<!--
<!--<!--
بسم الله الرحمن الرحيم
( قصــة قصيـــرة )
شهـر العســل ؟؟
جلست تبكي وقد خابت أحلامها .. وهي التي أفنت السنوات مع شطحات الخيال .. ذلك الخيال الخادع الذي يجاري أمنيات النفس والمزاج .. شطحات كانت تخلو من حسابات النكبات والعثرات .. وهو ذلك الخيال الجامح الذي يرسم لوحات الفراديس بأقلام السراب .. خيال يفترض السعادة الأبدية دون حساب للنوازل والأحزان .. كما أنه ذلك الخيال الذي يظن أن قطف الأزهار يخلو من موانع الأشواك .. وأن عذوبة الشهد تنال دون لسعات النحلات .. ذلك الخيال العفيف الذي يمتطي براءة السحب .. والذي يهرب دائما مبتعدا عن تكهنات الدموع .. كانت جاهلة ترى الدنيا بعين البراءة .. وكانت تجهل أن الحياة لها وقفات غير أمنيات الخيال .. تلك الحياة التي لا تدوم صافية بوتيرة تجاري مخططات الحالمين .. ولا تخلو من نزعات الأوجاع والآلام والدموع .. وتلك الأسماء في الوجود قد لا تطابق المسميات .. وشهر العسل شهر قد ينافي المسمى في العذوبة .. بل قد يكون منفرا كالثوم في الرائحة والمذاق .. والشهد أمنية يجسدها خيال الناس لخلق العذوبة في الأذهان .. وهي أمنية قد تجعل الاسم موافقا للمسمى .. ولكن تجربتها لذلك الشهر قد خالفت السنة .. وقد عاشت التجربة بقسوة لم ترد لحظة في خاطرها من قبل .. فذلك الشهر المكنى بشهر العسل قد فقد عندها معالم المسمى جملة وتفصيلا .. حيث لم يمثل لها ذلك الشهد المنعم بصيت العذوبة .. بل كانت مضغة حنظل جائر أبت أن تجاري سرعة الذوبان .. شهر أفتقد الكثير من مترادفات المعاني .. وقد خابت أحلامها وأمنياتها التي أرهقت الليالي .. وهي التي أفنت العمر وهي ترسم صور الكمال التي تراقص الخيال .. فإذا بالواقع المرير يذيب تلك الأحلام كما تذيب المياه هياكل الرمال .. وشهر العسل قد مرت أيامه عليها ثقيلة كئيبة بطيئة كأنها السنوات والآجال .. كانت تطرق أسماعها من قبل بأن ذلك الشهر هو للناس بمثابة المثل الأبدي الذي لا يغادر الأذهان .. ويقال أنه ذلك الشهر السريع بحلاوة الذوبان .. وأيامه هي تلك الأيام العزيزة الراحلة في غفلة الأحباب والعرسان .. فإذا بها تكتشف أن شهرها للعسل قد خالف شهور الآخرين والأعيان .. وأن أحلامها قد تحطمت عند صخرة الواقع المرير .. كانت منذ نعومة أظفارها ترسم صور التبجيل لفارس أحلامها .. وتضع عنه القياسات المنمقة من محض الخيال .. وتصنع عنه المواصفات العليا بكمال الصفات .. دون أن تحسب حسابات العيوب والنقصان .. قالت أنها تريد في فارس أحلامها : الثبات عند المحن بعزيمة الأبطال .. والصمود أمام الخطوب بمقدرة الجبال .. والصبر عند الشدائد كمدد الحبال .. وسماحة الأخلاق بمنتهى الكمال .. والإخلاص والوفاء والمودة بقوة الكلمات والمقال .. والمحبة الدافئة التي تتحدث عنها الأجيال .. والكرم والعطاء بسخية المطر الهطال .. والرفقة الدائمة كرفقة الأطياف للظلال .. والملازمة الأبدية كملازمة الموت للآجال .. والأبوة الباسلة كأبوة الأسود للأشبال .. والإبهار بالفضائل كإبهار الشعلة فوق التلال .. وحسن الصيت والسمعة بمكارم الأخلاق والخصال .. والإحسان والعطاء بعدد الحصى والرمال .. ومجابهة النوازل بعزيمة الأشداء من الرجال .. واجتياح المحن كاجتياح السيول لمكامن السهول والجبال .. فإذا بفارس أحلامها لا يحمل مثقال ذرة من تلك الخصال .. وصورة الواقع عنه تخالف مواصفات الأجاويد الذين قاموا بالوصال .. جاهل غضوب يضع نفسه وهماَ عند قمة المثال .. يتوهم الأفضلية على الخلائق عند النزال .. يرائي الناس بالفضائل حتى ينال صيت القيل والقال .. وتلك علامات البخل فيه توجع الكبد والطحال .. فكيف الحياة مع رفيق لا يملك في الوجود إلا نوازع الأشرار والأنذال .. يفتقد علامات المودة كما يفتقد حلاوة اللسان والمقال .. وشهر العسل لديه مجرد شهر لإرضاء الرغبات والمنال .. وهو الذي لا يراعي مشاعر الرفقة لابنة الحلال .. ولا يعلم القدر اليسير من حروف الغزل والابتذال .. كما لا يعرف مشاعر المودة التي تعضد عروة البين والأوصال .. كلمات قليلة دافئة قد تجلب السرور لقلب قد مل من كثرة الانتظار والسؤال .. بل كان همه ذلك التلويح بالعصي ثم تلك الشروط التي تليق بالاحتلال .. وكأنه في سجال مع خصم قد أوجعه بكثرة القتال .. وتلك شريكة الحياة كانت ترجو حياة هانئة بذلك القدر من شطحات الخيال .
ــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش