بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصـة قصيــرة )

مبـــنى الأشبـــاح  !!

       المشهد دائرة لعيون متلهفة تترقب الحدث .. لحظات مثيرة حين تغرس الأيدي بذور الإعمار فوق سطح الأرض .. حيث فرية الآمال الكاذبة عندما تجري برتوكولات ( الحجر الأساسي ) .. تلك الفرية التي تثير كوامن الإحساس في نفوس البشر .. لحظات تكون فيها النفوس غارقة في متاهات من الأحلام .. جدل يتخطى فكرة الإعمار للأرض ليدخل في مشاوير فلسفية عميقة قد تقتل الهمـم ! .. ووقفة العقل هنا تجلب ألوانا من الحقائق المبتورة الحلقات .. حيث الإنسان والغفلة والالتباس .. وحركة البناء والتعمير ديدن للإنسان منذ غابر الأزمان .. تلك الحقيقة التي لا تنفي بأن جديد البناء والتعمير لا يكون إلا فوق ركام الأجساد .. وكل جديد يمثل نقطة عزيزة محبوبة تدغدغ مشاعر الإنسان .. مجرد خيوط من الآمال والأوهام التي تنموا سريعاَ في ساحات الأحلام .. ولكنها تتلاشى سريعا كماء السراب .. والنفوس دائما تحرص وتطمع في ذلك الجديد الذي يغري بالخلود والأبدية .. وكل جديد في ذهن الإنسان يصور الدنيا بصورة العروسة الزاهية .. والنفوس كعادتها تواقة تركض خلف المغريات بنهم وشغف شديد .. ذلك الشغف وذلك الحرص الذي يربك أعقل الفلاسفة والحكماء .. والدنيا في جوهرها مستحيلة الديمومة .. ولا تعرف الالتزام والبقاء .. فهي لا تعرف الإحسان بالإحسان ولكنها تجازي الإحسان بالنكران .. وما كانت الدنيا خالصة مخلصة لأحد في يوم من الأيام .. ولن تكون كذلك حتى قيام الساعة .. حقيقة قاسية عنيفة تتوفر في عقل كل إنسان .. ومع ذلك فالإنسان هو الإنسان الذي يتعمد النسيان .. وهو ذلك المخلوق الذي يعشق التطاول في البنيان .. ولو تمهل قليلاَ وتحسس دروب السابقين لتأكد بأنه في جملة المخدوعين عبر الأزمان .. ولكن تلك هي الحكمة العالية في النسيان .. ولو لا تلك الحكمة لتوقفت حركة الإعمار والبنيان .. ولما وضع الإنسان لبنة فوق لبنة لتتواجد غابات من الإسكان .. ولو تحسس الإنسان تراب الأرض بحكمة وبصيرة تحت المجهر لوجد أن مكنونات التربة ما هي إلا فتـات من عظام الأموات !.. ودقائق التراب ما هي إلا حفنة من خلايا البشر عبر الدهور والأزمان ! .. وعجينة الطين ما هي إلا خلط من دماء ودموع الأبدان التي كانت ذات يوم في المكان .. يبني الإنسان والآمال تحدوه بأنه سيهنأ بضحكة طويلة المدى في صحبة الدنيا .. فإذا بالدنيا قليلة الوفاء وسريعة الغدر والحرمان .. ففي حين غفلة تركل الإنسان ليكون خارج السياج والحسبان ! .. لتبقى بعدها تلك الصروح والبنيان عالية مجرد أطلال تحكي قصة الخذلان .. هياكل شامخة تتحدى التواضع .. وتناطح السماء للعيان .. ذلك الشموخ الزائف الذي لا يعرف الوفاء والإخلاص للأهل والأصحاب .. فهي تلك السيرة المعهودة حيث المالك الصاحب المفقود .. وحيث الوارث الطامع المفقود .. وحيث الوارث القانع المفقود !.. وحيث الصانع العبقري المفقود .. وحيث العامل الباني المفقود .. وكل حي يدخل في سيرة الماضي حيث الفناء والموت !.. جدل من المبكيات تفرزها أرحام الخيبة عبر الأزمان والدهور .. ثم المزيد والمزيد من قصص المفقود والمفقود !.
        الأسرة كانت مكونة من الأب والأم ثم الأولاد الثلاثة والبنت الوحيدة التي كانت تشكل آخرة العنقود .. كانت تلك الأسرة في بدايات المشوار .. تتمثل أمامها مغريات الحياة بسعة مفرطة للغاية .. وتمتد أمامها بحار الأحلام بغير سواحل تعني النهايات .. وتتراقص أمام عينها مشاوير المستقبل بكل ألوان الطيف والطموحات .. وتلك التباشير كانت تلوح بسنين خادعة تتراءى طويلة المدى  حتى مشارف الأبناء والأحفاد .. ولذلك فإن الخواطر لديها كانت تتخطى حدود العقل والحكمة .. حيث كانت متلهفة تعجز أن تعطي للأقدار دوراَ في المجريات والمخططات .. وقد خليت قواميسها من مفردات الموت والإخفاقات .. عملت أفرادها ليلاَ ونهاراَ تجمع وتطرح وتقسم وتخطط لسيرة طويلة المدى عبر السنوات .. وكأنها تملك في كفها شهادة الضمان بطول الخلود والبقاء .. اجتهدت تلك الأسرة كثيرا .. وتفانت في وضع اللمسات الأخيرة والدراسات لمستقبل زاخر لها وللأحفاد .. وقد جادت أفكارها بالكثير والكثير من المتقرحات والبدائل .. ثم كانت المحصلة الأخيرة ذلك القرار ببناء الصرح الشامخ العظيم .. ذلك الصرح الذي يجمع شمل الأسرة والأحفاد وأحفاد الأحفاد في بوتقة تأوي الجميع .. فكانت فكرة العمارة العملاقة .. المستوفية لشروط ومواصفات المستقبل .. حيث الطابق الأرضي ثم الأدوار العليا العشرة .. وحسب المقترحات والاجتهادات فأن الطابق الأرضي سيكون مقراَ للأسرة المؤسسة .. حيث الأب والأم .. والطوابق الثلاثة الأولى ستكون للأبناء الذكور .. ثم الطابق الرابع للأخت الحنونة خاتمة العنقود .. أما الأدوار العليا فهي للأحفاد وأحفاد الأحفاد !! .. لقد اجتهدت النفوس كثيراَ في تحقيق ذلك الحلم الكبير .. وعملت أفراد تلك الأسرة ليلاَ ونهاراَ حتى أصبحت الفكرة جهداَ عملاقاَ .. حين بدأت البناية ترتقي نحو السماء والعلياء يوماَ بعد يوم .. تتخذ المواصفات بحكمة ودقة ودراية بمنتهى الكمال والجمال .. ثم في سنوات قليلة تواجد ذلك الهيكل العملاق الشامخ .. وهو يتحدث عن كبرياء أهله الأوفياء .
           أيها الشبح الكائن في أروقة الموت تلك سعة مفرطة تشتكي من قلة الإنسان ! .. سعة أوجدتها وساوس النفوس طمعاَ فيما ليس في الإمكان ! ..  وتلك عمارة الموت تشتكي من السكون والوجوم .. والصمت يلفح الطوابق والطوابق ثم الأدوار ؟.. فلا تسمع الأصوات والضحكات في أروقة تتسلق في أركانها الخيوط الواهية للعناكب .. أين أصحاب الأحلام الذين قالوا ذات يوم نحن للدنيا أهل مقبلون .. وعلى طيها قادرون .. والذين قالوا نحن من أجل الأبناء والأحفاد لكادحون وفاعلون !!.. صورة كالحة حين تشتكي تلك القلعة الشامخة من صمت القبور ؟ .. فلا تتوفر فيها علامات الحياة .. فأين تلك المزاعم لضحكات الأخت الحنونة في طابقها المصون ؟! .. ثم أين خطوات الأشقاء الطامحين طلوعاَ ونزولاَ في قلعة الشمل !؟ .. ثم أين صدى الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد ؟؟ .. والإجابات تؤكد ذلك التطاول المفرط الذي أراد أن يتحدى مجريات الأقدار .. ومن سخرية الأحوال فإن الطابق الأسفل يلبس الآن ثياب الحداد ! .. حيث يفتقد سيرة الأبوين جملة وتفصيلاَ .. تلك الأقدام النبيلة التي لم تعتب الأبواب يوماَ من الأيام !!.
          تلك هي سيرة أسرة ثابرت وخططت للمدى الطويل .. دون أن تعطي للأقدار دوراَ في المجريات .. وقد بذلت جهدا مضنيا لتبني ذلك الصرح العظيم .. كانت لها قولاَ .. كما كانت للأقدار قولاَ آخـر .. وهو ذلك القول الفاصل النافذ الذي يملك زمام الأمور .. والذي لا يلتزم بمخططات البشر .. كما أنه لا يجاري الأحلام .. وعندما اكتمل ذلك المِشروع الكبير قررت الأسرة أن تنتقل من مقرها المتواضع لتسكن في قلعتها الجديدة .. فكان ذلك اليوم الفاصل الذي جمع الحقيقة بالأقدار .. توجهت الأسرة الفاضلة صوب مقرها الجديد .. وفي الطريق كان اللقاء الحازم مع الموت .. حيث طويت الآجال ونفذت أرصدة الأعمار .. وذلك الكتاب في الأزل قد حكم بالنهايات .. وفي حادثة سير رحلت الأرواح إلى بارئها .. لم يستثني الموت أحداَ من أفراد تلك الأسرة .. فكانت خاتمة الطموحات والتأملات والأحلام .. وذلك الصرح العملاق ظل قائماَ يمثل رمزاَ لصورة الإنسان الغافل الذي يتمادى غلواَ في تملك الحياة .. وهو ذلك الإنسان الذي يبني قصور السراب في غياب الحكمة .. دون أن يتردد قليلاَ في مناسك الموت والحياة .. ودون أن يضع هـادم اللذات في الحسبان !.

 

ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 205 مشاهدة
نشرت فى 6 يونيو 2015 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

778,694