جرحوا كبرياء الصغير بالتهديد والوعيد .. وقد ألحقوا الأذى بنفسية الصغير حيث الاهانة والإذلال والتقليل من الشأن .. ولو تمعنوا بحكمة العقل لأدركوا أن الأحجام لا تبرر التقليل والاستهانة .. وأن طفل اليوم هو ذلك الرجل في عالم الغد .. ورب يافع صغير مهمش هو ذلك العملاق القادم في مستقبل السنوات .. ومن البلاهة أن يقال أن أذهان الصغار تنسى أحداث الطفولة .. وتلك ذاكرة الأطفال حادة لا تنسى تلك الأحداث الكبيرة الخطيرة مهما تطول السنوات .. فهي تلك الأحداث التي تظل دامغة وماثلة أمامهم حتى الممات .. والحكيم العاقل لا يستهين أبداً بمشاعر الصغار .. ولا يستفز أطفال الحارة والجيرة إطلاقا .. فهؤلاء في سنوات قليلة يلتحقون بركب الرجولة ليكونوا رفقاء الدرب .. ولا ينسون أبدا مواقف الكبار حين كانوا صغاراً .. فإن أحسن إليهم الكبير بالعطف والاحترام والتقدير أحسنوا إليه بالمثل .. وإن أهانهم أو أذلهم فإنهم لا ينسون تلك المواقف والمعاملات الجارحة .. وسلوكيات الكبار مراقبة ومحسوبة بدقة لدى الصغار .. وتلك الحقيقة تمثل الأرضية والبساط لقصتنا هنا .

         دارت الدوائر وامتدت الأيام والسنوات .. وقد شبت الأعواد ونمت الأفراخ .. كانت تلك الأعين تلتقي أحيانا .. وعندها كانت تجري تلك المراسيم من النظرات الحادة المتحدية كالعادة .. في الماضي كانت نظرات الكبار العصاة جريئة دائما وتجتهد في إخافة الصغير .. ولكن من العجيب أن المواقف كانت تتبدل مع مرور السنوات .. حيث الأحجام كانت تكبر وتتقارب .. وتفرض واقعا جديدا يخلق التقدير والاحترام .. وصغار الأمس قد أصبحوا كبار اليوم .. وتلك النظرات لكبار الماضي صار يشوبها الإذلال والانكسار كلما تلتقي الأعين .. وهي النظرات التي تجعل رقاب الكبار بالأمس تميل نحو الأرض خجلاً أمام نظرات الصغير بالأمس .. بينما أن نظرات الصغير بالأمس قد أصبحت تتحدى بجرأة وتحس بالعزة والكبرياء .. وقد تلاشت حجج الأحجام والأعمار.. والمواجهة أصبحت غير مواجهة الأمس .. حيث المواجهة كانت في الماضي بين الأقوياء والضعفاء حجما وعمراً .. وتلك صورة تؤكد أن الأدوار في حياة الناس تتبدل .. وأن الجريرة قد تلاحق الصاحب حتى مشارف القبر.. ولحظة خطيئة وشهوة قد تجلب العار والمهانة لصاحبها حتى نهاية العمر .. كما تؤكد أن مرحلة الطفولة هي ليست دائمة أبدية .. بل هي مرحلة مؤقتة ترحل عاجلا .. لتعقبها مرحلة الإدراك والمقدرة والرجولة .. والكيس الفطن هو من يحسب حساب الإنسان ومقدراته في مستقبل السنوات .

            شبح الماضي كان يطارد العاشق والعشيقة دوماً .. وهؤلاء الكبار الشريكين في الخطيئة كانوا يتجنبون الالتقاء بعين ذلك الطفل بالأمس .. لأنه يمتلك أسرار الفضيحة .. وقد يتعمد بالتجريح في يوم من الأيام .. ولكنه لم يفعل لسبب مجهول .. ودامت الأحوال بوتيرة الترقب والوجل .. فإذا بالظروف توجد واقعا جديدا مستحيلاً .. الرجل كان له ابن مع زوجته بالحلال .. وفي نفس الوقت تجري الشكوك حول تلك الابنة للعشيقة .. فهي تأكيد لثمرة الخطيئة في ذلك اليوم كما تفيد العشيقة .. والتي كانت تؤكد ذلك للعاشق مرارا وتكراراً .. والعاشق بدوره كان يحس بتلك الحقيقة في أعماق نفسه .. وتلك الظنون ترجح أن الولد والبنت بمثابة الأخ والأخت .. ولكن دائما تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .. فقد شاءت الظروف والأحوال أن يلتقي الولد بالبنت في غفلة الآباء .. وهما يجهلان مترادفات الخطيئة الخطيرة .. فجرت بينهما جولات غرامية كما يحدث عادة بين المراهقين .. وفي نيتهما تتويج العلاقة بالحياة الزوجية .. ولكن ذلك الطفل في الماضي كان يراقب الحدث عن كثب ويعلم الحقيقة .. ويعلم يقيناً أن مجرد الشكوك في صلة الدم بين الولد والبنت يحرم اللقاءات الغرامية ناهيك عن التأهيل والزواج .. وفي تطور متلاحق طلب الابن من أبيه أن يتقدم لخطبة تلك الفتاة من أبيها .. وعندها ثارت ثائرة الأب الذي يعلم الخفايا والأسرار .. والذي أدرك أن الخطيئة قد أوجدت واقعا جديداً وخطيراً .. فأراد أن يمنع ذلك الزواج بشتى الطرق .. وأن يثني عزيمة ابنه .. ولتحقيق ذلك بدأ في إيجاد وخلق الكثير من العيوب على تلك الفتاة البريئة وأهلها افتراءً وكذباً .. ورغم كل ذلك فإن الابن كان يصر على الزواج من تلك الفتاة .. وهو يجهل الحقيقة .. وحين أصر الوالد على موقفه فإن الابن أصر بدوره على ذلك الأمر .. وهدد والده وأهله بأنه قد يخرج عن الطاعة والبر.. وأنه سوف يواصل مراسيم الزواج دون تدخل الوالد والأهل .. وكانت أمه تقف بجانبه وتسانده على ذلك وهي تجهل الحيثيات .. فضاقت الدوائر على الوالد العشيق .. كما ضاقت على الأم العشيقة .. وهما يدركان خطورة الخطوة والإقدام .. ولا يملكان حيلة الإفصاح بالحقيقة .. وهنا تجلت حكمة الإنسان .. حيث تدخل طفل الماضي .. شاهد العيان للخطيئة .. والذي أراد أن ينقذ الموقف بشهامة الرجال .. فتقدم سريعا لخطبة الفتاة لنفسه .. فوافقت أم الفتاة على ذلك الطلب بسرعة شديدة أذهلت الجميع .. وذلك رغم احتجاجات ابنتها التي كانت تظن أن لها رأياً مخالفاً في القرار .. وعندها تنفس الجميع الصعداء .. ثم تلاحقت مراسيم الزواج بسرعة هائلة أذهلت ابن العشيق .. كما أذهلت ابنة العشيقة .. وقد خسروا المعركة الغرامية بطريقة دراميكية كانت غير محسوبة وغير متوقعة .. وخلال مراسيم الزواج كان يلتقي الجميع في ساحة الأفراح .. وعندها كالعادة كانت تتصادم تلك العيون في لمحات خاطفة عاجلة .. حيث تلك العيون المنكسرة المتخاذلة في حضرة العين الجريئة الباسلة .

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 263 مشاهدة
نشرت فى 21 أكتوبر 2017 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

806,768