بسم الله الرحمن الرحيم
( قصــة قصيـرة جـــداَ )
الخيـــارات المستحيـــلة !!
كان مترددا حائرا وهو لا يدري كيف يتخذ القرار ثم يوجد الفاصل والحد ؟ .. وبذلك تكون النهاية ؟؟ .. والقلب قد تعلق بالثلاثة .. فالأولى هي تلك البهية .. والثانية هي تلك الندية .. والثالثة هي تلك الشجية .. وقد تجمعت الأطماع في قلب ذلك الشاب ،، وتلاحقت مفردات الحواجز التي تمنع الاختيار .. والجموح قد فات الحد حين أبى التوقف عند محطة دون الأخريات .. والنفس تطمع في كامل محتويات السلة دون إفراط .. ثم تناقضت المجريات .. وأبت الحظوظ أن تجاري أحلام ذلك الفتى صاحب القلب الطماع .. فكانت العراقيل وكانت الحواجز التي تمنع الأمنيات .. قالت الأولى أنها قمر وللأرض قمر واحد .. وهي لا تقبل منافساَ في المدار .. وقالت الثانية أنها لؤلؤة وحيدة مصونة تقبع في قلب صدفة فضية لامعة عالية المقام .. وأنها في محرابها لا تقبل أخرى بالجوار .. وقالت الثالثة أنها ملكة وتاج الجمال فوق رأسها .. وهي في عرشها لا تريد أخرى تشاركها الشهرة والأنوار .. وقد توافقت الآراء حين أبت ملوك الحسن أن تشارك غيرها في الأهواء .. وهي محقة في شروطها حيث الضرائب المفروضة لتملك المحاسن وأهل الأضواء .. والمقادير في تلك العوالم تستحق الجزاء .. حيث المقام بالمقام والمكانة بالمكانة والمعيار بالمعيار .. وقد تجرأ قلب الشاب حين تعلق بغير واحدة في ديار الحسن والمحاسن .. وعينه تعودت أن تشرئب لتشاهد الأسرار في بساتين الكبار .. ذلك التلهف وتلك الرغبة في قطف أعالي الثمار .. وهي العين التي أبت أن تنظر في الداني القريب المتواضع من الثمار .. ولكن دائماَ كانت تطمع في قطف الأعالي من الثمرات البعيدة المستحيلة !.. وتلك شائبة تهلك النفوس الطامعة في كل الأحوال .. ( وإذا كانت النفوس كباراَ تعبت في مرادها الأجسام ) .
جلس الشاب في الأرض ذات يوم وهو يريد أن يضع حداَ لشطحات ذلك القلب العليل .. ولا بد من نهاية تغلق أبواب الحيـرة في أجواء الفراديس .. وقد أدرك في أعماق نفسه بأن الغايات في الحياة ليست متاحة حسب الأهواء .. ( وما كل ما يتمنى المرء يدركه ، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) .. وتلك معضلة كبرى حين تلزم الضرورة بأن تجري في الأمور زلزلة المناخل .. فلا بد من الإسقاط عبر الفتحات .. كما لا بد من الإبقاء تلك الغاليات الباقيات .. تجربة قاسية في اختيار جوهرة من بين الجواهر الغالية المتنافسة في صفات الجمال والمحاسن .. والاجتهاد في تلك الحالة يمثل ضرباَ من الخيال .. ولكن في المحصلة لا بد من الوصول إلى قرار .. ويا لها من قرار !! .. فالأولى لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال .. فهي تلك الجوهرة الفريدة النادرة .. بخدودها الندية الطرية بنضارة الليمون .. وبثغرهـا تلك العنبة الزاهية التي تفردت في عنقود .. والثانية هي تلك الدرة المصونة لها طلعة تنافس الملائكة .. ولها خفة دم وروح مع شفافية سريرة أنقى من ماء الذهب .. لؤلؤة فريدة بقوام كالخيزران .. والثالثة هي من حور الجنان .. ذات بسمة لو نظرت إلى الأموات لخرج الأموات من تلك الأكفان .. وقد تفاقمت الحيرة .. واليد في سلة المحاسن أصبحت مضطربة حائرة ووجلة .. تأخذ تلك ثم تأخذ تلك وتلك .. ثم تترك تلك لتأخذ تلك !! .. ثم تأخذ تلك وتلك وتلك .. وفي المحصلة فإن القلب قد عجز أن يختار .. وأبى أن يشير لواحدة بعينها .. وأقر الشاب أخيراَ بأنه قد فشل في اتخاذ القرار .. وعندها بكت العين وفاضت بالدموع .. واشتكت النفس من دوام المآل .. ونحل الجسم من كثرة الوبال .. ثم جاء النصح من أهل النصح والمقال .. وكان النصح قاتلاَ يغلق كل أبواب الآمال .. وهو الابتعاد عن ساحات تلك المواجع والأغلال .. والهروب من بساتين الغوالي أهل المحاسن والجمال .. ثم التنازل بالتواضع والقبول بتلك الثمرات الدانية للقطاف .. تلك الثمرات التي لا تأسر القلوب بحبائل الروعة والخصال .. وحكمة الشاب في ذلك أنه يرى أن الأوجاع والحسرات هي واقعة في كل الأحوال .. والبكاء على جملة من المفقودات أجدى وأفضل من البكاء على أجزائها .. وهو بذلك يرى أن فقدان الكل قد يقطع الماضي برمته دون تلك الآثار التي تلاحق بالحسرات والندامة .. أما فقدان الأجزاء دون الأجزاء فإنه بمثابة ذلك الناقوس الذي يدق بالحسرات كلما تجئ ملامح الأجزاء .. وتلك الحكمة من الشاب ليست جازمة بالضرورة .. وقد تجافي الحقيقة جملة وتفصيلاَ .. ولكن هي الناس حين تتحايل بالمبررات والأسباب حتى تتخارج من بوائق الملامة والعتاب .
ــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش